فن القيادة المثالية: دروس في تحمّل المسؤولية وتوجيه الفرق
استراتيجيات قيادية مُستلهمة من القيادة العسكرية القائمة على أنّ أداء أفراد الفريق يعكس قدرات القادة، فكيف يمكن أن تكون ملهماً وموجِّهاً حقيقيّاً؟
قبل بضع سنواتٍ، كان مديري في العمل يتجوّل في المكتب، وهو ينادي على موظّفيه بمرحٍ "هيّا إلى قيادة الحافلة" و"توجيه السّفينة". كانت جملةً بسيطةً، لكنّها لم تفعل شيئاً أكثر من إثارة غضب الجميع، وكنتُ أعلمُ أنّ مديري في ذلك الوقت كان يردّد عبارةً مستخدمةً على نطاقٍ واسعٍ، بحسن النّيّة، وقد باتت الأكثر استخداماً في مختلف شركات البلاد المعروفة.
لقد أصبحت إعلانات الوظائف التي تبحث عن موظّفين يتحمّلون "المسؤولية" شائعةً، مثل تلك التي تبحث عن أشخاصٍ مبادرين أو أشخاصٍ يمكنهم النّجاح في بيئة عملٍ سريعة الإيقاع. ولكن، على عكس العبارة الأخيرة، فإنّ مطالبة الموظّفين بتحمّل المسؤوليّة -إذا كانت الوظيفة لا تنطوي على القيادة- قد تكون علامة تحذير لمن يفهمون ماهية القيادة ومن يستحقّ رئاسة القيادة حقّاً.
كقائد، تحمّل المسؤولية عن الفريق
تاريخيّاً كانت القيادة تعني حرفيّاً قيادة الآخرين، ففي الأيّام التي كانت تخاض فيها المعارك على ظهور الخيل، كان الملك هو أوّل من تطأ قدماه أرض المعركة، فيخاطر بنفسه قبل أيّ شخصٍ آخر، ويتحمّل المخاطرة والمسؤولية الكاملة عن استراتيجيّاته وإدارته لرحى المعركة. ومع ذلك، كان الدّور الأبرز للقيادة يقتصر على القائد وحده دون النّظر لمشاركاته ومسؤوليّاته المهمّة.
ومنذ زمنٍ بعيدٍ، اعترف قادة الجيش بأنّ النّقص والفشل في أداء أفراد الفريق يعكس قدراتهم القياديّة، فإذا لم يستطع أحد الأفراد تحقيق الأهداف المطلوبة، فذلك يشير إلى أنّ الإرشادات لم تُوصل بوضوحٍ أو أنّ الوسائل الضّروريّة لم تكن متاحةً، كما أنّ أخطاء الأفراد تُظهر ضرورة تحسين وتطوير برامج التّدريب.
ومع ذلك، غالباً ما يُستخدم مفهوم "المسؤولية" في عالم الشّركات لإعفاء القادة من المساءلة، لكن هذا لا ينطبق على القادة المميّزين، فإذا كان مسؤول قسم المبيعات يتحمّل المسؤولية الكاملة عن عمله، فإنّه يتحمّل أيضاً المسؤولية الكاملة عن الفشل في تحقيق أهداف المبيعات، وبما أنّه وحده المسؤول عن النّجاح، فهو وحده المسؤول عن الفشل أيضاً. ومن ناحيةٍ أخرى، يشبه عمل رئيس قسم المبيعات الذي يتحمّل المسؤولية، عمل قائد الجيش الذي يُدرك أنّه كقائدٍ مسؤولٌ عن توجيه وإرشاد المرؤوسين في فريقه.
ضع فريقك أولاً
ابتكر ضابطا البحريّة السّابقان جوكو ويلينك وليف بابين هذا النّهج البديل لقيادة الفريق باستخدام مصطلح "المسؤولية المطلقة"، إذ يبذل القادة -الذين يتبنّون المسؤولية المطلقة- جهداً إضافيّاً لمساعدة فريقهم؛ لأنّهم يدركون أنّ كلّ ما يقوم به فريقهم يعكس قدراتهم القياديّة.
ورغم أنّه قد لا يكون ضروريّاً أن تبذلَ في بيئة عملك الجهود ذاتها المطلوبة في المهام العسكريّة، لكن يُمكنك بالتّأكيد أن تُظهرَ دعمكَ بالاهتمام بما يحتاجه فريقكَ وما يحرزونه من تقدُّمٍ. وكخطوةٍ أولى، نظّم اجتماعاتٍ فرديّةٍ دوريّةٍ مع أفراد فريقك؛ لتوفير مساحةٍ لهم لطرح أيّ تحديّاتٍ يواجهونها، وللتّعرف على أهدافهم المستقبليّة، ولتقييم حالتهم الحاليّة، حتّى إن ادّعوا أنّ كلّ شيءٍ على ما يرام.
امنح الموظفين حصّةً في النتيجة النهائية
إن كون القائد مسؤولٌ عن كلّ ما يحدث لا يعني غياب دور الفريق عن تأدية عمله ونجاح الفريق. ومع ذلك، لتشجيع فريقكَ على الاستثمار والمواظبة في عملهم، امنحهم حصّةً في النّتيجة بدلاً من مجرّد طلبها.
على سبيل المثال، شارك رؤيتك كقائدٍ بانتظامٍ في الاجتماعات، فعندما تُحقّق إنجازاً بارزاً كفريقٍ، احرص على تذكير أعضاء الفريق بالدّور الذي لعبوه في تعزيز الرّوح المعنويّة. وفي الواقع، وكما يشير خبراء هارفارد للأعمال، بأنّ القادة الاستثنائيّين لا يحّملون فريقهم المسؤوليّة عن الأخطاء السّلبيّة فحسب، بل ينسبون إليهم الفضل الأوّل في نجاح العمل والحصول على النّتائج الإيجابيّة.
فالقيادة الفريدة والمثاليّة لا تتعلّق بتحميل الآخرين المسؤوليّة بينما تتراجع أنت للوراء، بل تتعلّق بإلهام فريقكَ لتولّي مهامهم ومسؤوليّاتهم، كذلك تحمّل مسؤوليّة أدائهم دوماً؛ لذا استلهم من مبادئ جنود البحريّة والقادة العسكريّين وتحمّل مسؤوليّة قيادة فريقكَ حتّى تتمكّن من جني ثمار النّجاح.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.