شركة Arable السعودية الناشئة تحدث نقلة نوعية في مجال الزراعة
نشأت Arable من شراكةٍ بين لورانس أونج وكريستينا خليفة، اللّذين اجتمعا عام 2024 لإطلاق نظام زراعةٍ مائيّةٍ متطوّرٍ مصمّمٍ خصّيصاً للتّكيّف مع البيئة الصّحراويّة القاسية في السّعوديّة

هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
في بيئةٍ تتّسم بالجفاف وندرة الموارد المائيّة، تواجه المملكة العربيّة السّعوديّة منذ عقودٍ تحدّياتٍ جوهريّةً في تحقيق استدامةٍ زراعيّةٍ حقيقيّةٍ. ومع اعتماد نحو 85.7٪ من تجارة الأغذية والمشروبات على الواردات، تصبح المملكة عرضةً لاضطرابات سلاسل التّوريد، ممّا يجعل الأمن الغذائيّ مسألةً ملحّةً. وهنا تبرز أهمّيّة "آرابل" (Arable)، الشّركة النّاشئة في مجال التّكنولوجيا الزّراعيّة، الّتي تستغلّ الموارد المحلّيّة في تطوير حلولٍ زراعيّةٍ مبتكرةٍ ومستدامةٍ.
انبثقت "آرابل" من شراكةٍ بين لورانس أونج وكريستينا خليفة، اللّذين اجتمعا عام 2024 لإطلاق نظام زراعةٍ مائيّةٍ متطوّرٍ مصمّمٍ لتحمّل التّحدّيات المناخيّة القاسية في الصّحراء السّعوديّة. ولا تقتصر رؤيتهما على إيجاد حلولٍ زراعيّةٍ، بل يسعيان إلى وضع المملكة في مقدّمة المصدّرين للمنتجات الطّازجة عالية الجودة في منطقة الخليج، وهو هدفٌ تدعمه مؤشّراتٌ قويّةٌ على نجاحهما. ففي يناير، وبعد أقلّ من عامٍ على تأسيسها، حصلت "آرابل" على استثمارٍ مبدئيٍّ بقيمة 2.6 مليون دولارٍ من مستثمرين لم يكشف عن هويّتهم، جاء 90% منه من داعمين أجانب، ممّا يعبّر عن ثقةٍ كبيرةٍ في إمكاناتها.
إنّ طبيعة المناخ الصّحراويّ، حيث تصل درجات الحرارة إلى 50 درجةً مئويّةً، وندرة المياه، يجعلان الزّراعة التّقليديّة غير عمليّةٍ، نظراً لاعتمادها على كمّيّاتٍ هائلةٍ من المياه، وهو مورّدٌ يتناقص باستمرارٍ. لذا، فإنّ تطوير أنظمة زراعةٍ مائيّةٍ تستهلك 90% أقلّ من المياه مقارنةً بالأساليب التّقليديّة، مع إمكانيّة الزّراعة داخل بيئاتٍ منضبطة المناخ، يمثّل تحوّلاً جذريّاً في كيفيّة إنتاج الغذاء في المنطقة، ويعكس التزام "آرابل" بتوفير حلولٍ مستدامةٍ تضمن إنتاجاً غذائيّاً مستمرّاً بكفاءةٍ عاليةٍ في استهلاك الموارد.
يعتمد نجاح "آرابل" على مزيجٍ فريدٍ من الرّؤية الاستراتيجيّة والخبرة العلميّة. يجلب لورانس أونج خبرةً تشغيليّةً عميقةً، إذ شغل سابقاً منصب الرّئيس التّنفيذيّ للعمليّات (COO) في الشّركة السّنغافوريّة النّاشئة "ميلد" (Meld)، وهي منصّة بلوكتشين في مجال التّكنولوجيا الماليّة تقدّر قيمتها بـ 100 مليون دولارٍ. في المقابل، تحمل كريستينا خليفة خبرةً تمتدّ لأكثر من سبع سنواتٍ في أبحاث الزّراعة المائيّة التّجاريّة، حيث طوّرت أنظمةً قادرةً على التّكيّف مع أكثر البيئات المناخيّة تحدّياً. بفضل هذا المزيج، نجحا في ابتكار نظامٍ زراعيٍّ مبتكرٍ يتيح إنشاء أنظمة الزّراعة المائيّة بسرعةٍ تفوق المنافسين بأربع مرّاتٍ، ممّا يعزّز قدرة المملكة على تحقيق أمنها الغذائيّ وتقليل اعتمادها على الاستيراد.
وعلاوةً على ذلك، تتماشى "آرابل" مع رؤية السّعوديّة 2030، الّتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النّفط، وضمان الأمن الغذائيّ، ممّا يجعلها نموذجاً مبتكراً في التّكنولوجيا الزّراعيّة داخل المملكة. في حديثه لمجلّة "عربية .Inc"، يؤكّد لورانس أونج أنّ "آرابل" تساهم في تحقيق هذه الأهداف عبر تقليل الاعتماد على الواردات الزّراعيّة، إذ يتمّ استيراد 90% من الخضروات من الخارج، بما في ذلك الّتي تنقل جوّاً من أوروبّا والولايات المتّحدة، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع التّكاليف، وزيادة الانبعاثات الكربونيّة، ومخاطر تعطّل سلاسل التّوريد.
ويضيف أنّ التّقلّبات المتزايدة في سلاسل التّوريد العالميّة تجعل من "آرابل" حلّاً محلّيّاً ومستداماً، حيث توفّر إنتاجاً زراعيّاً طازجاً وعالي الجودة داخل المملكة من خلال أنظمة زراعةٍ مائيّةٍ صمّمت خصوصاً للمناخ الصّحراويّ القاسي.
ويتابع أونج موضّحاً أنّ "آرابل" لم تكتف بتبنّي أنظمة الزّراعة المائيّة التّقليديّة، بل طوّرت نظاماً أكثر تكيّفاً مع بيئة المملكة. ويقول: "عندما جئنا إلى السّعوديّة، لاحظنا أنّ الزّراعة المائيّة كانت تستخدم في دول مجلس التّعاون الخليجيّ منذ أكثر من عشر سنواتٍ، لكنّ معظم المنشآت تعتمد على أنظمةٍ مستوردةٍ، خصوصاً الهولنديّة، الّتي لا تناسب مناخ الخليج القاسي". ويشير إلى أنّ "البيوت الزّجاجيّة، المصمّمة للاحتفاظ بالحرارة في أوروبّا، تستخدم هنا رغم تجاوز درجات الحرارة 45 درجةً مئويّةً، ممّا يزيد من استهلاك الطّاقة، ويؤثّر على كفاءة الإنتاج". ومن هذا المنطلق، طوّرت "آرابل" أنظمة زراعةٍ مائيّةٍ مصمّمةً خصوصاً للمناخ السّعوديّ، باستخدام موادّ محلّيّةٍ منخفضة التّكلفة، ممّا يسمح بإنتاج الفواكه والخضروات الطّازجة في المناطق الصّحراويّة الجافّة بتكاليف أقلّ بكثيرٍ من الأنظمة التّقليديّة.
وإلى جانب تقليل استهلاك المياه بمقدار 90% مقارنةً بالزّراعة التّقليديّة، تتميّز أنظمة "آرابل" بقدرتها على ضبط المناخ الدّاخليّ، وإنتاج الغذاء على مدار العام حتّى في الظّروف القاسية. إلّا أنّ العنصر الأهمّ الّذي يميّز "آرابل" عن غيرها هو الدّمج بين التّكنولوجيا الزّراعيّة المائيّة ونظام الزّراعة الأفقيّة. يوضّح أونج: "على خلاف المزارع العموديّة، الّتي صمّمت للدّول ذات المساحات المحدّدة وارتفاع تكاليف الأراضي، يعتمد نظامنا الأفقيّ على وفرة أشعّة الشّمس والمساحات الواسعة المتاحة في السّعوديّة، ممّا يجعله أكثر كفاءةً في استهلاك الطّاقة وأقلّ تكلفةً".
بهذا النّهج المتكامل، لا تمثّل "آرابل" مجرّد مشروعٍ زراعيٍّ واعدٍ، بل نموذجاً جديداً للزّراعة المستدامة في البيئات الصّحراويّة، ممّا يعزّز موقع السّعوديّة في مجال الأمن الغذائيّ والتّكنولوجيا الزّراعيّة المتقدّمة.
ومنذ انطلاقتها، رسّخت "آرابل" مكانتها في المشهد الزّراعيّ السّعوديّ عبر بناء شراكاتٍ استراتيجيّةٍ مع جهاتٍ محوريّةٍ، من بينها وزارة البيئة والمياه والزّراعة، ممّا منحها دعماً مؤسّسيّاً قويّاً يعزّز رؤيتها في تحقيق استدامةٍ زراعيّةٍ حقيقيّةٍ. كما أبرمت تحالفاتٍ ذكيّةً مع شركاتٍ محلّيّةٍ كبرى، مثل "سنبلة"، الشّركة السّعوديّة الرّائدة في إنتاج الأغذية المجمّدة، ومنتجات الألبان، والعسل الطّبيعيّ، ما وفّر لها دعماً ماليّاً حيويّاً، وأتاح لها الوصول إلى شبكةٍ واسعةٍ من المورّدين المحلّيّين، وهو ما مكّنها من التّوسّع بمرونةٍ وكفاءةٍ.
يؤكّد لورانس أونج على أهمّيّة هذه الشّراكات قائلاً: "إنّ هذه التّحالفات لا تقتصر على تقديم الدّعم الماليّ واللّوجستيّ، بل تساعدنا على التّماشي مع الأولويّات الوطنيّة، وتعزيز الأمن الغذائيّ، وابتكار حلولٍ زراعيّةٍ مصمّمةٍ خصوصاً لاحتياجات المنطقة، ممّا يجعلها ركيزةً أساسيّةً في استراتيجيّتنا للنّموّ".
ورغم أنّ عمليّات "آرابل" حاليّاً تقتصر على السّوق السّعوديّة، فإنّ أونج يرى في الموقع الاستراتيجيّ للمملكة نقطة انطلاقٍ مثاليّةً للتّوسّع الإقليميّ. ويوضّح: "بفضل موقعنا المركزيّ، يمكننا في المستقبل خدمة أسواقٍ رئيسيّةٍ مثل الإمارات، والكويت، والبحرين، بفاعليّةٍ عاليةٍ". ويضيف: "صحيحٌ أنّ تركيزنا الحاليّ ينصبّ على تلبية الطّلب المحلّيّ في السّعوديّة، لكنّ أنظمتنا صمّمت بحيث يمكن تكرارها بسهولةٍ، ممّا يمنّحنا قدرةً فريدةً على التّوسّع مستقبلاً في بقيّة دول مجلس التّعاون الخليجيّ، بل وحتّى في المناطق الجافّة حول العالم".
ولا يتوقّف طموح الشّركة عند حدود الشّرق الأوسط، إذ يرى أونج أنّ حلول "آرابل" قادرةٌ على إحداث ثورةٍ زراعيّةٍ في مناطق تمتدّ من شمال أفريقيّا وأفريقيّا جنوب الصّحراء، إلى جنوب غرب الولايات المتّحدة، وآسيا الوسطى، وأجزاءٍ من أستراليا، حيث تتشابه التّحدّيات المناخيّة والبيئيّة مع تلك الّتي تواجهها السّعوديّة.
في هذه المرحلة، تركّز "آرابل" جهودها على التّوسّع في إنتاج الفواكه والخضروات بالزّراعة المائيّة داخل المملكة، لكنّها تملك خططاً طموحةً للسّنوات القادمة. يكشف أونج: "على سبيل المثال، يبلغ حجم سوق الخضروات الورقيّة، مثل الخسّ، في السّعوديّة وحدها نحو 1.5 مليار دولارٍ سنويّاً، وهذا الرّقم لا يشمل بقيّة دول مجلس التّعاون الخليجيّ". ثمّ يضيف: "في المرحلة الحاليّة، هدفنا الأساسيّ هو تلبية نسبةٍ كبيرةٍ من هذا الطّلب الإقليميّ، وبعد تحقيق ذلك، سنتّجه إلى استكشاف حلولٍ جديدةٍ في إنتاج الغذاء، مثل تطوير أنظمةٍ متقدّمةٍ لإنتاج اللّحوم، والأسماك، والفطر، والحبوب، ممّا يعزّز الأمن الغذائيّ والاستدامة في المنطقة بشكلٍ أوسع".
وفي ختام حديثه، يوضّح أونج أنّ "آرابل" ليست مجرّد شركةٍ تجاريّةٍ، بل مشروعٌ يهدف إلى إحداث تغييرٍ جوهريٍّ في أنظمة إنتاج الغذاء. ويقول بحزمٍ: "ما نبنيه هنا ليس مجرّد نموذج أعمالٍ، بل رؤيةٌ جديدةٌ لإنتاج غذاءٍ محلّيٍّ مستدامٍ يمكن تكراره في أماكن تواجه تحدّياتٍ مناخيّةً مماثلةً، وهو ما سيشكّل فارقاً حقيقيّاً في مستقبل الأمن الغذائيّ العالميّ".