ظاهرة الغسل بالذكاء الاصطناعي: خداع المستهلكين بتقنيات زائفة
تزايد استخدام الذّكاء الاصطناعي في الصّناعات المختلفة يثير مخاوف من انتشار ظاهرة "الغسل بالذكاء الاصطناعي"، حيث تقوم الشّركات بتضليل المستهلكين والمستثمرين بشأن قدرات تقنياتها
مع تزايد الاعتماد على الذكاءِ الاصطناعيِّ في جميعِ الصّناعاتِ، تندفعُ الشّركاتُ لتسويقِ منتجاتِها وخدماتِها المدعومةِ بالذّكاءِ الاصطناعيِّ بحماسٍ، واعدةً بزيادةٍ كبيرةٍ في الإنتاجيةِ وتعزيزِ الكفاءةِ. ومع ذلك، يُحَذِّرُ بعضُ الخبراءِ من ظاهرةٍ جديدةٍ تُعرَفُ باسمِ "الغسلِ بالذكاءِ الاصطناعيِّ" (AI Washing)، والّتي أصبحتْ شائعةً بشكلٍ متزايدٍ.
بَرَزَ مصطلحُ "غسلِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ" للإشارةِ إلى الممارساتِ الخادعةِ التي تقومُ بها الشركاتُ عندما تُبالِغُ في دورِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ في منتجاتِها أو خدماتِها، أو تُحَرِّفُهُ لتبدوَ أكثرَ ابتكاراً مما هي عليهِ في الواقعِ. إذ تستفيدُ الشركاتُ من التّكاملِ المتزايدِ للذّكاءِ الاصطناعيِّ في المنتجاتِ والخدماتِ اليوميةِ، ومن التّصورِ الشائعِ بأنّ الذّكاءَ الاصطناعيَّ هو المفتاحُ للمستقبلِ، فتستخدمُ مصطلحاتٍ غامضةً للاستفادةِ من سوءِ الفهمِ الشائعِ لكيفيةِ عملِ هذهِ التكنولوجيا.
وتجدُ الشركاتِ تسعى إلى استخدامِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ لمواءمةِ علامتِها التّجاريةِ مع هذهِ التّكنولوجيا الحديثةِ بهدفِ تعزيزِ اهتمامِ المستهلكينَ والمستثمرينَ، وزيادةِ قيمةِ العلامةِ التّجاريةِ، وتبريرِ الأسعارِ المرتفعةِ، وتحويلِ الانتباهِ عن العيوبِ، والحفاظِ على التّنافسيةِ في السّوقِ. وقد أظهرتْ دراسةٌ أجرتها شركةُ MMC Ventures في عامِ 2019 أن 40% من الشّركاتِ النّاشئةِ في مجالِ التّكنولوجياِ التي تدّعي استخدامَ الذكاءِ الاصطناعيِّ، في الواقعِ، هي لا تستخدمهُ فعلياً.
ويعتمدُ بعضُ المسوّقينَ على مصطلحاتٍ مثل "ذكيٍّ" بشكلٍ غيرِ صحيحٍ، ممّا يوحي بأنّ برامجَهم تستخدمُ خوارزمياتٍ قادرةً على التّعلّّمِ المستقلِّ واتّخاذِ القراراتِ دونَ برمجةٍ واضحةٍ. كما يميلونَ إلى تقديمِ تعريفاتٍ غامضةٍ تتركُ الفروقَ غيرَ واضحةٍ بينَ المكوّناتِ الذّكيةِ فعلاً، وتلكَ التي تعتمدُ على البرمجياتِ التّقليديةِ أو المدخلاتِ البشريةِ. فتقومُ بعضُ الشّركاتِ بدمجِ الذكاءِ الاصطناعيِّ بشكلٍ سطحيٍّ دونَ تطويرِ التّكنولوجيا الخاصّةِ بها، مضيفةً ميزاتٍ بسيطةً إلى نماذجِ الأعمالِ التّقليديةِ.
بينما تستخدمُ شركاتٌ أخرى تقنيّةَ الغسلِ بالذكاءِ الاصطناعيِّ لجعلِ حملاتِها تبدو أكثرَ ابتكاراً. فعلى سبيل المثال، تعرّضتْ حملةُ شركةِ "كوكا كولا" الأخيرةِ لانتقاداتٍ شديدةٍ بعدَ أن ادّعتِ الشّركةُ أنّها استخدمتِ الذّكاءَ الاصطناعيَّ لترويجِ نكهةٍ جديدةٍ دونَ توضيحِ كيفيةِ القيامِ بذلك. وبالمثل، عندما رَوَّجَتْ شركةُ "ماكدونالدز" لاستخدامِها الذّكاءَ الاصطناعيَّ، ركّزتْ على كيفيةِ تحسينِ التّكنولوجيا لتجربةِ العملاءِ وتعزيزِ نتائجِ الأعمالِ دونَ تقديمِ تفاصيلٍ كافيةٍ.
بدونِ الشّفافيةِ حولَ تطبيقاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ وقيودهِ، تخاطرُ الشّركاتُ بالمبالغةِ في التّرويجِ لدورِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في أعمالِها وابتكارِ منتجاتِها. لذا، يجبُ على المستهلكينَ تطويرُ منظورٍ نقديٍّ بشأنِ ادّعاءاتِ الشركاتِ، وطلبُ الأدّلةِ عندَ فحصِ أدواتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ، والتساؤلُ عن الخطواتِ المتّخذةِ لمنعِ التحيزِ في البياناتِ والخوارزمياتِ؛ مثلَ معالجةِ اللغةِ الطبيعيةِ أو الشبكاتِ العصبيةِ أو التعلُّمِ العميقِ. إذا لم تكنْ لديهمْ إجاباتٌ واضحةٌ، فمنَ المُحتملِ أنَّ الشركةَ لا تستخدمُ الذكاءَ الاصطناعيَّ بشكلٍ حقيقيٍّ.
فمثلَ أيِّ استراتيجيةٍ تسويقيةٍ مضللةٍ، يمكنُ أن يأتيَ الغسلُ بالذكاءِ الاصطناعيِّ بنتائجٍ عكسيةٍ. فعندما يشتري المستهلكونَ منتجاتٍ أو خدماتٍ لا توفّرُ في الواقعِ قدراتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ التي تمَّ الترويجُ لها، فإن ردَّ فعلِهم غالباً هو التوقفُ عن استخدامها والبحثُ عن بدائلَ تلبّي توقّعاتِهم. عادةً ما يُعَبِّرونَ عن عدمِ رضاهم عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ أو منصاتِ المراجعةِ، مما يزيدُ من صعوبةِ اكتسابِ المصداقيةِ وجذبِ الاستثمارِ للشركاتِ التي تستخدمُ الذكاءَ الاصطناعيَّ بصدقٍ.
حاليّاً، لا يوجدُ قانونٌ شاملٌ يتعاملُ بشكلٍ صريحٍ مع الغسلِ بالذّكاءِ الاصطناعيِّ، لكنَّ العديدَ من اللّوائحِ الحاليةِ والنّاشئةِ تركّزُ على جوانبٍ مثلَ شفافيةِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ وأخلاقياتِهِ ومساءلتهِ. يهدفُ قانونُ الذّكاءِ الاصطناعيِّ التّابعُ للاتّحادِ الأوروبيِّ إلى تعريفِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ بشكلٍ قانونيٍّ وفرضِ متطلباتِ الشّفافيةِ، ممّا قد يساعدُ في مكافحةِ "الغسلِ بالذّكاءِ الاصطناعيِّ" من خلالِ دفعِ الشركاتِ إلى إثباتِ ادعاءاتِها المتعلقةِ باستخدامِ تكنولوجيا الذّكاءِ الاصطناعيِّ.
قد يميلُ المسوّقونَ إلى الاستفادةِ من الفهمِ الغامضِ للذّكاءِ الاصطناعيِّ من خلالِ تصنيفِ أيِّ شيءٍ تمَّ تطويرُهُ باستخدامِ أدواتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ على أنه "مدعومٌ بالذكاءِ الاصطناعيِّ" كجزءٍ أساسيٍّ من تصميمهِ وتعزيزِ عرضِ قيمتِهِ بشكلٍ كبيرٍ. وبعبارةٍ أخرى، يجبُ أن يلعبَ الذّكاءُ الاصطناعيُّ دوراً حاسماً في كيفيةِ عملِ المنتجِ أو الخدمةِ، أو تحسينِ الأداءِ أو الكفاءةِ أو تجربةِ المستخدمِ بطرقٍ لا يمكنُ تحقيقُها بطرقِ الحوسبةِ التقليديةِ وحدَها.