التوجه الإيجابي: مفتاح التوظيف النّاجح!
يساهم توظيف الأفراد الذين يتمتّعون بمواقف إيجابيٍة وقدرةٍ على التّكيّف في بناء فرق عملٍ متماسكةٍ تُحقّق الإنجازات وتواجه التّحديّات بفعاليّةٍ
عندما أطلقتُ شركة "بيس أوف كيك للنّقل والتّخزين" (Piece of Cake Moving & Storage) في عام 2018، قمت ببناء كلّ شيءٍ من الصّفر، ولو طُلِب منّي تحديد مفتاح النّجاح الأساسيّ، لقلتُ إنّه يكمن في توظيف الأشخاص المناسبين والاحتفاظ بهم، فمن بين أوّل خمسة موظّفين لدينا، ممن بدأوا كعمّال نقلٍ، تقدّم أربعةٌ منهم ليصبحوا مسؤولين عن إدارة أقسامٍ رئيسيّةٍ؛ لذلك أُرجع هذا النّجاح إلى سياستنا الّتي تفضّل التوظيف بناءً على الموقف الإيجابيّ بدلاً من المهارات وحدها.
احرص عند التّوظيف على اختيار الأشخاص ذوي العقليّة الجماعيّة والرّغبة في النّموّ مع الشّركة، فهذه المقاربة تُعزّز جودة العمل، وتخلق فريق عملٍ أكثر تفاعلاً وسعادةً، وتدعم الأرباح بشكلٍ كبيرٍ، فإليك كيف ولماذا تُحقّق هذه السّياسة النّجاح؟
وظّف من يتحلّون بالنّزاهة
يشكّل الأشخاص جوهر أيّ عملٍ تجاريٍّ، وهم الّذين يمنحونه هويّته وطابعه الخاصّ. لذلك، نركّز في عمليّة التّوظيف على صفتين أساسيّتين: الثّقة والنّزاهة، فالشّخص الّذي يتحلّى بهاتين الصّفتين سيكرّس نفسه للعمل، ويبذل أفضل ما لديه يوميّاً لتحقيق أهداف الشّركة ورؤيتها، حتّى في غياب الرّقابة، ويُمكن تدريب الموظّفين على اكتساب المهارات الجديدة، لكن لا يمكن تدريبهم على النّزاهة أو على التّحلّي بموقفٍ إيجابيٍّ.
مع توسّع الشّركة وزيادة الحاجة إلى تحمّل الموظّفين مسؤوليّاتٍ أكبر، يجب أن تعتمد على من أثبتوا التزامهم وأمانتهم تجاه الشّركة، فعندما تبني الثّقة بفريقك، يصبح التّفويض أسهل بكثيرٍ، ممّا يسرّع سير العمل، ويعزّز الإنتاجيّة بشكلٍ ملحوظٍ.
وظِّف من ينمو مع شركتك
يضمن توظيف أشخاصٍ في الوظائف المبتدئة مع منحهم فرصاً للتّطوّر، تعزيز ارتباطهم بالشّركة وشعورهم بأنّك تستثمر في مستقبلهم بقدر ما يستثمرون في نجاح عملك، إذ تقع على عاتقك، كصاحب عملٍ، مسؤوليّة مساعدة الموظّفين على اكتشاف مهاراتهم وشغفهم، خاصّةً في بداية مسيرتهم المهنيّة. وفي شركتنا بيس أوف كيك، نتيح للموظّفين فرصة التّنقّل بين الأدوار والأقسام المختلفة، ممّا يساعدهم على اكتشاف المجالات الّتي يتميّزون فيها ويبدعون بشكلٍ أفضل.
وفي كتابه "التّوظيف بناءً على الموقف: نهجٌ ثوريٌّ لتوظيف واختيار الأشخاص ذوي المهارات الهائلة والمواقف المميّزة" (Hiring for Attitude: A Revolutionary Approach to Recruiting and Selecting People with Both Tremendous Skills and Superb Attitude)، الّذي نشر عن طريق دار النّشر "ماكجرو هيل" (McGraw Hill) عام 2016، يوضّح خبير القيادة مارك مورفي أنّ حوالي نصف الموظّفين الجدد يفشلون خلال أوّل 18 شهراً؛ بسبب مشاكل تتعلّق بالموقف، وليس بنقص المهارات.
عندما تتوافق قيم الموظّف مع قيم الشّركة، ويكون مناسباً لثقافتها، يصبح تحديد الوظيفة المثاليّة له أمراً يسيراً، خاصّةً إذا وفّرت له الشّركة المرونة للانتقال بين الأدوار المختلفة، حتّى يجد المكان الّذي يتألّق فيه.
اجعل قيم شركتك محور التّوظيف
ترتكز قيم شركتنا على: إنجاز العمل بإتقانٍ، وتقديم تجارب نقلٍ لا تنسى، والتّعامل بإنسانيّةٍ وتعاطفٍ، فضمان وجود فريقٍ يشارك هذه القيم، ويعمل بتناغمٍ يعدّ أمراً حيويّاً لنجاح الشّركة، وأفضل تشبيهٍ استخدمه في هذا السّياق يأتي من لعبة كرة السّلّة: عندما يفقد أحد اللّاعبين الكرة، ويركض ثلاثةٌ من زملائه للتّغطية عليه، فهذا فريقٌ يستحقّ التّشجيع والإعجاب؛ لأنّه من الواضح أنّهم سيحقّقون النّجاح على المدى البعيد؛ هذا النّوع من الموظّفين هو ما تحتاجه في فريقك.
غالباً ما تواجه الشّركات الصّغيرة تحدّياتٍ في المخاطرة بتوظيف أشخاصٍ في مناصب عليا برواتب مرتفعةٍ؛ لأنّ ذلك قد يشكّل مخاطرةً كبيرةً إذا لم ينجح الشّخص في أداء مهامّه، فعند الحاجة لشغل منصبٍ إداريٍّ، يجب أن تتأكّد من أنّ الشّخص الّذي تختاره يمتلك المهارات اللّازمة، وعقليّة العمل الجماعيّ، ويتبنّى قيم الشّركة، فالأفضل دائماً هو اختيار شخصٍ بدأ معك في منصبٍ مبتدئٍ، وأثبت ولاءه للشّركة، وشارك في نموّها على مدى سنواتٍ، إلى جانب تطوّره المهنيّ والشّخصيّ.
قدّم الموقف على المهارة لتحقيق نموٍّ سريعٍ
تستهلك عمليّة التّوظيف الكثير من الموارد وتعدّ مكلّفةً، فعند توظيف أشخاصٍ في المناصب المبتدئة وبناء ثقافة عملٍ يشعر الموظّفون بالفخر بالانتماء إليها، ستجذب الأشخاص الّذين يتطلّعون لبناء مسيرتهم المهنيّة مع شركتك، إذ يؤدّي هذا النّهج إلى تعزيز استمراريّة الموظّفين، وتقليل معدّل الاستقالات، وخفض الوقت والجهد اللّازمين لاستقطاب وتدريب موظّفين جددٍ، ومع العلم أنّ تكلفة استبدال موظّفٍ عالي التّدريب قد تتجاوز 200% من راتبه، يصبح الاستثمار في فريقك خياراً حكيماً يعزّز الرّبحيّة.
عندما تركّز على اختيار الأشخاص الّذين يتمتّعون بمواقف إيجابيّةٍ، وتمنحهم بيئة عملٍ تدعم تطوّرهم المهنيّ والشّخصيّ، فإنّك لا تضمن فقط تعزيز إنتاجيّتهم في المدى القصير، بل تضع الأساس لبناء فريقٍ ملتزمٍ ومتحمّسٍ يشاركك رؤية الشّركة وأهدافها، فالأشخاص ذوو المواقف الإيجابيّة هم الأكثر استعداداً للتّكيّف مع التّحدّيات، والعمل بروح الفريق، والمساهمة في تحقيق نموٍّ مستدامٍ للشّركة.
ومن خلال الاستثمار في تطوّرهم وتقديم الفرص الّتي تساعدهم على اكتشاف إمكاناتهم، ستحقّق بيئة عملٍ تزدهر بالإبداع والتّعاون، ممّا يساهم في ضمان استمراريّة النّجاح والنّموّ لسنواتٍ طويلةٍ قادمةٍ.