سر القائد المثالي: التوازن بين الانطوائية والجرأة في القيادة
دراساتٌ حديثةٌ تُؤكّد نجاح القادة أصحاب الشّخصيّة المتوازنة في عالم الإدارة ضمن بيئات العمل المختلفة
عندما نتخيّلُ القائد المثالي، يتبادرُ إلى أذهان الكثيرِ منّا صورةً لشخصيّةٍ كاريزميّةٍ، منفتحةٍ، واجتماعيّةٍ بطبعها، ونربطُ القيادةَ بصفاتٍ، مثل الجرأة والانفتاح، تماماً كما نفعلُ مع محترفي المبيعاتِ، ولكن الأبحاثُ الحديثةُ تكشفُ أنّ هذه الصّورة النّمطيّة ليست دقيقةً، وتُوجّهنا في مسارٍ خاطئٍ عندَ التّفكيرِ في أساليب القيادة الفعّالة. فمن هم القادة الحقيقيّون؟ وفقاً لـ Adam Grant، أستاذٌ في كليّة Wharton لإدارةِ الأعمالِ، الإجابةُ قد تكونُ مفاجئةً للكثيرين. [1]
في دراسةٍ أجراها Grant على موظّفي المبيعاتِ في شركةِ برمجيّات، تبيّنَ أن شخصيّاتهم تراوحت بين الانطوائيّة والانفتاح، وقد قُيّمت هذه الشّخصيّاتُ على مقياسٍ من 1 إلى 7 نقاطٍ، وبعد ثلاثة أشهرٍ، وجدَ أنّ الإيراداتِ الّتي حقّقها الانطوائيّون بلغت في المتوسّط 120 دولاراً في السّاعة، بينما حقّق المنفتحون 125 دولاراً، وهذا يناقضُ الفكرةَ الشّائعةَ بأنّ المُنفتحين هم الأكثر نجاحاً في المبيعاتِ أو القيادةِ.
الفائزون الحقيقيّون كانوا أولئكَ الّذين حصلوا على درجاتٍ وسطى، أي بين 3 و5 نقاطٍ. هؤلاء الأشخاصُ، المعروفون بالمتوازنين، لم يكونوا صاخبين جدّاً ولا هادئين جدّاً، فقد وجدوا التّوازن المثاليّ، حيثُ تمكّنوا من كسبِ الاحترامِ دونَ أن يكونوا عدوانيّين، وحافظوا على مكانتهم دون أن يكونوا خاضعين، والأفضل أداءً كانوا من حصلوا على درجة 4.0، حيث حقّقوا إيراداتٍ بلغت في المتوسّط 208 دولاراً في السّاعة.
هذه النّتائجُ تُوضّحُ أنّ المتوازنين يتمتّعون بقدرةٍ فريدةٍ على التّأقلمِ مع المواقفِ الاجتماعيّة، والانسحابِ للتّفكير الاستراتيجيّ عند الحاجةِ. ويتميّزون بالقدرةِ على التّحلّي بالعدوانيّة حينما يكون ذلك ضروريّاً، وفي الوقتِ ذاتهِ يستمعون بفعاليّةٍ، ممّا يسمحُ للآخرين بالمشاركةِ، وهذا التّوازن يجعلهم قادرين على تعديلِ أسلوبِ تواصلهم بناءً على الموقفِ أو الشّخص الّذي يتعاملون معهُ.
لم تقتصر هذه الدّيناميكيّاتِ على المبيعاتِ فقط، بل وجدَ Grant أنّ نفسَ النّمط يتكرّرُ في الأدوارِ القياديّة الأُخرى، فالقادةُ الهادئون يبرعون بفضلِ تفكيرهم الشّموليّ، وحذرهم، وقدرتهم على الاستماعِ بعمقٍ، بينما يُمكنُ للقادةِ المنفتحين تحفيزَ الفرقِ، والحفاظَ على التّواصلِ الفعّالِ، وبناءِ العلاقاتِ بسهولةٍ أكبر. ومع ذلكَ، لكلٍّ من الأنماطِ القياديّةِ الانطوائيّة والمنفتحةِ عيوبها، فقد يجدُ القائدُ الانطوائيّ صعوبةً في التفويض أو في التّحدث أمامَ الجمهورِ، بينما قد يتحدّثُ القائدُ المنفتحُ بكثرةٍ، متجاهلاً الأعضاء الأكثر هدوءاً في الفريقِ.
الخلاصةُ هي أنّ النّجاحَ في القيادةِ لا يعتمدُ على أن تكونَ منفتحاً صاخباً، بل على القدرةِ على الاستفادةِ من نقاطِ القوّةِ في مختلفِ الأنماطِ الشّخصيّة وخلقِ بيئة عملٍ تستفيدُ من هذه المواهب بشكلٍ جماعيٍّ، فالمتوازنون، الّذين يُمكنهم التّنقّل بين طرفي شخصيّاتهم، قد يكونون الأكثر قدرةً على تحقيقِ هذا الهدف.
والأمرُ المثيرُ للاهتمامِ أنّ معظمَ النّاسِ يقعون في منتصفِ الطّيف بين الانطوائيّة والانفتاحِ، ممّا يعني أنّ الكثيرين منّا يمتلكون بالفعلِ التّوازن المطلوب للنّجاح في القيادةِ أو المبيعاتِ ومجالاتِ الحياةِ الأُخرى، فالمفتاحُ هو الوعي الذّاتي والاستعدادُ لتعديلِ أسلوبِ التّواصل وفقاً للمواقفِ المختلفةِ، وبفهم أنفسنا والآخرين، يُمكننا تسخيرُ نقاط قوّتنا لصالحنا في أيّ بيئةٍ.