قليلٌ من نجاح شركة ناشئة قد يكون معضلةً جمّةً!
كيف تتجنّب الوقوع في الأوهام والفخاخ الذّهنيّة؟
لا شيءَ أسوأ من قليلٍ من النّجاحِ؛ لا أستطيعُ إخباركم كم من المرّاتِ تلقيّتُ رسالةَ البريدِ الإلكترونيّ تلك من مؤسسٍ فحواها "الجميعُ يحبّوننا، لكنّا على وشكِ إغلاقِ الأبوابِ".
يمكن أن تتّخذَ المؤشّراتُ الكاذبةُ للنّموّ كثيراً من الأشكالِ المتباينةِ، ولربّما تكونُ في هيئةِ جمهرةٍ، شغوفةٍ من المتبّنين الأوائلِ، مقتادةً فريقاً للاعتقادِ بأنّهم قد كشفوا عن التّوجّهِ الكبيرِ القادم للزّبونِ. ويمكن أن تتجسّدَ كمستثمرٍ في مرحلةٍ مبكّرةٍ ملوّحاً بورقةِ شروطٍ، قد تكون حتّى رقمَ عائداتٍ يُظهر نموّاً صادماً خلال الفترةِ السّابقةِ.
لا تخطئني الفَهم، إنّ النّجاحَ المُبكّرَ مع شركةٍ ناشئةٍ أمرٌ عظيمٌ، وليس من الهيّنِ حدوثه. خلال ما يزيدُ عن 20 عاماً من البناءِ، والتّنميةِ، والاستشارةِ للشّركاتِ النّاشئةِ من أيّامها الأوائلِ إلى خروجها، أنا على علمٍ بأنّ الأمرَ قد يتطلّبُ سنواتٍ لبلوغِ أُولى لمحاتِ الجَذبِ.
حقيقةً، فقط هذا الشّهر المنصرم، خرجت إحدى الشّركات النّاشئة الّتي أقدّم لها الاستشارةَ بعد أربعِ سنين من النّجاحِ "الباكرِ". وخلال ذلك الشّهر، تلقّيتُ ثلاثَ رسائلِ بريدٍ واردة من مؤسّسين كانوا يرقبون نجاحهم الخاصّ حتى لا يؤول إلى مشكلةٍ مهولةٍ.
وإليكم هنا كيف تفكّكت كلّ واحدةٍ وما كنت لأفعلهُ لتجنّبِ هذا.
مهلكٌ بالمديح الباهت
الانتباهُ هو الدّاعي الأكثرُ تكرراً للاعتقادِ الخاطئ بالنّجاحِ المبكّرِ، ولأسبابٍ بديهيّةٍ، هو الذّي لا يتطلّب أيدٍ تقايضُ المالَ.
قد يأتي الانتباهُ من تغطيةٍ صحفيّةٍ عرضيّةٍ ما، أو لربّما من مجرّدِ صيحةٍ اجتماعيّةٍ أو سريعةِ الانتشارِ، أو أنّه قد يكون سبباً أكثرَ بنيويّةٍ، مثلَ: الخروج من مركزِ حضانةِ أعمالٍ أو التّلقّي العامّ لتمويلٍ أوّليّ. لكن أغلب الأوقاتِ، وفي الحالةِ التّي وردت إليّ، يحصلُ ذلك عندما تجتذبُ شركةٌ ناشئةٌ رعيلاً من المتبنّين الأوائلِ صوبَ منتَجٍ مجّانيّ أو مخصومٍ لا يترافق مع كثيرٍ من الطّلبِ المستندِ إلى الحاجةِ. [1]
هذه ليست بالظّاهرةِ الطّارئةِ، بل حدثت مراراً وتكراراً حينما انطلقت تطبيقاتُ الهاتفِ المحمولِ أوّلَ الأمرِ في العقدِ الأوّلِ من هذه الألفيّةِ، ومن ثمّ البرمجيّاتُ الخدميّةُ في منتصفِ العقدِ ذاته، والآن ضمن طريقةٍ مختلفةٍ مع web3 في العقدِ الثّاني.
يحدثُ الأمرُ عندما تُعِدُّ شركةٌ ناشئةٌ نفسها لمطاردةِ التّفاعلِ بمستوى من الاستخدامِ يكون إمّا مجانيّاً أو بخساً (أو في حالةِ web3، بتوظيفِ نقودٍ مزيّفةٍ). تعمدُ بعدها الشّركةُ النّاشئةُ لفعلِ أمرٍ سليمٍ؛ انتقاءُ أيّ عاملٍ مؤثّرٍ سريعُ الانتشارِ، وفجأةً، كثيرٌ من النّاسِ يتحادثون حولها.
ما يحدثُ تالياً هو فيضٌ من العملِ والمالِ الذّاهبِ صوبَ تخديمِ "احتياجاتِ" أولئك المستهلكين، والتي ليست احتياجاتٌ بطبيعةِ الحالِ، إنّما "رغباتٌ". وحالما ينقلبُ المفتاحُ، وينتصبُ حاجزُ الدّفعِ، يهمّ الجميعُ بالهربِ.
ما زال هؤلاء المتبنون الأوائلَ في حبّ للمنتَجِ، إنمّا ليس بما يكفي للدّفعِ لقاءه.
تدبيرٌ احترازيٌّ: قبل أن تعرضَ أيّ شركةٍ ناشئةٍ نسخةً مجّانيّةً أو إصداراً للتّفاعلِ، يتوجّبُ عليهم الفهمُ الكاملُ لاقتصاديّاتِ وديناميكيّاتِ تحفيزِ البيعِ لدى الزّبائنِ نحو النّسخةِ المدفوعةِ من المُنتَجِ. أيّامُ الإطلاقِ بدايةً والرّبحُ لاحقاً قد ولّت، بصرفِ النّظرِ عن عمليّاتِ الخداعِ في web3.
شاهد أيضاً: سبب فشل قادة الشركات الناشئة: الملل
يمكن للمستثمرين أن ينخدعوا كذلك
بالحديثِ عن web3، لا يتطلّب الأمرُ وابلاً من الاستدراكِ اللّاحقِ لاستيعابِ أنّ النّاسَ باستطاعتهم بذلُ المالِ في مشروعٍ ما لكلّ الأسبابِ الخاطئةِ. لذا، فلنتطرّق إلى الحين الّذي تُضخّ نقود مجدية على فكرةٍ سيّئةٍ، حتّى عندما لا تأتي تلك الفكرةُ بالضّرورةِ من المؤسّسِ.
في الحالةِ الّتي وردت إليّ، وفي غالبيّةِ الحالاتِ التي شهدت، لم يفهمِ المستثمرون البتّةَ ما كان يحاولُ المؤسّسُ إنجازه حقًّا. للمستثمرين على الدّوامِ رؤاهم الخاصّةُ حول ما هم مستثمرون فيه، والمسؤوليّةُ على عاتقِ المؤسّسِ ليضمنَ أنّ توضعَ التّوقّعاتُ بالشّكلِ السّليمِ على كلٍّ من جانبَي طاولةِ المفاوضاتِ لورقةِ الشّروطِ.
التّداعياتُ؟ يحاولُ المؤسّسُ فعل شيءٍ محدّدٍ، والنّاسُ الّذين أمضوا على الإيصالاتِ يطالبونه بفعلِ شيءٍ آخر. قد يكون كلا الطّرفَين محقَّين، لكن عندما تحاولُ شركةٌ ناشئةٌ تولّيَ مهمّتَين في الوقتِ عينه، فالفشلُ حتميٌّ.
تدبيرٌ احترازيّ: لا ينبغي أن يكونَ الانقسامُ بالتّرامي الّذي صوّرت له لشركةٍ ناشئةٍ كي تتداعى بفعلِ توقّعاتٍ مُساءةِ الملاءمةِ. قبل أن يأخذَ المؤسّسُ أيّ مالٍ خارجيّ، سواءً من رأسِ مالٍ استثماريّ مُخاطر أو من نسيبٍ مقرّبٍ، عليه أن يكون قادراً على احتسابِ كيف سيُصرَف كلّ دولارٍ ولماذا.
لا يستمر نمو الإيرادات صعوداً وفي السليم
أخبرني حكيمٌ ذات مرّةٍ أنّ أسوأ خطأ يمكنُ لمؤسّسٍ أن يرتكبه هو أن يرى رسماً بيانيّاً يشرعُ بالتّجلّي "كعصاة هوكي"، بكلماتٍ أخرى، متعاظم الصّعودِ بمرورِ الوقتِ، ويعتقدُ بأنّه سيحتفظُ بالنّسقِ ذاته لأجلٍ غير مسمَّى.
إنّ الرّسمَ موضعُ السّؤالِ هنا، فقد يكون عائداتٍ، وقد يكون زبائنَ، وقد يكون أرباحاً، سُحقاً، قد يكون أيّ شيء! على أنّ تلك العتيقةَ ما تزال صحيحةً: ما علا شيء إلّا ودنا. ولا يبدو إطلاقاً، إنه سيدنو عندما يكون ملائماً للعملِ.
في هذه الحالِ، كان مؤسّسُ شركةٍ قد رأى عمله محلّقاً بينما خرجَ العالمُ من إقفالِ الوباءِ، ومن ثمّ صرخَ متخبّطاً حتى التوقّف "دون سببٍ وجيهٍ". كان العاملُ الرّئيسيّ أنّه قد استنفذَ لتوّه محفّزاً خارجيّاً، وعظّمَ في شركتهِ لملاقاةِ طلبٍ اعتقدَ أنّه لن يبلغَ ذروةً.
تدبيرٌ احترازيّ: في أيّ وقتٍ كان، ينبغي أن يكون لدى الشّركةِ النّاشئةِ عدّة مناهلٍ للنّموّ منها بشكلٍ متزامنٍ، المرادفُ الاستراتيجيّ لعدمِ وضعِ كلّ بيضِ الشّركةِ في سلّةٍ واحدةٍ. إذ يمكن أن تكون هذه السّلالُ خطوطَ العملِ، أو مرافقَ العوائدِ، أو الأسواقَ المُستهدفةَ، أو حتّى المنتجاتِ الإضافيّة.
عندما ينجحُ المحفّزُ الأوّلُ وتتفجّر العوائدُ في السّلّةِ، نعم، ضع مواردكَ خدمةً لتوسيعِ تلك المكاسبِ، لكن لا تتخلَّ إطلاقاً عن مشاربِ الحياةِ الأخرى. حتّى وإن كانت الخياراتُ الأخرى أصغرَ وغير ذات أولويّةٍ للعملِ، فأن يكون بمقدورك الاستنادُ إليها خلالَ السّقوطِ الذي لا مفرّ منه عقبَ التّنامي السّاحقِ، يمكن أن يكفلَ لك الوقتَ الكافي للسّماحِ لمسرِّعاتِ نموّكَ بالانطلاقِ.
وهذا عادةً هو النّسقُ السّائدُ عبر كلّ فخاخِ الوهمِ تلك، عندما تبذلُ الشّركةُ النّاشئةُ كلّ وقتها ومالها في التّشييدِ الشّاملِ للبنيةِ التّحتيّةِ للشركةِ لملاقاةِ النّموّ المُنتظرِ الذي لا يتجسّدُ كلّيّاً قطّ. عوضاً عن ذلك، على المؤسّسِ أن يتأكّدَ من توافرِ كفايةٍ من الوقتِ والسّيولةِ المكرّسَين للبناءِ على ذلك النّموّ قبل أن يضمحلَّ.