في عمليات التوظيف والترقية: ركّز على الإرادة قبل المهارة!
استراتيجيات مُجرّبة لتحديد ما إذا كانت الوظيفة تناسبك، قبل قبولها، ممّا يُجنّبك التحديات المستقبلية
لقد شهدَ مشهد التوظيف تحوّلًا جذريَّاً خلال السَّنوات الأخيرة، من الاستقالة الكبرى إلى الاستقالة الصَّامتة وصولاً إلى الوظائف ذات المجهود الأقلِّ، كما وأدَّى ارتفاع عدد الوظائف الشَّاغرة والمتاحة في البلاد إلى تعزيز قوَّة الباحثين عن عملٍ بشكلٍ لم يسبق له مثيلٌ.
مع ذلك، تتخلُّل الطَّريقة التي تتبَّعها الكثير من الشَّركات والمرشَّحين خلال عمليَّة المقابلات -والتي تعدُّ غالباً البوابة الأخيرة لشغلِ الوظيفة أو الحصول عليها- كثيراً من العُيوب، وغالباً ما تركِّز الشَّركات الرَّاغبة في التَّوظيف والمرشَّحين الطَّامحين في الحصول على الوظيفة على الأمور الخاطئة أثناء المقابلة، ممَّا يؤدِّي إلى توظيفٍ غير ملائمٍ وزيادةٍ في معدَّل دوران الموظَّفين.
لكنَّ البُشرى السَّارة هي أنَّه ما من داعٍ لاستمرار الأمور على هذا النُّحو، إذ يكمن الحلُّ في التَّركيز على الإرادة أكثر من المهارة، وهذا التَّمييز بين المهارة والإرادة في عمليَّة التَّوظيف تمَّ تقديمه في كتابٍ بعنوان "Who" للمؤلِّفين سمارت وستريت، والآن دعوني أوضِّح لكَم الفكرة بمزيدٍ من التَّفصيل:
الإرادة تتفوَّق على المهارة: إعادة تقييم أساسيات المقابلات
تُعدُّ كلُّ مقابلة عمل حواراً ثنائيّ الاتِّجاه بين صاحب العمل والمتَقدِّم للوظيفة، وغالباً ما تُعامل هذه المقابلات كاختباراتٍ لفحص المهارات والخبرات المطلوبة لأداء الوظيفة على مستوىً عالٍ، إذ تشمل هذه المقابلات تقييم ما إذا كان الشَّخص يمتلك الدَّرجة العلميَّة أو الخلفيَّة التَّعليميَّة اللَّازمة للنَّجاح، أو التَّجارب والمهارات التي يمكن ترجمتها بشكلٍ جيّدٍ إلى الوظيفة الجديدة.
في الواقع، تغطِّي السّيرة الذَّاتيَّة للمرشَّح عادةً معظم هذه المؤهّلات، إلَّا إذا كان قد قدَّم معلوماتٍ غير صحيحةٍ، وفي الآونة الأخيرة يستخدم أرباب العمل الذكاء الاصطناعي وتقنيات التَّعلُّم الآليّ لفرز المرشَّحين والعثور على الأفضل بناءً على المهارات والخبرات المذكورة. إذاً لماذا نهدر الوقت في مناقشة هذه المؤهّلات خلال المقابلة بدلاً من التَّركيز على ما هو مهمٌّ حقَّاً: هل لدى المرشَّح الإرادة للقيام بالعمل؟
ينبغي أن تكونَ المقابلة فرصةً لكلِّ من صاحبِ العمل والمرشَّح لتقييم ما إذا كان الشَّخص سيكون راضيَّاً وسيحقِّق النَّجاح في هذا الدُّور، بعبارةٍ أُخرى حتَّى لو كان المرشَّح يمتلك المهارات اللَّازمة للعمل، يظلُّ السُّؤال الأكثر إلحاحاً: هل لديه أيضاً الإرادة للتَّفوُّق والنَّجاح؟
شاهد أيضاً: من الشهادات إلى المهارات: تحوّل في استراتيجيات التوظيف
أهميَّة ملاءمة الثقافة في اختيارات التوظيف
من الضَّروريّ استخدام المقابلات لتقييم مدى توافق المرشَّح مع ثقافة الشَّركة إذا كنت تسعى لاتّخاذ قرارات توظيف أفضل، أو للحصول على وظيفةٍ تحقِّق فيها النَّجاح بالفعل، ونسمع كثيراً بمصطلح 'ملاءمة الثَّقافة'، لكن كيف يمكن تطبيقه عمليَّاً؟
في هذا السّياق، يجب على المرشَّح للوظيفة أن يتقدَّمَ ويحاول تقييم جوانبَ عدَّةٍ مثل: هل أرغب فعلاً في قضاء العديد من ساعات يومي مع هذه المجموعة من الأشخاص؟ هل أتشارك معهم في الأهداف والغايات؟ وما هو نوع البيئة السَّائدة في الشركة، هل هي تعاونيَّة، هرميَّةٌ، إلخ؟ والأهمُّ من ذلك، هل أستطيع أن أتطوَّرَ وأنجحَ في هذه البيئة؟
مثالٌ على ذلك، توم، شابٌّ كنت أوجهه، اختار العمل لدى شركة دفاعٍ كبيرةٍ، تقوم بتصنيع مكوّناتٍ للمعدَّات العسكريَّة مثل الطَّائرات المقاتلة والصَّواريخ، وكمهندسٍ، وجد توم أنَّ العمل كان يحفِّزه ويمنحه فرصة لتعلُّم مهاراتٍ جديدةٍ، ومع ذلك شعر بأنَّ شيئاً مهمَّاً كان مفقوداً؛ لم يكن يشعر بالرِّضا تجاه الهدف الأساسيّ للمنظَّمة، إذ إنَّ فكرة العمل في صناعة الحرب كانت مزعجةً له، ونتيجةً لذلكَ شعر توم أنَّه غير متوافقٍ مع ثقافة الشَّركة واضطرَّ في النّهاية إلى المغادرة، وهو قرارٌ اتَّضح أنَّه الأفضل بالنّسبة له، حيث انتقل إلى شركةٍ ذات هدفٍ يتوافق مع قيمه.
والآن دعونا ننظر إلى حالةٍ أُخرى تتعلَّق بشابَّةٍ أقوم بتوجيهها؛ تدعى جيل، وجيل كانت شابَّةً كفؤةً وواثقةً تستمتع بأداء عملها، الذي كان يوفِّر لها جدولاً مرناً ومهاماً تحبُّها، ومع ذلك عندما فُتح الباب أمامها نحو وظيفةٍ أعلى، حثَّها رؤساؤها على التَّقدُّم لهذه التَّرقيَّة، وعلى الرَّغم من تردُّدها وشكوكها حول ملاءمة المهام الإداريَّة لشخصيَّتها وتفضيلاتها، قرَّرت جيل المضي قدماً وتقدَّمت للتَّرقية.
الآن تجدُ جيل نفسها غيرَ سعيدةٍ في دورها الجديد، وعلى الرَّغم من أنَّ البيئة التَّنظيميَّة ظلَّت كما هي، فإنَّ تغيير دورها جلب لها مشقَّةً لم تكن مستعدَّةً لها، والآن تفكِّر بجديَّةٍ في الرَّحيل، مدركةً أنَّ المهارة وحدها لم تكن كافيةً؛ كان يجب أن تتوافرَ الإرادة أيضاً.
هذه القصّة تُعلِّمنا أهميَّة إجراء نقاشاتٍ صريحةٍ وصادقةٍ بين الموظَّفين والإدارة حول الأدوار الجديدة وما إذا كان الشَّخص سيحقِّق النَّجاح فيها حقَّاً، لو كانت هذه النّقاشات قد حدثت، ربَّما كانت جيل قد اتَّخذت قراراً مختلفاً، واختارت البقاء في دورٍ تعرِف أنَّها ستكون سعيدةً وناجحةً فيه.
شاهد أيضاً: 5 أسباب تحول بينك وبين توظيف أصحاب الكفاءات
إعداد فعال للمقابلات: كيف تُحدّد ملاءمة الوظيفة لك؟
كما تُظهِرُ لنا قصص تيم وجيل، الاستعداد الجيّد للمقابلة يُمكن أن يكونَ ذا قيمةٍ كبيرةٍ في تحديد ما إذا كانت الوظيفة مناسبةً لك بالفعل، البائعون، وبشكلٍ عامٍّ أيّ شخص يبحث عن وظيفةٍ، قد يتجاهلون هذه الفروق الدَّقيقة بدافع الرَّغبة في إغلاق الصَّفقة، لكن قد يكتشفون لاحقاً أنَّهم ارتكبوا خطأً فادحاً.
وكباحثٍ عن عملٍ، من الضَّروريّ أن تطرحَ على نفسك الأسئلة الصَّحيحة حول نوع بيئة العمل التي تفضّلها، وهل تفضِّل العمل عن بعد أو في المكتب؟ هل تريد بيئة عملٍ رسميَّةٍ أم تفضّل أجواءً أكثر انفتاحاً وغير رسميَّة؟ والأهمُّ من ذلك هل تشعر بأنَّ هناك توافقاً بينك وبين هدف ومهمَّة الشَّركة التي تتقدَّم إليها؟
كلَّما زادت دقَّة إجاباتك وتوافقها مع الوظيفة المرتقبة، زادت فرصتك في أن تجدَ نفسك في مكانٍ ترغب بالعمل فيه ليس فقط في الوقت الحاليّ، بل وعلى المدى الطَّويل أيضاً، إذ يمكن لتحقيق هذا النَّوع من الملاءمة أن يُسهم في تحقيق الرّضا الوظيفيّ والنَّجاح المهنيّ المستدام.