3 مفاتيح للسعادة: كيف توازن بين الحب والمال والحرية؟
أظهرت الأبحاث أنّ الاستقرار الماليّ النّاتج عن علاقةٍ صحيّةٍ يسهم بشكلٍ مباشرٍ في تقليل التّوترات اليوميّة وتحسين الأداء الوظيفيّ العامّ

لا تحتاج إلى عبقريّةٍ كي تدرك هذه الحقيقة: تلعب العلاقات الأساسيّة دوراً محوريّاً في سعادتك؛ هذا ما يؤكّده عالم الاجتماع في جامعة فيرجينيا، براد ويلكوكس، في كتابه الأخير "تزوّج" (Get Married)، حيث يقول: "جودة الحياة الزوجية، وبفارقٍ كبيرٍ، هي أقوى مؤشّرٍ على الرّضا العامّ عن الحياة في الولايات المتّحدة؛ فعندما نحاول التّنبّؤ بالسّعادة بشكلٍ عامٍّ، نجد أنّ الزّواج الجيّد أهمّ بكثيرٍ من مستوى التّعليم، أو مقدار الدّخل، بل وحتّى من مدى رضاك عن عملك".
لكن لا يقتصر الأمر على السعادة الشّخصيّة فحسب؛ تؤثّر العلاقات الأساسيّة أيضاً في نجاحك المهنيّ. وفي دراسةٍ أجرتها جامعة واشنطن في سانت لويس، تبيّن أنّ من يتمتّعون بعلاقاتٍ مستقرّةٍ مع شركاء حياة موثوقين يميلون إلى الأداء الأفضل في أعمالهم، ويحصلون على ترقياتٍ أكثر، ويحقّقون دخلاً أعلى، والأهمّ أنّهم يشعرون برضا أكبر تجاه وظائفهم.
ولكن، من يسبق من؟ العلاقة أم المال؟ إنّه سؤالٌ يشبه جدل "الدّجاجة أم البيضة؟" في دراسةٍ نشرت في "مجلة وجهات النظر الاقتصادية" (Journal of Economic Perspectives) أظهرت أنّ أصحاب الدّخل المرتفع هم الأكثر إقبالاً على الزّواج، بينما كشفت دراسةٌ أخرى من "مؤسّسة بروكينغز" (Brookings Institution) أنّ هؤلاء أيضاً أقلّ عرضةً للطّلاق.
ويدعم هذا الكلام تقرير "مكتب الإحصاء الأمريكيّ" (U.S. Census Bureau) لعام 2021، الّذي أشار إلى أنّ البالغين المتزوّجين يحقّقون دخلاً أعلى بكثيرٍ من غير المتزوّجين، ويمتلكون صافي ثروةٍ يعادل ثلاثة أضعافٍ ما لدى غير المتزوّجين.
وفي استطلاعٍ "لمكتب إحصاءات العمل" (Bureau of Labor Statistics) في العام نفسه، وجد أنّ الأزواج المتزوّجين ينفقون حوالي 10,000 دولارٍ لكلّ شخصٍ مقارنةً بغير المتزوّجين. سواءً بدأت العلاقة أوّلاً أو المال، فالنّتيجة واحدةٌ، كما أظهرت دراسةٌ "المعاهد الوطنيّة للصّحّة" (National Institutes of Health) أنّ ربع الأزواج يرون أنّ المال هو مصدر التّوتّر الأكبر في علاقتهم.
أمّا استطلاعٌ آخر أجرته شركة "توكر ريسيرتش" (Talker Research) لصالح شركة "وايز" (Wise)، فكشف أنّ الأزواج يخوضون 58 نقاشاً ماليّاً سنويّاً في المتوسّط. إذاً، نعم، العلاقات مهمّةٌ والمال مهمٌّ. وإذا كنت تنعم بعلاقةٍ متينةٍ ووضعٍ ماليٍّ مستقرٍّ، فغالباً ما تكون السّعادة نتيجةً طبيعيّةً لذلك. ولكن هناك عنصرٌ ثالثٌ لا يقلّ أهمّيّته: وهو الاختيار.
يعمل ملايين النّاس بوظائف لدى الآخرين، ولست هنا لأقلّل من قيمة العمل كموظّفٍ؛ فإنّي شخصيّاً كنت موظّفاً على مدى 20 عاماً. ولكن الحقيقة هي: حين تكون موظّفاً، فإنّ حرّيّتك محدّدةٌ. إذ تعني قدرتك على الاختيار أو التّحكّم الذاتي، أن تمتلك الحرّيّة والقوّة لاتّخاذ قراراتك وتنفيذها بنفسك. وكلّ موظّفٍ، مهما كانت درجته، يخضع لإدارة أحدٍ ما. وقد أخبرني عدد من الرّؤساء التّنفيذيّين أنّهم شعروا بحرّيّةٍ أكبر في اتّخاذ القرارات وإنجاز المهامّ، حين كانوا في مناصب أدنى في الشّركة.
الأمر واضحٌ: كموظّفٍ، حرّيّتك محدّدةٌ، وكذلك طموحك. ربّما تحصل على زيادةٍ سنويّةٍ، لكنّها غالباً ما تتراوح بين 3% و4% فقط، أمّا على الجانب الآخر، المخاطر أكبر؛ فقد تفصل أو تسرّح من عملك رغم كلّ مجهوداتك.
يمكنك أن تكون موظّفاً وتبني علاقةً قويّةً، ويمكنك أن تجني دخلاً ممتازاً، وأنت تعمل تحت إمرة شخصٍ آخر، بل ويمكنك أن تحظى ببعض الاستقلاليّة حتّى في عملك، لكنّك لن تمتلك السّيطرة الكاملة على مستقبلك، وقد يكون فقدان الشّعور بالتّحكّم من أبرز مصادر التّوتّر في الحياة.
ربّما لهذا السّبب بالضّبط، وجدت دراسةٌ نشرت في "مجلة علم النّفس الشّخصي والاجتماعي" (Journal of Personality and Social Psychology) أنّ الشّعور بالاستقلاليّة -أي أنّ حياتك واختياراتك تنبع منك- هو أكبر عاملٍ مؤثّرٍ في الشّعور بالسّعادة. وقد قال الباحثون: "الإحساس القويّ بالسّيطرة على مجريات حياتك هو مؤشّرٌ أكثر دقّةً للشّعور بالرّضا النّفسيّ من أيّ عاملٍ موضوعيٍّ آخر درسناه، تؤثّر الاستقلاليّة على السّعادة أكثر من المال؛ صحيحٌ أنّ المال يمنحك حرّيّةً، لكنّه لا يضيف إلى سعادتك".
هل يبدو الأمر مُربكاً؟ ربّما. لا عجب، فالدّراسات كثيراً ما تتناقض في نتائجها: منها ما يؤكّد أنّ الزّواج هو المصدر الأكبر للسّعادة، ومنها ما يقول إنّ المال هو الأساس. والآن، لدينا دراسةٌ تثبت أنّ الاستقلاليّة هي الأهمّ.
لذلك، فإنّ الرّؤية الأكثر اتّزاناً هي اعتبار أنّ: العلاقة، والمال، والاختيار... جميعها بنفس القدر من الأهمّيّة. والأجمل أنّها مترابطةٌ: علاقةٌ صحّيّةٌ تجعل حياتك أكثر سعادةً، وأحياناً أكثر نجاحاً ماليّاً. كما يخفّف النّجاح الماليّ من الضّغوط في العلاقة؛ لأنّه يقلّل من الخلافات حول المال. ويشكّل الاختيار، أو الاستقلاليّة، بعداً ثالثاً يكمل صورة الرّضا في حياتك. إذاً، ينبع الرّضا الحقيقيّ من قدرتك على اختيار:
- ما الّذي تفعله؟
- كيف تفعله؟
- مع من تفعله؟
- لماذا تفعله أصلاً؟
تمثّل ريادة الأعمال أعلى درجات الاستقلال المهنيّ. نعم، قد تفشل -لكن الفشل سيكون اختيارك- وقد تنجح -والنّجاح سيكون بفضل قراراتك- هذا لا يعني أن تتسرّع وتترك عملك، بل يمكنك أن تبدأ بخطوةٍ صغيرةٍ: مشروعٌ جانبيٌّ. حتّى بضع ساعاتٍ يوميّاً من العمل الحرّ، تمنحك شعوراً أكبر بالتّحكّم في حياتك.
ومع الوقت، ستكسب بعض المال أيضاً. ولكن الأهمّ من ذلك، أنّك ستشعر بتحسّنٍ حقيقيٍّ تجاه نفسك؛ لأنّك تعيش حياتك كما تحبّ. تسير في طريقك الخاصّ، وتتّخذ قراراتك بنفسك، وتتحكّم بمصيرك. إذاً، العلاقة والمال، والاختيار. لماذا لا تختارها جميعاً؟