صناع السوق: مهامهم، دورهم، واستراتيجياتهم في البورصة؟
تعرّف على الأيدي الخفيّة، التي تلعبُ دوراً حيويّاً في الأسواق الماليّة عبر توفير السّيولة والأمان للمستثمرين والمتداولين
لفهم من هم صناع السوق بشكلٍ بسيطٍ، دعونا نتخيّل أنّنا الآن في حفلةٍ جميلةٍ، فيها شخصٌ حريصٌ على التّأكّد بشكلٍ دائمٍ من أنّ الجميعَ سعداءٌ ومستمتعون، كذلك الطّعام والشّراب متوفران، والموسيقى تناسبُ أذواقَ الجميعِ. في عالمِ البورصةِ لدينا شخصيّاتٌ مشابهةٌ يُطلق عليهم اسمَ صناع السوق. إذ يُعتبر صناع السوق بمثابةِ أبطالٍ يعملون في الخفاءِ، لضمانِ أنّ تداولاتكَ تسيرُ بسلاسةٍ، والأسعار مُستقرّةٌ، والأسواق الماليّة مليئةٌ بالحيويّةِ. وفي هذا المقال، سنتعرّف على صناع السوق، ومهامهم المتنوّعةِ، والدّور الحيويّ الذي يلعبونهِ في البورصة.
من هم صناع السوق؟
يشيرُ مصطلحُ صناع السوق، إلى أفرادٍ أو شركاتٍ ماليّةٍ تلعبُ دوراً حيويّاً في الأسواقِ الماليّةِ عبر توفيرِ السّيولةِ والأمانِ للمستثمرين، وتتمثلّ مهمّة صانع السوق في شراءِ وبيعِ الأوراقِ الماليّةِ، مثل السّنداتِ والأسهمِ، بهدفِ تحقيقِ استقرارِ الأسعار وتسهيل التّداولِ.
كما يلتزمُ صناع السوق بوضعِ عروضِ الشّراء والبيع باستمرارٍ؛ لتقليل الفجواتِ السّعريّةِ، والمساهمةِ في تحسين كفاءة الأسواق. إذاً، كيف يستفيدُ صناع السوق؟ ببساطةٍ، يستفيدون من الفرقِ بين سعري العرضِ والطّلبِ، وغالباً ما يُتاجرون لحساباتهم الخاصّة أيضاً، وتُعرفُ تلكَ الصّفقاتِ باسمِ الصّفقات الرّئيسيّة.
ولفهمِ من هم صناع السوق بطريقةٍ أبسط، سيكون من المفيدِ معرفة التّالي: [1]
- صانع السوق هو مشاركٌ فرديٌّ أو شركةُ عضوً في البورصةِ تشتري وتبيع الأوراق الماليّة لحسابها الخاصِّ.
- يعملُ صانع السوق على توفيرِ السّيولة للسّوق، مع ضمانِ استمراريّةِ عملهِ.
- أكثر أنواع صناع السوق شيوعاً، هي شركاتُ الوساطةِ الّتي تُقدّم حلول البيع والشّراء للمُستثمرين.
- يُعوّض صانع السوق عن مخاطر الاحتفاظ بالأصولِ؛ لأنّ قيمة الأوراق الماليّة قد تنخفضُ بين شرائها وبيعها لمشترٍ آخر.
- يكسب صانع السوق المال من خلال الفارقِ بين سعري العرضِ والطّلبِ.
- يشاركُ صناع السوق في السّوق في كلّ الأوقات، حيثُ يشترون الأوراق الماليّة من البائعين، كذلك يبيعون الأوراقَ الماليّةَ للمُشترين.
أهمية صانع السوق
تكمنُ أهميّة صناع السوق، في كونهم يُسهّلون على المستثمرين شراء أو بيع الأوراقِ الماليّةِ بسرعةٍ وبكميّاتٍ كبيرةٍ. ومن النّاحيةِ الماليّة، فإنّ هذا الأمر يُوفّرُ السّيولةَ والعمقَ للأسواقِ، خصوصاً في أوقاتِ التّقلبات، حين لا يستطيعُ المشاركون الآخرون ذلكَ، ما يُساهمُ في ضمانِ مرونةِ الأسواقِ. كما يعملُ وجودُ صناع السوق على تبسيطِ تنفيذِ الصّفقاتِ، والحدّ من تقلّبات الأسعارِ وتحديدِ فجواتِ العرض والطلب، وهذا ما يؤدّي إلى بناءِ الثّقةِ بين المُشاركين في السّوقِ.
الأمرُ الآخرُ الّذي يزيدُ من أهمّية صناع السوق، هو تخصيصُ رأس المال بكفاءةٍ، فإحدى وظائفهم تتمثّلُ في ضمانِ التّداولِ المنظّم للأوراقِ الماليّةِ المُدرجةِ في البورصةِ، خصوصاً خلال العروضِ العامّة الأوليّة أو غيرها من باقي أنشطةِ زيادةِ رأس المال، وتلك الأنشطةُ تُساهمُ في التّدفق الفعّال لرأس المال، كذلك في تحقيقِ النّموّ الاقتصاديّ الأوسع. [2]
شاهد أيضاً: كيف تحمي استثماراتك من هوامير البورصة المفتوحة؟
دور صانع السوق في البورصة
تكمنُ أهمية دور صانع السوق في البورصةِ، في كونهِ يُقدّمُ خدماتِ التّداول للمستثمرين المُشاركين في سوقِ الأوراقِ الماليّةِ، حيثُ تعملُ أنشطتهم من خلال حساباتِ التداول الخاصّة بهم على إنتاجِ وتعزيزِ السّيولةِ داخلَ الأسواقِ. ويُمكن القولُ إنّ أهمّيةَ دورهم في البورصة تكمنُ في: [1]
- توفير السّيولةِ، ما يُساعد المستثمرين على شراء وبيع الأسهم بسهولةٍ دون تأخيرٍ، وبالتّالي زيادة سيولة السّوق، وتشجيع المُستثمرين على المشاركةِ بشكلٍ أكبرَ.
- يعملُ صناع السوق على تقليلِ التّقلّبات الحادّة في الأسعار، من خلال شراء وبيع الأسهم بانتظامٍ، ما يؤدّي إلى استقرارِ الأسعارِ.
- يساهم صُنّاع السوق في تحسينِ الكفاءةِ السّوقيّة، من خلالِ توفيرِ السّيولة وتقليلِ تقلّبات الأسعارِ.
- يسهل صُنّاع السوق عمليّات التّداول، من خلال تقليلِ وقتِ الانتظارِ والتّأخيرِ في إتمامِ الصّفقاتِ.
- يؤدّي وجود صُنّاع السوق إلى زيادةِ الثّقةِ لدى المستثمرين، ما يؤدّي إلى إزالةِ قلقهم والحدّ من مخاوفهم.
- يلعبون دوراً مهمّاً في دعمِ الشّركات التي تطرحُ أسهمها لأوّل مرّةٍ في البورصة، ويساهمون في تحقيقِ استقرارِ أسعارِ الأسهمِ الجديدةِ.
- وجود صُنّاع السوق يُحسّنُ القدرةَ على التّنبؤ، ويُعزّز التّنافسيّة في السّوقِ.
الهدف من صانع السوق
الهدفُ من صانع السوق في السّوقِ الماليّةِ هو الحفاظُ على أداءِ السّوقِ من خلال ضخّ السّيولةِ، ويقومون بذلك لضمانِ أن يكونَ حجمُ الصّفقاتِ كبيراً، بما يكفي لتنفيذها بطريقةٍ سلسلةٍ. وفي ظلّ غيابِ صناع السوق، لن يتمكّنَ المستثمرون الرّاغبون ببيع أوراقهم الماليّة، من تصفيةِ مراكزهم؛ لأنّ السّوقَ لا تحوي مشترين جاهزين بشكلٍ دائمٍ.
فإن أرادَ حاملُ السّندِ بيعَ الأوراقَ الماليّة، سوف يشتريها صانع السوق منهُ، وعلى نحوٍ مُماثلٍ، إذا أرادَ المُستثمرُ شراء سهمٍ معيّنٍ، فسوف يضمنُ صانعو السوق أن تكونَ أسهمُ تلكَ الشّركةِ متاحةً للبيع. وبالتّالي، فإنّهم يعملون كتجّار جملةٍ في الأسواقِ الماليّةِ. [3]
آلية عمل صانع السوق
تقوم آلية عمل صانع السوق في سوقِ الصّرفِ الأجنبيّ على تقديمِ أسعارِ العرض والطلب لأزواجِ العُملاتِ، حيث يكونُ سعرُ العرضِ أعلى سعر يرغب المشترون في دفعهِ مقابلَ زوجِ العُملاتِ، في حين أنّ سعرَ الطّلبِ هو أدنى سعر يرغبُ البائعون في قبولهِ، ويمكنُ استخدامُ نطاقات بولينجر لتحليلِ سوقِ الأسهمِ.
عندما يضعُ المتداولون أوامر شراءٍ أو بيعٍ للأسهم أو العملات الأجنبيّة لدى وسيطهم، يتمّ إرسالُ هذه الأوامرِ إلى البورصةِ، حيثُ يقومُ مزوّدو السّيولةِ، مثل صناع السوق، بمطابقتها مع أوامرِ معارضة في دفتر أوامرهم بناءً على سعرِ العرضِ. وإذا لم تكن هناك أوامرٌ معارضةٌ في دفتر أوامرهم، فقد يتّخذون مواقف بأنفسهم، أو يعوّضون تعرّضهم للمخاطرِ من خلال استراتيجيّاتِ التّحوّط.
يجني صناع السوق المالَ من خلالِ فروقِ الأسعارِ بين سعر العرض وسعر الطلب والعمولات، أو الرّسوم المفروضة على تنفيذِ الصّفقات، فضلاً عن الأرباحِ من التّحوط والتّلاعب بتدفّقِ الطّلباتِ، وهم يفعلون ذلك من خلالِ توفيرِ السّيولة للبورصةِ، وتداولِ الأسهمِ والعُملاتِ الأجنبيّة بما يتماشى مع الطّلب في السّوقِ. [5]
مبادئ صانع السوق
تشملُ مبادئ صانع السوق الّتي يلتزمُ بها تحديدَ أسعار شراء وبيع الأوراقِ الماليّةِ، كما يتعيّنُ على صُنّاع السّوق أيضاً تحديدُ الحجمِ الّذي يرغبون في التّداول به، بالإضافةِ إلى تواترِ الوقتِ الّذي سيحدّدون فيه أفضلَ أسعارِ العرضِ والطّلبِ، ويلتزمُ صانع السّوق بتلكِ المعايير في جميعِ الأوقاتِ، بغضّ النّظرِ عن توقّعاتهم للسّوق، وحين تصبحُ الأسواقُ مُتقلّبةً وغير مُستقرّةٍ، يتعيّنُ عليهم أن يبقوا منضبطين بهدفِ مواصلةِ تيسيرِ المعاملاتِ السّلسةِ.
ومن بينِ الالتزاماتِ الأُخرى لصُنّاع السوق، توفيرِ السّيولةِ المُستمرّةِ واستقرارِ الأسعارِ عبر عروضِ شراءٍ وبيعٍ دائمةٍ، كذلك العملُ بشفافيّةٍ تامّةٍ وفقَ القواعدِ التّنظيميّة، والاهتمامِ بإدارةِ المخاطرِ وضمانِ الاحتفاظِ برأسِ مالٍ كافٍ لدعمِ عمليّاتِ التّداولِ. ومن شأنِ تلك المبادئ ضمان نزاهة التّعاملات وتعزيزِ ثقةِ المُستثمرين، ممّا يُساهمُ في استقرارِ وكفاءةِ الأسواقِ الماليّة.
مهام صانع السوق
تهدفُ مهام صانع السوق إلى تعزيزِ السّيولةِ وتحقيقِ الاستقرارِ في الأسواقِ الماليّةِ، وتتضمّنُ تلك المهام: [4]
- توفير السّيولة من خلال عروضِ الشّراء والبيع المُستمرّةِ.
- تحقيق استقرارِ الأسعارِ بشكلٍ نسبيٍّ، من خلالِ وضعِ عروضٍ عند مستوياتٍ سعريّةٍ معقولةٍ ومنطقيّةٍ.
- تسعير الأوراقِ الماليّةِ بشكلٍ دقيقٍ بناءً على العرض والطّلب في السّوق.
- تقليل الفجواتِ السّعريّة بين أسعار العرضِ والطّلب؛ لتعزيزِ كفاءة السّوق.
- دعم الاكتتابات العامّة الأوليّة من خلالِ توفيرِ السّيولةِ وتحقيقِ استقرارِ الأسعارِ في أيّام التّداول الأولى.
- إدارة المخاطر الماليّة والتّشغيليّةِ؛ لضمانِ استمرارِ العملِ.
- توفير معلوماتٍ حديثةٍ ودقيقةٍ عن السّوقِ، ما يُساعدُ المستثمرين على اتّخاذ قراراتٍ مُستنيرةٍ.
- تسهيل عمليّات التّداول بالنّسبة للمُستثمرين، ممّا يُزيدُ من كفاءةِ تنفيذِ الأوامرِ.
وعلى عكسِ المُضاربين العاديّين في البورصة، الذين يحصلون على الأرباحِ الماليّةِ من فرقِ السّعرِ عندَ شراءِ وبيعِ أدواتِ التّداولِ المُختلفةِ، فإنّ صناع السوق تقعُ على عاتقهم مهمّةٌ أُخرى أكثر أهميّةً بكثيرٍ، تكمنُ في توفير السّيولةِ بالأسواقِ، والعمل كطرفٍ ثانٍ في التّجارةِ.
ما هي استراتيجية صناع السوق؟
تعتمدُ استراتيجية صانع السوق في الفوركس مثلاً، على مفهومٍ يُدعى بتدفّقِ الطّلباتِ في سوقِ الصّرفِ، وهذا يعني أنّ صُنّاع السوق يستفيدون من الفرقِ بين سعرِ العرضِ والطّلبِ، المعروفِ باسمِ رهانات الفارق، من خلالِ الشّراء بسعرٍ منخفضٍ والبيع بسعرٍ مرتفعٍ.
ويُمكن لصُنّاع السوق في البورصةِ أيضاً التّلاعب بالأسعار؛ لتفعيلِ أوامِر وقفِ الخسارةِ التي يضعها المُتداولون في سوقِ الصّرف الأجنبيّ، وغالباً ما يتمّ تفعيل أوامرِ وقفِ الخسارةِ، والّتي تُستخدمُ للحدِّ من الخسائرِ، إذا سارت التّجارةُ ضدّكَ، عندما تتجاوزُ الأسعار نطاقَ بولينجر.
وهناك طريقةٌ أُخرى يُمكن لصُنّاع السوق من خلالها تحقيق الرّبحِ في سوقِ الصّرف الأجنبيّ، وهي من خلال استراتيجيّات التّحوّط، إذ تتضمّنُ هذه الاستراتيجيّة اتّخاذ مواقف في اتّجاهين مُتعاكسين لتقليلِ التّعرضِ للمخاطرِ.
كما ترون، صُنّاع السوق هم أشبهُ بمدراء الحفلاتِ الّذين يحرصون على بقاء الأسواقِ الماليّةِ مليئةً بالحيويّة والنّظام، إذ بفضلهم يُمكن للمستثمرين التّمتع بتجربة تداولٍ سلسةٍ ومُستقرّةٍ، دون الحاجةِ للقلقِ بشأنِ التّقلّباتِ الكبيرةِ أو ندرةِ السّيولةِ. لذلك، في المرّةِ القادمةِ الّتي تنجحُ فيها صفقةُ شراءٍ أو بيعٍ بسرعةٍ ودون مشاكلٍ، تذكّر أن تشكُرَ صُنّاع السوق بصمتٍ؛ لأنّهم الأبطالُ الّذين يعملون خلفَ الكواليسِ، لجعلِ كلّ شيءٍ ممكنٍ.
-
الأسئلة الشائعة
- كيف يفكر صناع السوق؟ يُفكّر صناع السوق بطريقةٍ تحليليّةٍ دقيقةٍ ومتوازنةٍ بين العرض والطّلب، ويسعونُ لتحقيقِ استقرارِ الأسعارِ وتوفيرِ السّيولةِ، كذلك يستخدمون التّحليل الفنيّ والأساسيّ، والنّماذج الرّياضيّة، لاتّخاذ قراراتٍ سريعةٍ وصحيحةٍ، إضافة إلى ذلك، يُركّزون على إدارةِ المخاطرِ وتنويع المحفظةِ، ويستجيبون للتّغيرات السّوقيّة بشكلٍ مستمرٍّ، لضمان كفاءة التّداول والرّبحيّةِ.
- من هو صانع السوق الأميركي؟ تعتبرُ بورصتا نيويورك وناسداك البورصتان الرّئيسيتان في الولايات المتحدة الأميركية، أي هما أحد صنّاع السّوق الأميركيّ، وهناك أيضاً، كل من سيتادل للأوراق المالية، وجي تي اس للأوراقِ الماليّةِ، كذلك فيرتو أمريكاس.
- من الذي يتحكم في السوق؟ يتحكّمُ في السوق تفاعل قوى العرض والطلب من قبل المستثمرين والمتداولين، بينما يُؤثّر فيه صناع السوق عبر مساهمتهم في توفيرِ السّيولة واستقرار الأسعارِ، كما تلعبُ الهيئات التّنظيميّة دوراً في فرض القواعد واللّوائح، وسط ذلك لا يُمكن تجاهل العديد من العوامل، مثل: الأخبار الاقتصاديّة، والأحداث العالميّة، والبيانات الماليّة الذين يُؤثّرون على تحركّاتِ السّوق وتوجهاته.