إدارة الأزمات: كيف تحول العقبات إلى فرص تسويقية
دراسة حالة جونسون آند جونسون وأسرار تحويل الأزمات إلى فرص استثنائية للنجاح وتعزيز السمعة
هل تذكُر تلك المرَّة التي تعرَّضت فيها إلى أزمةٍ كبيرةٍ، وعوضاً عن الاستسلام للأمر، حولَّته إلى دافعٍ لتحقيق النَّجاح؟ حسناً، إنَّ الشَّركات الكبيرة كذلك تستطيع تحويل الأزمات إلى فرصٍ تسويقيَّةٍ كبيرةٍ، تُساعدها على الاستمرارِ والنَّجاحِ، وهناك عشرات الأمثلة على شركاتٍ استفادت من أزماتها، وخرجت منها أقوى بكثيرٍ.
أزمة جونسون آند جونسون كمثال
خلال عام 1982، استبدل أحدهم حبوب مستحضر التَّايلنول وهو مسكِّنٌ للألم كانت شركة جونسون تُنتِجهُ باسم السِّيانيد، ممَّا أدَّى إلى مقتل 8 أشخاصٍ متأثِّرين بالسُّمِّ بعد تناول المستحضر الدَّوائيّ. [1]
حادثةٌ كهذه، وعلى الرَّغم من أنَّ شركة جونسون ليست مسؤولةً عنها بطريقةٍ مباشرةٍ، إلَّا أنَّها كانت كافيةً لتودي بسمعة واحدةٍ من أشهر شركاتِ الصناعات الدوائية والمعدّات الطّبيَّة في العالم، فكيف تصرَّفت الشَّركة؟
استبقت الشَّركة الأمرَ، وخرجت ببيانٍ عاجلٍ حتَّى قبل بدءِ هجوم الصّحافة عليها، وقرَّرت سحب منتجاتِها من التَّايلنول التي بلغت قيمتها 100 مليون دولار من السُّوق، بالتَّوازي مع ذلك أوقفت صناعة المنتج كذلك حملته الدِّعائيَّة، ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحدِّ، إذ أعلنت جونسون عن تعاونها مع الشُّرطة، للبحث عن الفاعلين ورصدت جائزةً بقيمة 100 ألف دولارٍ لمن يقدّم أيَّ معلوماتٍ تُفيد بالوصول إليهم.
كيف كانت النَّتيجة؟ ببساطةٍ حصدت جونسون احترام الزَّبائن، وانتقلت الصُّحف من مهاجمتها وانتقادها، إلى الإشادة بمجهودها للكشفِ عن المجرمين، وحافظت جونسون على سمعتها، ولم تتأثَّر على الإطلاق بالأزمة التي كادت تودي بها، على العكس من ذلك حولّت أزمتها إلى فرصةٍ لاكتساب المزيد من احترام زبائنها.
إبّان أزمة جونسون انخفضت حصتها السُّوقيَّة من 37% إلى 7% فقط، وتوقّع كثيرٍ من الخبراء أن تنهارَ الشَّركة بعد هذه الأزمة، إلَّا أنَّها خالفت التَّوقُّعات وعادت أقوى، كما أنَّها أعادت طرح منتجِها ذاتهِ بعد شهرين فقط، بعبواتٍ جديدةٍ وحملةٍ إعلانيَّةٍ ضخمةٍ.
شاهد أيضاً: الجرأة والاستثمار: استراتيجية Warren Buffett في الأزمات
وبعد عامٍ واحدٍ من إطلاق مستحضرها، ارتفعت حصَّته في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة بما يُقدَّر بـ1.2 مليار دولارٍ، وعادت الشَّركة إلى سابق عهدها، واعتمد الرَّئيس التَّنفيذي للشركة حينها، جيمس بيرك، مبدأ الشَّفافيَّة، وهو ما ساعده على تجاوِز أزمةِ الشَّركة، واستثمارها كفرصةٍ، وحتَّى يومنا هذا ما يزال مثال خروج شركة جونسون من الأزمة مضربَ مثلٍ لدى العديد من الشَّركات والأفراد.
إن كانت جونسون قد نجحت في تحويل الأزمات إلى فرصٍ، فإنَّ كلَّ الشَّركات الأُخرى في العالم، يُمكنها ذلك أيضاً، ولا يتطلَّب الأمرَ أكثر من فريق عملٍ متمكِّنٍ قادرٍ على التَّصرُّف بحنكةٍ، وقادر أيضاً على إدارةِ الأزماتِ بطريقةٍ احترافيَّةٍ. فكيف يمكن أن تفكِّر الشَّركات بطرقٍ لاحتواء الأزمات، وتحويلها إلى فرصٍ عوضاً عن تركها تُودي بالشَّركة وسمعتها؟
لا تدع الأزمة تذهب سدىً
بالطَّبع لا يوجد تصوُّرٌ مسبقٌ عن الأزمات التي يمكن أن تُواجهها الشَّركات، وغالباً ما تكون الأزمات مفاجأةً، أحياناً يكون ردُّ الفعل الأوَّل عليها هو التَّفكير في الاحتمالات بموضوعيَّةٍ، وفي أحيانٍ أُخرى يكون ردُّ الفعل المبدئيّ هو محاولة معرفة كيف بدأَت، أمَّا ردُّ الفعل الأكثر خطراً فهو التَّفاعُل مع الأزمة والإصابة بالذُّعر.
إحدى أكثر الأزمات شيوعاً، هي رحيل الأشخاص المهمّين عن المؤسَّسة فجأةً، وهنا لن يُفيد الذُّعر، بخلاف ذلك سيكون التَّفكير بملء الشَّاغر في أسرع وقتٍ ممكنٍ، فكرةً رائعةً، لكن لا تدعها تُغريك، فإنَّ فقدان شخصٍ رائعٍ في فريقك، يمكن أن يكونَ ببعض الأحيان أفضل ما حصل لكَ؛ لأنَّ هذا الموقف ربَّما يجبرك على إعادة تقييم المواهب لديك، وكيف قمت بإعداد الأدوار في مؤسَّستك.
الآن، ماذا تفعل؟
اذهب إلى الصُّورة الكُلِّيَّة، وعوضاً عن التَّركيز على هذا الدَّور وعلى الشَّخص الَّذي رَحَلَ، فكِّر في هيكل المؤسَّسة بالكامل، والأدوار التي يجب عليك تحسيُنها، وفكِّر كذلك بتلك التي لا تحتاج للتَّحسين. أحياناً لا يبدو التَّحرُّك بسرعةٍ لحلِّ المشكلة أمراً صائباً، وممَّا لا شكَّ بأنَّك الوحيدُ القادرُ على إدارك ما إن كانت السُّرعة مهمَّةً، أم أنَّ أخذ الوقتِ بالتَّفكير والحلِّ لن يؤثِّر على سيرِ حلّ الأزمة.
بالعموم، إنَّ أزمة رحيل المواهب أو الأشخاص المهمِّين، تعدُّ فرصةً غير متوقَّعةً للتَّفكير في طُرقٍ لمنحِ أشخاصٍ آخرين في المؤسَّسة، فرصاً للتَّطوير، ربَّما لم تكن ممكنةً حين كان ذلك الشَّخص في مكانه. [2]
إنَّ مغادرة الأشخاص المهمِّين درسٌ جيدُ للشَّركات، حتَّى تحاول تطوير موظَّفيها بشكلٍ مستمرٍّ، بحيث لا يكون غياب أحدهم مؤثِّراً.
كيف نحسِّن سمعة العلامة التجارية بعد الأزمة؟
على الرَّغم من أنَّ بناء علامةٍ تجاريَّةٍ مرموقةٍ يحتاج الكثير من الوقت والجهد، إلَّا أنَّ تشويه صورتها يمكن أن يحدثَ ببضع دقائق فقط، وحتَّى مع وجود كامل الاحتياطات فإنَّ الأزمات المفاجئة يمكن أن تسبِّبَ هزّاتٍ عنيفةٍ؛ لذا عليك أن تكونَ مستعدّاً دائماً.
يوصي صموئيل تيموثي، نائب الرَّئيس في وكالة التَّسويق One IMS، ببعض الإرشادات التي من شأنها منع سمعة علامتك التِّجارية من التَّعرُّض لضربةٍ شديدةٍ، وهي:
تصرّف بسرعةٍ
على الرَّغم من أنَّ فقدان شخصٍ مهمٍّ في العمل يستدعي التَّفكير برويَّةٍ قبل اتِّخاذ هذا القرار، إلَّا أنَّه يوجدُ أزماتٌ أُخرى يصبح عامل الوقت فيها مهمَّاً، كمثالٍ على ذلك أزمة جونسون آند جونسون التي ذكرناها ببداية مقالنا هذا. وينصح تيموثي بضرورة التَّصرُّف بسرعةٍ، وإصدار بيانٍ حول ما حدث يتضمَّن ماهيَّةَ الحدث، وما يجب أن تفعله لتحسين الأمور، ويوصي بأن يتمَّ الأمر خلال 48 ساعةٍ بالحدّ الأقصى، ويفضَّل أن يكون خلال الـ24 ساعةٍ الأولى.
اعترف بخطئك
في حال كانت الأزمةُ ناتجةً عن خطأ ما ارتكبته أنتَ أو أحد أعضاء فريقك فاعترف به، فالجمهور لا يريد سماع الأعذار، أو الاستماع إليكَ بينما تُلقي اللَّوم على شخصٍ آخر، إنَّهم بحاجةٍ فقط لسماع ما حدث، اعترف بما كان يمكنك فعله بشكلٍ أفضل لمنع حدوث الأزمة، واعتذر عن الخطأ، وأخبر جمهورك بما ستفعله لمنع حدوث ذلكَ مرَّةً أُخرى.
الاعتذار مكانٌ رائعٌ للبدء، لكنَّه قد لا يكون كافياً، افعل ما في وسعك لإعادة العلاقة مع جمهورك إلى المسار الصَّحيح، وهذا يتمُّ من خلال تقديم خدماتٍ مجانيَّةٍ، أو الإعلان عن جوائز وغيرها.
تجنَّب معارك التواصل الاجتماعي
القتال من أجل سمعة علامتك التّجاريَّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد لا يكون جيداً كما تعتقد، وممكن أن يؤدّي إلى الإضرار بسمعتك أكثر، كُن أكثر حكمةً وأخبر العملاء أنَّ بإمكانهم الاتّصال من خلال خدمة العملاء لحلِّ المشكلة.
ضع فريقك بصورة الوضع
لا تتصرَّف بشكلٍ منفردٍ، بل أخبر كلّ أعضاء فريقك بخطَّتك لتحسين سمعة المؤسَّسة، وادعوهم للانضمام إليك، وتأكَّد أنَّهم جميعاً يفهمُون ما حدث وكيف تعمل على الحلّ، واترك بابك مفتوحاً لأيّ أسئلةٍ أو اقتراحاتٍ قد يودُّون طرحها، وتذكَّر دائماً أنَّ إدارة سمعة العلامة التجارية هي جهدٌ جماعيٌّ.
يمكن لبعض الشَّركات أن تذهلنا تماماً في كيفيَّة تعاطيها مع الأزمات، سواءً كانت داخليَّةً أم خارجيَّةً، كما أنَّ الشَّركات الكُبرى تدرك أن منافسيها لن يكونوا دائماً على مستوى أخلاقيٍّ عالٍ، وربَّما يلجؤون لبعض الطُّرق الملتويَّة، المهمُّ أن نكونَ على استعدادٍ دائمٍ ونحصِّن شركاتنا بتعلُّم المزيد عن فنِّ إدارة الأزمات وكيفيَّة تحويلها إلى فرصٍ.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.