احترام التزامات الموظّف العائليّة: نقطة تحوّل نوعيّة
سياسة الرّعاية الرّحيمة تعزّز التّوازن بين العمل والحياة لضمان استدامة الموظّفين والشّركات
في كلّ موسم عطلاتٍ، تبحث الشّركات عن طريقةٍ للتّعبير عن تقديرها لموظّفيها من خلال طرقٍ مختلفةٍ مثل الحفلات والهدايا والرّحلات والمكافآت. ولكن في هذا الموسم، نقدّم لموظّفينا ما هو أكثر قيمةً: وقتٌ إضافيٌّ مع عائلاتهم عندما يحتاجون إليه. ومع بداية هذا الشّهر، طرحت شركتنا سياسةً جديدةً تمنح الموظّفين المرونة اللّازمة لرعاية من يحبّون، والّذين هم أفراد أسرهم.
نعيش في عصرٍ يتحمّل فيه العديد من الأشخاص مسؤوليّة رعاية أفراد عائلاتهم، سواءً كانوا أطفالاً أو والدين مسنّين أو أفراداً آخرين يحتاجون إلى الرّعاية. إذ أوجد هذا العبء المتزايد على الأفراد ظاهرةً اجتماعيّةً تعرف بأنّ الشّخص يتحمّل مسؤوليّتين في وقتٍ واحدٍ، حيث يعتني بأطفاله وأيضاً بأفرادٍ من عائلته كبار السّنّ.
فتشير الإحصاءات إلى أنّ نسبة كبار السّنّ في العالم ستشهد زيادةً كبيرةً في المستقبل. على سبيل المثال، من المتوقّع أن يتضاعف عدد الأشخاص الّذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً على مستوى العالم من 12% إلى 22% بين عامي 2015 و2050. في المقابل، أظهرت الدّراسات أنّ عدد الأشخاص الّذين يقدّمون الرّعاية لأحبّائهم في الولايات المتّحدة، مثل العائلة والأصدقاء، قد وصل إلى 53 مليون شخصٍ في عام 2020، ممّا يعكّس زيادةً كبيرةً عن 9.5 مليون شخصٍ في عام 2015.
الإجهاد اليوميّ النّاتج عن الرّعاية
في الحقيقة توجد أسس عملٍ لدعم فرق الرّعاية الصّحّيّة الّتي تقدّم المساعدة للعائلات الّتي تقوم بالرّعاية، ومن الضّروريّ أيضاً أن تكون بيئات العمل واعيةً بالإجهاد اليوميّ الّذي يواجهه مقدّمو الرّعاية. وفي هذا السّياق، قامت جينيفر وولف من مدرسة بلومبرغ للصّحّة العامّة في جامعة جونز هوبكنز بدراسة الآثار الاجتماعيّة والعاطفيّة الّتي يتركها تقديم الرّعاية على الموظّفين. وقد وجدت أنّ مقدّمي الرّعاية يعانون من صعوباتٍ أكبر بكثيرٍ على الصّعيد العاطفيّ والجسديّ والماليّ مقارنةً بالأشخاص الّذين لا يتحمّلون مسؤوليّة تقديم الرّعاية لأحدٍ.
وفي كتاب "مقدمو الرّعاية العاملين: الموظّفون غير المرئيّين" (Working Caregivers: The Invisible Employees)، يحثّ سيلما آرتشر وزاك ديموبولوس أصحاب العمل على تقييم دعمهم لمقدّمي الرّعاية العاملين من خلال طرح أربعة أسئلةٍ رئيسيّةٍ: كم عدد مقدّمي الرّعاية لديهم؟ هل توجد سياساتٌ لدعمهم؟ هل يتمّ إبلاغ الموظّفين بالمزايا المتاحة لهم؟ وهل تلك المزايا تلبّي احتياجات مقدّمي الرّعاية؟
أثناء قراءتي للكتاب، أصبح واضحاً لي أنّني أرغب في دعم مقدّمي الرّعاية في شركتنا من خلال تقديم هديّةٍ غير متوقّعةٍ لموظّفينا تتمثّل في سياسة رعايةٍ رحيمةٍ. ولم أكن أعلم حينئذٍ أنّه بعد خمسة أسابيع، سيتمّ تشخيص والدتي، الّتي كانت تعيش معي، بسرطان الرّئة في مرحلةٍ متقدّمةٍ، وأنّني سأواجه أسابيع من المواعيد الطّبّيّة الّتي ستؤثّر على روتيني اليومي. وكصاحبة الشّركة، لم أشعر بالذّنب لاصطحاب والدتي إلى مواعيدها الطّبّيّة. حيث كان من المهمّ بالنّسبة لي أن أشارك هذه الحرّيّة مع موظّفينا الّذين يجب عليهم أخذ أطفالهم إلى المدرسة، أو اصطحاب طفلٍ مريضٍ من الحضانة، أو قضاء وقتٍ مع أحد الوالدين الّذي يخضع لجراحةٍ. آمل أن تسهم هذه السياسة الّتي تمنح موظّفينا المرونة والتّوازن في بناء الثّقة والتّعاطف والرّحمة الّتي تتجاوز ساعات العمل.
إنشاء سياسةٍ للرّعاية الرّحيمة
إليك الخطوات الّتي اتّبعتها لإنشاء سياسة الرّعاية الرّحيمة في شركتنا:
- تحديد عدد مقدّمي الرّعاية في المنظّمة: اسأل موظّفيك بشكلٍ فرديٍّ، أو أرسل لهم استبياناً لمعرفة عدد الأشخاص الّذين يقدّمون الرّعاية داخل المنظّمة.
- استكشاف التّحدّيات: أجر محادثاتٍ هادفةٍ مع موظّفيك حول التّحدّيات الّتي يواجهونها في العمل والرّعاية. اسألهم عن مواعيد الزّيارات الطّبّيّة أو توصيل الأطفال إلى الحضانة أو الأنشطة بعد المدرسة.
- تحديد التّعديلات في بيئة العمل: قد لا يكون يوم العمل التّقليديّ من السّاعة 8 إلى 5 مناسباً بعد الآن. قدّمنا أوقات عملٍ مرنةً للموظّفين الّذين يصطحبون أطفالهم إلى المدارس، وسهّلنا تعويض الوقت الضّائع للمواعيد الطّبّيّة للوالدين، كما سمحنا بساعات عملٍ عن بعدٍ للموظّفين الّذين يعتنون بأحد الوالدين المقيمين معهم.
- إنشاء بيئةٍ آمنةٍ للشّفافية: شجّع موظّفيك على أن يكونوا صادقين بشأن التّحدّيات الّتي يواجهونها في المنزل، وكيف يمكن للعمل أن يقدّم لهم الدّعم. يبدأ هذا النّوع من الشّفافية من مستوى القيادة.
- بناء الثّقة المستمرّة: عندما يحتاج الموظّفون إلى حضور مواعيد رعايةٍ، أو المشاركة في أحداثٍ مهمّةٍ، ينبغي على الإدارة تجنُّب أيّ تعبيرٍ قد يوحي بأنّ الموظّف مذنبٌ، أو يُشعِرُه بعدم الارتياح لمجرّد أخذه بعض الوقت. الأجدر هو اعتماد نهجٍ متعاطفٍ ومشجّعٍ دائماً. وفي المقابل، من المتوقّع أن يُظهِر الموظّفون الاحترام المتبادَل، وذلك من خلال العمل لساعات إضافيّةٍ عند قدرتهم، أو تقديم المساعدة عندما يحتاج أحد زملائهم إلى رعاية أحد أفراد أسرته، أو التحدّث بصراحةٍ عمّا يمكنهم فعله لدعم أهداف المؤسّسة.
- التّواصل المستمرّ: استمرّ في ترسيخ الثّقة عبر التّأكيد المستمرّ على أنّ تخصيص وقتٍ للرّعاية حقٌّ مشروعٌ وركنٌ أساسيٌّ داخل المؤسّسة. احرص على توضيح هذه السّياسة عند طرحها لأوّل مرّة، ثمّ عزّزها كلّما سنحت الفرصة، سواءً في الحوارات الفرديّة مع الموظّفين، أو في اجتماعات الفرق المتمحورة حول الثّقافة والقيم. وفي حال ظهور أيّ قضايا أو هواجس، يجب التّعامل معها بسرعةٍ وفعاليّةٍ من قِبَلِ كلٍّ من الموظّفين والإدارة.
تعدّ سياسة الرّعاية الرّحيمة هديّةً يمكن تقديمها في موسم العطلات. والّتي ستستمرّ في العطاء للشّركة وللموظفين، فمن خلال تمكين فريقك من الاستفادة من مزايا سياسة الرّعاية الرّحيمة، ستنشئ بيئةً من الثّقة والدّعم الّتي ستعزّز عوائد الاستثمار الخاصّة بك، وتتجاوز حدود الشّركة.