كيف تجعل أطفالك أكثر استقلاليّة بأقلّ تدخّلٍ منك؟
تُظهر جامعة ييل في دراسة حديثة أنّ مجرّد تعديلٍ بسيطٍ في أسلوب التّفكير يساعد على تقليل التّدخل الأبويّ المفرط
إذا كنت تقرأ هذا المقال عن كيفيّة تربية أطفالٍ أكثر سعادةً واستقلاليّةً، فمن الواضح أنّك والدٌ مهتمٌّ ومحبٌّ. وينعم أطفالك برعايةٍ واهتمامٍ، ولا يتعرّضون للإهمال أو الإساءة، وغالباً ما تكون قد تعرّفت على مختلف أساليب التّربية، واخترت ما يناسب عائلتك.
ورغم اهتمام الآباء العميق برفاهيّة أطفالهم، لا يعني ذلك أنّهم لا يمكنهم ارتكاب أخطاءٍ كبيرةٍ. وفي الواقع، يؤكّد الخبراء أنّ الآباء المحبّين والمشاركين قد يقعون في خطأٍ مدمّرٍ، وهو: الإفراط في التّدخل. لكن لحسن الحظّ، أظهرت دراسةٌ جديدةٌ من "جامعة ييل" (Yale University) أنّ تعديلاً بسيطاً في هذا الأسلوب يمكن أن يقلّل من هذا الخطأ الشّائع بنسبةٍ تصل إلى 50%.
خطأٌ شائعٌ: الإفراط في التّربية
مع التّركيز الكبير اليوم على التّربية المبنيّة على المشاركة والتّفاعل العاطفيّ، أصبح الآباء أقلّ ميلاً إلى الإهمال أو القسوة. لكنّ المشكلة الآن، وفقاً للخبراء، تكمن في الإفراط، إذ يبالغ الآباء في التّدخّل في حياة أطفالهم. حيث كتب عالم النّفس كاميلو أورتيز والنّاشطة لينور سكينازي في مقالٍ بصحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times): "تؤدّي المراقبة المستمرّة والتّدخّل المتكرّر إلى تقليل فرص الأطفال في أن يصبحوا شجعاناً وقادرين على المواجهة". واستشهدوا بدراسةٍ منشورةٍ في "مجلّة طبّ الأطفال" (Journal of Pediatrics) كدليلٍ على ذلك.
وأضافوا: "عندما يتواجد شخصٌ بالغٌ دائماً – سواءً بشكلٍ شخصيٍّ أو إلكترونيٍّ – لا يتمكّن الأطفال من اكتشاف إمكانيّاتهم الحقيقيّة".
فالأطفال الّذين يخضعون للإفراط في التّربية ليسوا فقط أقلّ قدرةً على التّعامل مع التّحدّيات، بل يصبحون أيضاً أكثر عرضةً للقلق. وعندما يكبرون، يؤدّي التّدخّل الزّائد إلى توتّر العلاقة بين الآباء والأبناء.
وفي هذا السّياق، كتبت الكاتبة ديفورا هيتنر في مجلّة "الأتلانتيك" (The Atlantic): "لم أكن لأتحمّل أن يشهد والداي جميع خطواتي المتعثّرة نحو النّضج"، مشيرةً إلى أنّ المراقبة المستمرّة تحرم المراهقين من فرصة التّعلّم من أخطائهم.
كيف تربّي أطفالاً أكثر سعادةً واستقلاليّةً؟
تظهر الدّراسات وأقوال الخبراء أنّ الآباء الّذين يقرأون مقالاتٍ عن أفضل أساليب التّربية، غالباً ما يقعون في فخّ الإفراط في التّدخل. فبدافع الحبّ والقلق، يفعلون الكثير عن أطفالهم، ممّا يجعلهم أقلّ استقلاليّةً وأقلّ سعادةً.
والسّؤال الأهم هنا، كيف يمكن للآباء أن يتجنّبوا هذا الفخّ؟ إنّ محاولة فهم المشكلة هو الخطوة الأولى لتفاديها. كما وضّحت الدّراسة الصّادرة عن جامعة ييل، والمنشورة في مجلّة تنمية الطّفل، أنّ تغييراً بسيطاً في العقليّة يمكن أن يساعد الآباء على الحدّ من هذا السّلوك الضّارّ.
وأكّدت الباحثة الرّئيسيّة، ريوت شخناي، أنّ تدخّل الآباء الزّائد يمكن أن يحرم الأطفال من فرص تطوير مهاراتٍ حياتيّةٍ مهمّةٍ. وقالت لـ"أخبار علم الأعصاب" (Neuroscience News): "عندما يكمل البالغ مهمّةً عن طفلٍ صغيرٍ، يحرم الطّفل من فرصة التّعلّم وتطوير مهاراتٍ مثل الاستقلاليّة والثّقة بالنّفس".
ولإقناع الآباء بالتّخلّي عن الإفراط في التّدخل، عليهم رؤية التّحدّيات اليوميّة للأطفال في سنّ ما قبل الدّخول للمدرسة على أنّها فرصٌ تعليميّةٌ، وليست مشاكل تحتاج إلى حلٍّ. حيث يؤدّي هذا التّغيير البسيط إلى تقليل تدخّل الآباء بواقع 50%.
كما خلص الباحثون إلى أنّ التّراجع عن التّدخّل قد يكون صعباً، خاصّةً عندما تكون على عجلةٍ من أمرك وطفلك يستغرق 10 دقائق لارتداء حذائه. ولكن إذا كان وقتك يسمح بذلك، فذكّر نفسك أنّ محاولات طفلك غير المتقنة تعلّمه مهاراتٍ حياتيّةً لا تقدّر بثمنٍ.
وكذلك حثّت الباحثة جوليا ليونارد الآباء قائلةً: "في المرّة القادمة الّتي تشعر فيها برغبةٍ في إتمام مهمّةٍ بدلاً من طفلك، توقّف لحظةً وذكّر نفسك أنّ محاولة طفلك لإنجاز المهمة بنفسه هي فرصةٌ تعليميّةٌ ثمينةٌ".