اليوم العالمي للطاقة: أهم مشاريع الطاقة النظيفة في الإمارات
نظرةٌ على المشاريع البيئيّة الرائدة التي تُعيد تشكيل مستقبل الطاقة خلال رحلة الإمارات نحو الاستدامة.
يتيحُ اليوم العالمي للطاقة فرصةً ثمينةً لإلقاءِ الضّوءِ على الدّورِ الحيويّ الّذي تلعبهُ الطّاقةُ النّظيفةُ والمستدامةُ في تشكيلِ مستقبلنا. في هذا السّياق، تظهرُ دولةُ الإماراتِ العربيّة المتّحدة كنموذجٍ فريدٍ في التزامها تجاه تحقيقِ الاستدامةِ وتطويرِ مشاريعِ الطّاقةِ النٌظيفةِ. ويشيرُ معالي وزيرُ الطّاقةِ والبُنيةِ التّحتيّةِ، سهيل بن محمد الحمروني، إلى الاستثماراتِ الهائلةِ الّتي قامت بها الدّولةُ في هذا المجالِ، حيثُ أطلقتِ الإمارات 11 مشروعاً للطّاقةِ البيئيّةِ بقيمة 43 مليار دولارٍ في العام الماضي. [1]
تُمثِّلُ هذه المشاريعُ جزءاً من رؤيةٍ أوسعَ للإمارات لتحقيقِ التوّازنِ بين الحاجاتِ الاقتصاديّةِ وأهدافِ الحفاظِ على البيئةِ، وفقاً لاستراتيجيّةِ الطّاقة الوطنيّة 2050، الّتي تهدفُ إلى دمجِ مصادرِ الطّاقةِ المُتجدّدةِ والنّظيفةِ في الخليطِ الطّاقيّ للدّولةِ. إذ يُعدُّ تحقيقُ هذه الأهدافِ ضرورياً لتقليلِ اعتمادِ الدّولةِ على مصادرِ الطّاقةِ التقليديّةِ وتحقيقِ انخفاضٍ ملحوظٍ في الانبعاثاتِ الغازيّةِ.
وفي هذا المقال، نستعرضُ بعضاً من أبرزِ مشاريع الطّاقةِ النّظيفةِ الّتي تميّزت بها الإمارات، والّتي تعكسُ جهودها المستمرّةَ نحو تحقيقِ الاستدامة والتٌحولِ نحو اقتصادٍ أخضرَ. فمن خلالِ هذه المشاريع، تُبرهن الإمارات على قدرتها على تحقيقِ التّحولات البيئيّةِ الهامّةِ والمضيُّ قدماً نحو مستقبلٍ أكثر خضرةً واستدامةً.
محطة الظفرة الشمسية
على أطرافِ مدينةِ أبوظبي، تبرزُ محطّةُ الظّفرة للطّاقةِ الشّمسيّةِ الكهروضوئيّة كرمزٍ لالتزامِ الإمارات بتبنّي مستقبلٍ طاقيٍّ مستدامٍ. إذ يُعدُّ هذا المشروعُ الرّائدُ، الّذي يتضمّنُ حوالي 4 ملايين خليّةٍ شمسيّةٍ بلوريّةٍ مزدوجةٍ، خطوةً عملاقةً نحو تحقيقِ الجيلِ التّالي من إنتاجِ الطّاقةِ الشّمسيّةِ.
تستمدُّ محطّة الظّفرة قوّتها من الشّمسِ لتوفيرِ الطّاقةِ لآلافِ المنازلِ، بينما تبعثُ في أروقةِ الصّناعةِ رسالةً قويّةً بشأنِ الدّورِ المحوريّ الّذي يُمكنُ أن تلعبَهُ الطّاقةُ البديلةُ في تحقيقِ الاستدامةِ.
تقعُ محطّةُ الظّفرة على بُعدِ 35 كيلومتراً من مدينةِ أبوظبي، وبمجرّد اكتمالها، ستحملُ لقبَ أكبرِ محطّةٍ مُستقلّةٍ للطّاقةِ الشّمسيّةِ الكهروضوئيّة في العالمِ بسعةِ 1.5 جيجاوات، مما يرفعُ القدرةَ الكليّةَ لأبوظبي في ميدانِ الطّاقةِ الشّمسيّةِ إلى نحو 2.5 جيجاوات.
كما تُعدٌُ محطّةُ الظّفرة جزءاً من رؤيةٍ أوسع لتحقيقِ الاستدامةِ، حيثُ من المتوقّع أن تُخفِضَ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أبوظبي بمقدارِ 2.4 مليون طن متري سنويّاً، ما يعادلُ تقريباً إزالةَ 470 ألف سيارة من الطّرق.
مع تحديدِ تعرفةٍ تنافسيّةٍ بمقدارِ 4.85 درهماً إماراتيّاً لكلّ كيلووات في السّاعة، تُمثّلُ محطّةُ الظّفرة مثالاً فريداً على كيف يُمكن للتّنافسيّةِ والابتكارِ الماليِّ أن يُسهما في دفعِ عجلةِ النّجاحِ في قطّاعِ الطّاقةِ المُتجدّدةِ.
الطويلة لتحلية المياه بالتناضح العكسي
يُعدُّ مرفق الطويلة لتحلية المياه بتقنيةِ التّناضحِ العكسيِّ في الإمارات الأكبرَ من نوعهِ على مستوى العالمِ حاليّاً، حيثُ تجاوزت طاقتهُ التّشغيليّةُ 90%. ينتجُ المرفقُ 183 مليون غالونٍ إمبراطوريٍّ في اليومِ من المياهِ المُحلّاةِ. وعند العملِ بكاملِ طاقته، يُمكن لمرفقِ الطّويلةِ توفير ما يصلُ إلى 200 مليون غالونٍ إمبراطوريّّٰ في اليوم، ممّا يُغطّي احتياجاتٍ أكثرَ من 350,000 منزلٍ. وتأتي هذه الخطوة في إطارِ تحقيقِ الإماراتِ لأهدافها الاستراتيجيّةِ نحو تحقيقِ الصّفر الصّافي لانبعاثاتِ الكربون بحلولِ عام 2050م، وذلك من خلالِ تبنّي تقنياتِ تحليّةِ المياهِ المُتقدّمةِ والأقلّ انبعاثاً للكربون.
يُعدُّ مشروعُ الـ 103.5 ميغاواط (MW) هذا نقطةَ تحوّلٍ بارزةً تهدفُ إلى إدخالِ طاقةِ الرّياحِ على نطاقٍ واسعٍ وبتكلفةٍ فعّالةٍ إلى شبكةِ الكهرباءِ في الإماراتِ، مما يُعزّزُ تنوّعَ مصادرِ الطّاقةِ في البلادِ، ويُسرع من عمليّةِ الانتقالِ نحو الطّاقةِ النّظيفةِ. كما ويستفيدُ المشروعُ من التّقدّمِ في التّكنولوجيا، وعلومِ الموادِ، والدّيناميّاتِ الهوائيّةِ، لاستغلالِ سرعاتِ الرّياحِ الضّعيفةِ على نطاقٍ واسعٍ، مُمَهّداً الطّريقَ لمزيدٍ من المشروعاتِ في المستقبلِ.
برنامج الإمارات لطاقة الرياح
من المتوقّعِ أن يُوفّر برنامج الإمارات لطاقة الرياح الكهرباءَ لأكثرَ من 23,000 منزلٍ في الإمارات سنويّاً، وسيساهمُ في تقليلِ انبعاثاتِ ثاني أكسيد الكربون بمقدارِ 120,000 طنٍ، ما يعادلُ إزالةَ أكثر من 26,000 سيارةٍ تعملِ بالبنزينِ من الطّرق سنويّاً.
يشملُ المشروعُ 4 مواقعَ، بما في ذلك جزيرة صير بني ياس في أبوظبي، حيثُ تمّ تطويرُ مزرعةِ رياحٍ بقدرةِ 45MW بالإضافةِ إلى مزرعةٍ شمسيّةٍ بقدرةِ 14 MWp (ميغاواط في الذّروة)، مُكملةً بذلك المرافقَ الحاليّةَ لتوليدِ طاقةِ الرّياحِ على الجزيرةِ. وتشملُ مواقعُ مزارعِ الرّياحِ الأخرى أيضاً: جزيرة دلما (27MW)، والسِّلع في أبوظبي (27MW)، بالإضافةِ إلى الحلة في الفجيرة (4.5MW).
في الماضي، لم يكن استغلالُ طاقةِ الرّياحِ مُمكناً على نطاقٍ واسعٍ بسبب سرعاتِ الرّياح الضعيفةِ في الإماراتِ، ولكن الابتكارات في تكنولوجيا المناخِ والخبرة التي قادتها الإمارات، جعلت من إمكانيّةِ توليدِ الطّاقةِ باستخدامِ الرّياحِ حقيقةً. وقد ساهمت توربيناتٌ أكبرَ وتكاليفُ أجهزةٍ أقلّٕ، بالإضافة إلى اكتشافِ ظاهرةٍ جويّةٍ فريدةٍ تُولّد رياحاً عالية السّرعةِ ليلاً، في جعلِ مشروعِ برنامجِ الإمارات لطاقةِ الرّياح قابلاً للتّوسعِ.
محطة براكة للطاقة النووية
تبرزُ محطّةُ براكة للطّاقةِ النّوويّةِ في الإماراتِ كمثالٍ حيٍّ على الإمكانيّاتِ الهائلةِ التي تحملها الطّاقةُ النّوويةُ. تقعُ محطّة براكة في منطقةِ الظّفرة، أبوظبي. هذه المحطّةُ، الّتي تتألّفُ من 4 مفاعلاتٍ نوويّةٍ مُتقدّمةٍ (APR1400)، تُوفِّر نحو ربعِ احتياجاتِ الدّولةِ من الكهرباءِ عندَ التّشغيلِ التّامِ للمفاعلاتِ، ممّا يُشكّلُ دعامةً قويّةً لاستراتيجيّةِ الإمارات في توفيرِ الطّاقةِ النّظيفةِ والمُستدامةِ.
بدأت الأعمالُ الإنشائيّةُ في المحطّةِ في يوليو 2012م، ومنذُ ذلك الحين، أصبحت محطّةُ براكة رمزاً للتّقدمِ في مجالِ الطّاقةِ النّوويّةِ. وعندَ التّشغيلِ التّامِ، من المتوقّعِ أن تُقلِّلَ المحطّةُ من الانبعاثاتِ الكربونيّةِ بواقعِ 22 مليون طنٍ سنوياً، ما يُعادل إزالةَ 4.8 مليونِ سيّارةٍ من الطّرقاتِ.
وتأتي أهميّةُ محطّة براكة -بالإضافةِ إلى توفيرها للطّاقةِ النّظيفةِ- من دورها في تحقيقِ الأمنِ الطّاقيّ، وتعزيزِ الاستقلاليّةِ الاقتصاديّةِ للدّولةِ. فمع تحقيقِ العمليّاتِ التّشغيليّةِ في مطلعِ عامِ 2020م، توجّهت الإماراتُ نحو تحقيقِ أهدافها الطّموحةِ في تقليلِ الانبعاثاتِ وتحقيقِ التّطورِ الاقتصاديِّ المُستدامِ.
مشروع حبشان لالتقاط وتخزين الكربون
مُؤخّراً، منحت شركةُ غاز أدنوك العقدَ الرّئيسيَّ لمشروعِ تطويرِ مُنشأةٍ بقيمةِ 615 مليون دولارٍ لالتقاطِ الكربون في مُجمَّعِ حبشان لمعالجةِ الغازِ في أبوظبي لشركةِ بتروفاك البريطانيّة. إذ ستكونُ منُشأةُ حبشان لالتقاطِ وتخزينِ الكربون قادرةً على التقاطِ وتخزينِ 1.5 مليون طنٍّ سنويّاً من ثاني أكسيد الكربون داخلَ تشكيلاتٍ جيولوجيّةٍ عميقةٍ تحتَ الأرضِ.
سيتمُّ إنشاءُ وتشغيلُ وصيانةُ منشأةِ حبشان لالتقاطِ وتخزينِ الكربون بواسطةِ شركةِ غاز أدنوك، ومن المتوقّع أن تُشَغَّلَ في عام 2026م. وستتضمّنُ المنشأةُ وحداتٍ لالتقاطِ الكربون في مُجمَّعِ حبشان لمعالجةِ الغاز، وبنية تحتيّة للأنابيبٍ، وشبكة من الآبارِ لحقن ثاني أكسيد الكربون في حقولِ النّفط والغاز في أبوظبي.
وسيتمُّ تخزينُ ثاني أكسيد الكربون المُلتَقطِ بشكلٍ دائمٍ في خزاناتٍ عميقةٍ تحت السّطح عبرَ تطبيقِ تكنولوجيا التقاطِ وإعادةِ حقن ثاني أكسيد الكربون المُغلقة في موقعِ البئرِ في حقلِ باب فار نورث التّابعِ لشركةِ أدنوك للبر، والّذي يقعُ على بُعد حوالي 240 كيلومتراً جنوب غرب مدينة أبوظبي.
من خلالِ استكشافِ تكنولوجيّاتٍ جديدةٍ وتحقيقِ شراكاتٍ استراتيجيّةٍ على مستوى عالميٍّ، تمضي الإمارات قِدماً نحو تحقيقِ أهدافها في تقليلِ الانبعاثاتِ وتحقيقِ الاستدامةِ. إذ يُعدُّ الالتزامُ بالتّمويلِ وتطويرِ مشروعاتِ الطّاقة النّظيفةِ دليلاً واضحاً على الرّغبةِ الصّادقةِ في تحقيقِ تحوّلٍ طاقيٍّ مُستدامٍ، يدعمُ النّمو الاقتصاديَّ، ويُحافظُ على البيئةِ في نفسِ الوقتِ.