سليمان الراجحي.. من العتالة إلى قائمة أغنى أغنياء العالم
قصةُ نجاحٍ ملهمةٌ لملياردير سعودي بدأ حياته من الصفر وعاد إليه بإرادته.
سليمان الراجحي، ربّما لم ولن تعرفوا الرّجلَ الذي فارق الحياة عام 2017م عن كثبٍ، لكنّ الإمبراطوريّة الماليّة التي صنعها من لا شيءٍ حرفيّاً، سوى العمل والإصرار، والإيمان، والابتعاد عن المغريات، ستبقى شاهداً على عظمةِ رجل الأعمال السّعوديّ، الذي اختار قضاء آخر سنواتِ حياتهِ فقيراً بإرادتهِ. [1]
ولادته
ولد مؤسّس مصرف الرّاجحي، أكبر بنك إسلاميٍّ في العالم، عام 1928م، في منطقةِ القصيم السعودية، انتقل مع والده إلى العاصمة السّعودية الرّياض عام 1937م، ليبدأ دراسته هناك، دون أن يخفي ميله للعملِ والتّجارة.
وكانت أولى الوظائف التي عمل بها في العتالة، ثمّ حارساً للبضائعِ في الأسواقِ، وجمعِ الحطب الذي يتساقطُ من السيارات، عمل أيضاً في البناء والعديد من المهن البسيطة الأخرى، وهذا ما أكسبهُ الخبرةَ التّجاريّة، والمرونةَ، والقدرةَ على التّعامل مع مختلفِ أمزجة البشرِ.
شكلّ العام 1943 بدايةَ عمله الخاصِّ، إذ افتتح محلّاً صغيراً في حيّ المربع، باع فيه منتجاتٍ تموينيّةٍ للمنازلِ، كذلك الحلويات التي كان يستوردها من البحرين، لكنّ الفرحة بالمحلّ الجديد لم تدم سوى لعام 1945م حين باعه، لتغطيةِ تكاليف زواجه، لينتقلَ بعدها إلى جدة، ويبدأ عملاً تجاريّاً جديداً مع شقيقهِ.
إذ عمل حينها الملياردير السّعودي الرّاحل في الأنشطة المصرفيّة للصّرافين في جدة ومكة، وكان يحمل الودائعَ على ظهره إلى المطار مسافةَ أكثر من 10 كم، بهدف توفيرِ تكاليف النّقل وأجرة العتّالين، لتحقيق النّمو والازدهار بأسرع وقتٍ ممكنٍ له ولشقيقه.
مع نموّ الأعمال وتطورها اتّفق الشّقيقان صالح وسليمان الراجحي، على افتتاح متجرٍ صغيرٍ، وتمّ الأمر. وبعد 11 عاماً، أصبح الشقيقان شريكين في المتجر، ليدخل سليمان الراجحي عالم العقاراتِ ويبدأ بالتّوسع فيها. ثمّ انفصل الشقيقان ومارس كل منهما عمله الخاصّ دون أن يؤثرَ على عمل الآخر، وبعد ستِ سنواتٍ اتفقا على إعادةِ الشّراكة فيما بينهما مجدداً.
تأسيس مصرف الراجحي
تأسّس مصرف الراجحي بجهودٍ كبيرةٍ من الملياردير السّعودي الرّاحل سليمان الراجحي، عام 1957م، يمتلكُ المصرف اليوم أكثر من 20 ألف موظف وموظفة، وإجمالي أصولٍ وصل إلى 776 مليار ريالٍ سعوديٍّ، ورأس مالٍ مدفوعٍ يقاربُ 40 مليار سعودي.
بدأ البنك الذي يعتبرُ أكبر بنك إسلاميّ في العالم، العملَ باسم مؤسّسة الراجحي للتّجارة والصّرافة عام 1978م، ليصبحَ بحلول العام 1988م شركةً مساهمةً سعوديّةً، وفي عام 2006م بات يُعرف باسم مصرف الراجحي.
شاهد أيضاً: Naver تحصل على مشروع توأم رقمي بقيمة 100 مليون دولار في السعودية
ثروة الراجحي
عام 2011م قدّرت مجلة فوربس ثروةَ الرّاحل سليمان الراجحي بـ7.7 مليار دولارٍ أميركيٍّ، ليكونَ في المرتبة الـ 120 في قائمةِ أغنى الأشخاصِ في العالمِ. ورغم كلّ هذا الثّراء والأموال، اختار رجل الأعمال الرّاحل أن يعيشَ آخر سنواتِ حياته فقيراً، ففي عام 2011،م بات مفلساً بعد أن نقلّ كل أمواله إلى أولاده، وخصّص قسماً منها للأوقافِ.
كان يمتلكُ فلسفةً عميقةً حقّاً، إذ قال في مقابلةّ معه عام 2012م، إنّه اختار التّخلي عن أمواله وأملاكه، والعودة إلى نقطةِ الصّفر، وأضافَ أن الأمرَ ليس غريباً عليه، لكنّ شعورُه حينها كان مصحوباً بالسّعادة وراحةِ البالِ، فالعودةُ إلى نقطةِ الصّفر هذه المرّة كانت خيارهُ وقرارهُ.
محطات في حياة سليمان الراجحي
توزيع ثروته على أولاده والتّخلي عنها، أمرٌ برّره الراجحي بالقولِ: إنّه لم يكن يريدُ أي خلافاتٍ بينهم أو أن تُضيّعَ المحاكم وقتها في حال وجودِ خلافاتٍ بينهم على تقسيمِ الإرثِ، خصوصاً أنّه رأى كيف أنّ شركاتٍ كبيرةٍ دُمرت بالكاملِ بسبب النّزاعاتِ بين الورثةِ.
"لستُ بخيلاً لكننّي ضد الإسراف"، جاء جوابهُ هذا رداً على سؤالٍ حول تقشّفه، وأضافَ أنّه كان يحاولُ دائماً أن ينقلَ هذا الدّرسَ لكلّ الموظّفين والعاملين معه، كذلكَ إلى أبنائه. فلم يكن الملياردير الرّاحل، يعطي النّقود لأطفاله بشكلٍ مجانيٍّ، إنّما يمنحها لهم مقابل أن يقوموا ببعضِ الأشياء التي يطلبها منهم، كما قال وأضاف أنّنا في حياتنا نمارسُ الإسراف دون أن ندركَ ذلك.
وطرح مثالاً على الإسراف، متسائلاً، لماذا نضع السّتائر باهظة الثّمن على نوافذنا فنثقل كاهلنا وكاهل بلدنا، ومن ثم نُضيء المصابيح في النّهار عوضاً من أن نتركَ نور الشّمس يُضيء المكان بشكلٍ مجانيٍّ.
لم يكن الرّاحل يمتلكُ طائرةً خاصّةً، لكنّه كان يمتلكُ طائراتٍ كثيرةٍ تتبع لشركاتِ طيرانٍ مختلفةٍ، ولم يكن يسافر إلّا بالدّرجة الاقتصاديّة، وعن هذا يقول:" إن الله منحنا ثروةً ليس لنظهرَ غطرستنا أو ننفق بإسرافٍ، لكن للتّعامل مع الثّروة على أنّها ملكيةٌ موثوقةٌ".
ومن الوصايا التي قدّمها لأولادهِ بعد منحهم أملاكهُ، كان تأكيده عليهم أن يكونوا صادقين في عملهم، وأن يتعاملوا مع الأموالِ على أنّها أمانةٌ وأن يتفاعلوا مع المجتمعِ بأفضلِ شكلٍ ممكنٍ.
كما وأعطى الراجحي مثالاً يُحتذى في دقّة مواعيده، فطيلة حياته لم يتأخّر عن أيّ موعدٍ سوى مرّةً واحدةً فقط ولدقائق معدودة، وهذا ما يُمكن أن يكونَ أحد أهمّ الاستراتيجيّات الفعّالة في كسبِ العملاءِ أو حتّى الدّاعمين والمستثمرين.
إلى جانب ما سبق يُعطي الراحل درساً كبيراً في طريقة التّعامل مع الأزمات، بتسليمٍ كاملٍ للقضاء والقدر، فحين اندلع حريقٌ كبيرٌ في إحدى منشآته الاقتصاديّة، وبلغ حجم الخسائر حينها 10 ملايين جنيه مصريٍّ، اكتفى الرّاحل سليمان الراجحي بالقول: "الحمد لله".
شاهد أيضاً: كريستيانو رونالدو من متسول بقايا الطعام إلى لاعب يكسب ملايين دولارات
وصايا سليمان الراجحي للنجاح
تجربة سليمان الراجحي المُلهمة، لم تكن لتحدث لولا استراتيجيات النّجاح التي اتّبعها، والتي يُمكن استخلاصها سواء من تصريحاته أو حتّى من حديثه في لقاءاته الصّحفية، والتي تُظهر بالمرتبة الأولى كيف أنه اعتمدّ على عقيدته وعلى القيّم وفطرته الإنسانيّة بالوصول إلى ما هو عليه.
وفيما يلي أبرز وصايا سليمان الرّاجحي للنّجاح:
- عدم الإسراف، فالبطر ليس من مزايا النّاجحين أو الباحثين عن النجّاح، ويُقال عن الرّاحل إنّه لم يخرج في أيّ رحلةٍ سياحيّةٍ خارج بلده السّعودية.
- عدم اتّباع الخيارات السّهلة، إذ سبقّ ونصحَ كلّ المقبلين على الّتجارة، ألّا يتّخذوا الخيارات السّهلة للرّبح والخسارة، وعليهم التّميّز بالابتكار والطّموح والإيمان.
- الاستقرار في مجالٍ مهنيٍّ واحدٍ، وعدم التّشتت، فهذا يمنح الخبرة والتّمتع بالعلاقات المناسبة مع الآخرين الذين يعملون بذات العملِ.
- تحديد الأهداف الخاصّة بدقةٍ، والعمل على التّطوير المستمرّ لها، والاعتماد على التّسهيلات الحكوميّة المُقدّمة بطريقةٍ احترافيّةٍ، وأن يتم استغلالها على أكملٍ وجهٍ.
- أعمال الخير لا تقتصر على بناء المساجد، وإنّما هناك العديد من المجالات الأخرى، عبر توفير المشاريع التّنموية المناسبة لجيل الشّباب، والتي تساعدهم على اكتساب المهارات والتّقنيات الحديثة، ليؤسّسوا بشكلٍ أفضل لمستقبلهم.
- العمل شرف، وبالنّسبة لرجل الأعمال الرّاحل، فإنّ على الشّباب أن يتعبوا وألّا يتكبروا على أيّ عملٍ مهما كان بسيطاً، لأنّ هذا ما يمنحهم القدرة على الانتقال إلى عملٍ أكبر لاحقاً.
كما اشتهر الرّاحل بأعمالهِ الخيريّة الكثيرة، فأسّس شركة أوقاف سليمان عبد العزيز الراجحي القابضة، التي تملكها بالكاملِ مؤسّسة الوقف، ويعود ريعها كاملاً للوقفِ. وربما لو قُدّرَ للرّاحل سليمان الراجحي أن يبدأَ كشابٍ في عالمنا اليوم، لكان من أنجحِ روّاد الأعمالِ، رُغم أنّه أصبح كذلكَ بالفعلِ بإصرارهِ وعملهِ في زمنهِ.
لا يقدّم الراجحي الكثير من الاستراتيجيّات للنّجاح، بقدر ما يجعلنا نشعرُ أنّه تعاملَ بالفطرة الإنسانيّةِ، سواءً مع الأموالِ أو مع الأشخاصِ، دون أن تسرقه الدّنيا من قناعاتهِ ومعتقداته الدّينيّة، ربما ما حصل معه يجعلنا ندركُ أن الكارما قد تكون موجودةً حقّاً.