طلب الكمال: كيف يؤثّر على حياتنا المهنية والشخصية؟
حتّى الأشخاص الطموحين يواجهون تحديّاتٍ في سعيهم نحو الكمال، ولكن بمرونةٍ أكبر، يمكنهم تنظيم جهودهم بفعاليةٍ لتحقيق نتائج متميّزةٍ بسرعةٍ
يعتبر طلب الكمال (Perfectionism) سيفاً ذا حدّين، فهو يعكس رغبةً قويّةً في تحقيق أفضل النّتائج الممكنة، ولكن في المقابل يُمكن أن يخلقَ حالةً من التّوتر والإحباط إذا لم يتمّ تحقيق هذه المعايير العاليّة، ويمكن رؤية طلب الكمال في مختلف جوانب حياتنا، من العمل إلى العلاقات الشّخصيّة، فما هو هذا المفهوم، وما هي أبرز مظاهره؟
ما هو مفهوم طلب الكمال Perfectionism؟
طلب الكمال (Perfectionism) هو الرّغبة الدّائمة في تحقيق معايير عاليةٍ، غالباً ما تكون غير واقعيّةٍ، في جميع جوانب الحياة، إذ يسعى الأشخاص الّذين يطلبون الكمال إلى أن تكونَ نتائجهم خاليةً تماماً من العيوب، وقد يكون هذا الشّعور ناتجاً عن توقّعاتٍ خارجيّةٍ أو داخليّةٍ تُؤثّر في الشّخص؛ ليشعر بضرورة التّميز في كلّ ما يفعله.
وقد يضع الأفراد الّذين يعانون من طلب الكمال ضغطاً كبيراً على أنفسهم لتحقيق نتائج مثاليّةٍ، وحتّى عند تحقيق أهداف كبيرةٍ، قد لا يشعرون بالرّضا الكامل، ويؤدّي ذلك إلى استمرار الدّافع للوصول إلى مستوىً "مثاليٍّ" غير موجودٍ. قد يكون طلب الكمال محفّزاً للّنجاح، لكنّه في نفس الوقت قد يؤدّي إلى الإرهاق النّفسي والقلق.
مظاهر طلب الكمال
- التّردّد في اتّخاذ القرارات: قد يجد الأشخاص الّذين يسعون للكمال صعوبةً في اتّخاذ القرارات خشية ارتكاب الأخطاء.
- التّفاصيل الدّقيقة: التّركيز المفرط على التّفاصيل الصّغيرة الّتي قد لا تكون ذات أهميّةٍ كبيرةٍ.
- النّقد الذّاتي المفرط: عدم الرّضا عن الإنجازات الشّخصيّة حتّى لو كانت كبيرةً.
- المماطلة: قد يمتنع الفرد عن إكمال المهامّ أو حتّى البدء بها؛ بسبب الخوف من عدم الوصول إلى الكمال.
- التّأثيرات السّلبية على العلاقات: قد تتأثّر العلاقات الشّخصيّة؛ بسبب التّوقّعات العالية الّتي قد يفرضها الشّخص على نفسه وعلى الآخرين.
الفرق بين السعي للكمال والتميز
من الضّروري التّفريق بين السّعي للكمال والتّميّز، فالتّميز يعني بذل الجهد لتحقيق أعلى مستوىً من الجودة، بينما طلب الكمال هو السّعي لتحقيق نتيجةٍ خاليةٍ من أيّ عيوبٍ، فالأفراد المتميّزون يقبلون الأخطاء كجزءٍ من عمليّة التّعلّم، بينما الكماليّون يرون الأخطاء كإخفاقاتٍ تامّةٍ.
تأثير طلب الكمال على الحياة الشخصية والمهنية
يؤثّر طلب الكمال على الجوانب المختلفة من حياة الفرد:
- في العمل: يُمكن أن يؤدّي إلى تحسين جودة العمل إذا تمّ التّحكم فيه بشكلٍ صحيحٍ. ومع ذلك، قد يؤدّي إلى التّوتر والقلق إذا كانت التّوقعات غير واقعيّةٍ.
- في الحياة الشّخصيّة: يُمكن أن يسبب توتّراً في العلاقات إذا كانت التّوقعات من الآخرين غير واقعيّةٍ أو صارمةًللغاية.
فوائد طلب الكمال
على الرّغم من جوانبه السّلبيّة، إلّا إنّ طلب الكمال يُمكن أن يكونَ مفيداً في بعض الأحيان:
- دفع الشّخص لتحقيق أفضل النّتائج: يمنح الأفراد حافزاً للتّفوّق.
- تحسين المهارات: يدفع طلب الكمال الشّخص إلى تحسين قدراته باستمرارٍ وتطوير نفسه.
- الاهتمام بالتّفاصيل: يُعزّز من دقّة الأعمال ويجعل الفرد حريصاً على تقديم أفضل ما لديه.
التحديات والسلبيات
- الضّغط النّفسيّ: يؤدّي طلب الكمال إلى زيادة مستويات التّوتر والقلق، خاصّةً عندما لا تتحقّق المعايير المثاليّة.
- التّوقّف عن اتّخاذ القرارات: الأشخاص الذين يسعون للكمال قد يؤجلون اتّخاذ القرارات خوفاً من الفشل.
- الإرهاق: يُمكن أن يؤدّي إلى الإرهاق الجسديّ والنّفسيّ؛ بسبب السّعي الدّائم للتّحسين وعدم الاكتفاء بما تحقّق.
- النّقد الذّاتي: غالباً ما ينتقد الكماليّون أنفسهم بقسوةٍ، ممّا يُؤثّر على ثقتهم بالنّفس.
كيفية التغلب على طلب الكمال
لتجنّب الجوانب السّلبيّة لطلب الكمال، يُمكن اتّباع بعض النّصائح:
- وضع أهداف واقعيّة: يجب أن تكونَ الأهداف قابلةً للتّحقيق ومعقولةً.
- الاعتراف بالأخطاء كجزءٍ من العمليّة: الأخطاء ليست إخفاقاتٍ، بل هي فرصةٌ للتّعلّم.
- التّخلي عن الحاجة إلى الكمال في كلّ التّفاصيل: ليس كلّ شيءٍ يتطلّب أن يكونَ مثاليّاً.
- التّركيز على التّقدّم وليس الكمال: الأفضل هو التّحسن التّدريجيّ وليس السّعي لنتيجةٍ مثاليّةٍ من البداية.
- تعلّم الاسترخاء والاحتفال بالإنجازات: من الضّروري أن يتعلّم الفرد الاحتفال بما حقّقه، بدلاً من التّركيز على ما لم يتحقّق.
أخيراً، ليكون طلب الكمال مفيداً، لا بدّ من إيجاد التّوازن بين السّعي لتحقيق أعلى جودة والقبول بأنّ الأخطاء جزءٌ من الرّحلة، ممّا يساهم في تحسين الصّحة النّفسيّة والإنجازات الشّخصيّة والمهنيّة.