فن الخطابة: تقنياتٌ فعّالةٌ لتترك أثراً لا يُنسى في كل حوار
أسرار الإقناع والتأثير، ونصائح عملية لتصبح متحدثاً ملهماً يُتقن فن تغيير العقول وكسب القلوب بصدقٍ وأصالةٍ
تصوّر أنّك مديرٌ متوسّطٌ في شركةٍ لقطع غيار السّيارات، تتاح لك الفرصة لإبداء انطباعٍ رائعٍ لدى التّنفيذيّين الكبار بإلقاء عرضٍ في اجتماعٍ شاملٍ للشّركة. وعلى الرّغم من طبيعتكَ الودودة، تشعر أنّ عليك تقمّص صورةٍ أكثر رسميّةً، فتكتبُ العرض بالكامل بعنايةٍ، محدّداً حتى توقيت وكيفيّة إيماءات يديكَ، وعند حلول اليوم الموعود، وفي محاولتكَ للالتزام بالنّصّ المكتوب، تغفل عن تكوين تواصلٍ بصريٍّ مع الجمهور، لتجد نفسك مكافحاً لتذكّر متى تحرّك يديك، فلا تتناغمُ كلماتكَ مع حركاتكَ؛ لا يتجلّى ودّك الطبيعيّ. وفي النّهاية، تظهر بمظهرٍ خشبيٍّ وغير متوازنٍ، وتبدو غير صادقٍ ولا تجذب انتباه وموافقة المستمعين. [1]
بعد ذلك، يتّخذ متحدّثٌ آخر منهجاً مغاييراً، فيظهرُ براحةٍ تامّةٍ، دون الشّعور بضرورة تقديم شخصيّةٍ مغايرةٍ للجمهور، يدرس الحقائق حتى يتمكّن من الإلمام بالأفكار الرّئيسة عن ظهر قلبٍ، ويفكّر في جوانب العرض التي ستلقى صدىً لدى الإدارة العليا، ويتحدّث بدون ملاحظاتٍ، بأسلوبٍ حواريٍّ، ويقيم تواصلاً بصريّاً متكرّراً مع أعضاء الجمهور. فعندما ينتهي، يعلم أنّه نجح في التّواصل مع المستمعين، وفيما بعد، يثني رئيس القسم على صدقهِ وأصالتهِ.
الأصالة هي صفةٌ محمودةٌ في عالم التّواصل التّجاريّ؛ في عصر التضخيم والأخبار الزّائفة، يشتاق الجمهور للصدق. للأسف، حتى المتحدّث الأمين قد يظهر بمظهرٍ غير أصيل، إذا كان يشعر بعدمِ الارتياحِ مع طبيعتهِ.
الأصالة لا تعني التّصرّف بعفويّةٍ أو التفوّه بما يخطر ببالكَ؛ إنّها تتطلّب التّفكير والتّحضير. يذكر مدرّب الاتصالات نيك مورغان في مقالٍ لهارفارد ريفيو للأعمال أنّه نظراً لأنّ العفويّة العرضيّة والتدريب التّقليديّ لا يقودان إلى تواصلٍ مؤثّرٍ، "عليك استغلال الدّوافع الأساسيّة التي تدعم خطابكَ، وتشمل هذه أهدافاً قويّةً: أن تكونَ منفتحاً، وأن تتواصلَ، وأن تكونَ متحمّساً، وأن تستمعَ؛ كلٌّ من هذه الأهداف يسهمُ في معظم العروض النّاجحة".
النيّة في الاتصال بجمهورك والاستماع إلى ردود أفعالهم توجّه الخطاب الأصيل، فكيف يُمكنكَ تطوير هذه الأسس للأصالة؟ إليك بعض الاقتراحات:
مطابقة إيماءاتك ونبرتك مع محتوى كلامك
كما يذكر مورغان في هارفارد ريفيو للأعمال، "إيماءات النّاس الطّبيعيّة وغير المتكلّفة غالباً ما تكون مؤشّراتٍ لما سيفكّرون ويقولون بعد ذلك." إذا حاولنا التحكّم في إيماءاتنا، قد تختلّ كلماتنا وحركاتنا وتسبّب الإرباك للمستمعين. كما أن الحركات السّريعة، الإيماءات المتكلّفة، التّشنّجات العصبيّة، والعلامات الجسديّة الأخرى تُنتقص من صورتك كشخصٍ أصيلٍ.
إظهار بعض الضعف ولكن دون إفراطٍ
إظهار إنسانيّتك أمرٌ جيّدٌ، لكن البوح بمعلوماتٍ شخصيّةٍ بشكلٍ مفرطٍ ليس مناسباً. كما تقول خبيرة مهارات العرض جوديث جيرنود، "إلقاء الخطاب ليس جلسةَ علاجٍ نفسيٍّ". شارك المعلومات الشخصيّة فقط إذا كنت واثقاً من أنّ فعل ذلك لن يتسبّبَ في الإزعاج لأحدٍ، ولا ترتكبْ خطأ الاعتقاد بأنّ مشاركة المحتوى المُسيء لك هي علامةٌ على الأصالة؛ بل على العكس، هذا النّوع من الصّراحة يظهر قلّة الحكمةِ.
أحياناً يتساءل المتحدّثون إذا ما كان ينبغي لهم الاعتراف أمام جمهورهم بأنّهم متوتّرون بشأن إلقاء العرض. تقترح جيرنود أن يحتفظ المتحدّثون بهذه المشاعر لأنفسهم. إذا أردت، يُمكنك مشاركة الجمهور بأنّك كنت متوتراً بعد الانتهاء بنجاحٍ من الخطاب، ولكن لماذا تثيرُ ذلكَ في المقام الأول؟
شاهد أيضاً: حيلة تستغرق 48 ثانية فقط لتهدئة أعصابك قبل العرض التقديمي
تجنّب القراءة من نصٍّ مكتوبٍ
تعدّ الأصالة مرادفةً للطبيعيّة، والقراءة من نصٍّ هي عكس الطّبيعيّ: فهي مُفتعلةٌ وغالباً ما تكون متكلّفةً. علاوةً على ذلك، تحدّ هذه الطّريقة من إمكانيّة التّواصل مع جمهورك، إذ تقتصر على الوقوف خلف المنصّة وتثبيت العينين على النّصّ بدلاً من الاهتمام بالمستمعين، حتى إذا كنتَ قادراً على الوصول إلى جهاز المذياع، ستكون أكثر سيولةً ومرونةً إذا ظللت متفاعلاً مع جمهورك، وعلى درايةٍ تامّةٍ بموادّك، وتحدّثت من خلال بطاقة ملاحظاتٍ تحتوي على نقاطٍ رئيسيّةٍ بدلاً من الالتزام بنصٍّ مكتوبٍ.
كما قال الكاتب المسرحيّ البريطانيّ أوسكار وايلد، "كن نفسك، فكلّ من سواك موجودٌ أصلاً". أنت النّسخة الوحيدة منك: دعْ طبيعتك الحقيقيّة تتألّق عندما تتحدّث، وستظهرُ دائماً صادقاً وأصيلاً.