قوة الاتصال: القيادة المبنية على العلاقات تقود إلى النجاح
استراتيجيات فعّالة لبناء علاقات متينة مع فريقك
خلقت تجربة بالغة الأهميَّة نقلةً نوعيَّةً في طريقة قيادتي، حيث أعادت تشكيل فهمي لمفهوم القيادة، بتأمُّل عميقٍ، بدأتُ أرى القيادة أكثر من منصبٍ يتَّسِم بمسؤوليَّاتٍ معينةٍ، بل كعلاقةٍ إنسانيَّةٍ تتّسمُ بالعمق والصِّدق، فالرُّؤية التَّقليديَّة للقيادة، التي تعدُّها مظهراً من مظاهر السُّلطة والهيمنة، بدأت تتلاشى في مفهومي لصالح فهمٍ أعمقَ يتجاوز المناصب والألقاب، وفي الأساس، القيادة تعني بناء علاقاتٍ متينةٍ ومستدامةٍ ترتكز على الثِّقة المتبادلة، والاحترام، والفهم العميق.
نجاحك كقائدٍ يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على قدرتك على إقامة وصيانة هذه العلاقات، سواءً كانت مع أفراد فريقك على نحوٍ فرديٍّ أو مع جميع أعضاء المنظَّمة إذا كنت تقود كياناً كبيراً، والواقع أنَّ العلاقات ليست ثابتةً، بل هي متحرِّكةٌ وتتطوَّر باستمرارٍ، مَبنيَّةً على أُسسٍ من التَّواصل الصَّادق والمشترك بين الأفراد، حيث يجتمع الجميع حول رؤيةٍ واحدةٍ وأهدافٍ موحَّدةٍ يسعون لتحقيقها معاً.
تلبية الاحتياجات الأساسية الثلاث للموظفين
لتضعَ الأساس الصَّحيح، من الضَّروري أن تتعمَّقَ في فهم ما يحتاجه فريقُك وما يحفِّزهم، والواقع يكشف لنا أنَّ الموظَّفين لا يأتون إلى العمل فقط لينفِّذوا الأوامر، إنِّهم يسعون إلى الشُّعور بالثِّقة والكفاءة في أداء مهامهم، ويطلبون حريَّةً في تقرير كيفيَّة استثمار وقتهم وطاقتهم، ويرغبون في تنمية ارتباطٍ حقيقيٍّ مع زملائهم، هذه الاحتياجات الثَّلاثة: الكفاءة، والاستقلاليَّة، والارتباط، موثَّقةٌ جيداً في الدِّراسات الَّتي أجراها علماء النَّفس ريتشارد ريان وإدوارد ديسي في إطار نظريَّةِ الدَّافعيَّةِ الذَّاتيَّةِ.
شخصيَّاً، واجهتُ تحدِّيَّاً كبيراً غيَّر منظوري تجاه القيادة، منذ حوالي خمسةَ عشرَ عاماً، شهدتُ استقالة نصف فريقي في انسحابٍ منظَّمٍ، ممَّا أثار في نفسي صدمةً وألماً عميقين، هذه الحادثة أعادت تشكيل فهمي للقيادة وأعادت تحديد ما عددته مهمَّاً في مسيرتي المهنيَّة، ومنذ ذلك الحين، أَخذت على عاتقي مهمَّة استكشاف وتحديد الصّفات التي أُريدها في القائد، وتوصَّلت إلى أنَّني أسعى لأن أكون ذلك القائد الَّذي يبني علاقاتٍ، ولا يقتصر دوره على مجرَّد تولّي منصبٍ.
إعلاء شأن بناء العلاقات والحفاظ عليها
في عالم العلاقات، ندرك جيداً أنَّ التَّنوُّعَ سمةٌ أساسيَّةٌ للطَّبيعة البشريَّة، حيث يختلف كلُّ فردٍ عن الآخر في طريقة استجابته وتفاعُله مع المواقف المختلفة، هذا الفهم يدفعنا لتخصيص الوقت الكافي للتَّعرُّف العميق على كلِّ فردٍ ضمن الفريق بشكلٍ شخصيٍّ، لنتمكَّن من استيعاب نقاطِ قوَّته وضعفه، وما يدفعهُ نحو الإنجاز والتَّقدُّم.
وفي ظلّ التَّحدِّي الذي قد يفرضه حجم الفريق الكبير، الَّذي يصعب معه تقديم الاهتمام الفرديّ لكلِّ عضوٍ، نسعى لتشكيل مجموعاتٍ فرعيَّةٍ من الأفراد ذوي الأهداف والتَّوجُّهات المشتركة، بما يضمن تدفُّق قيمِ الثِّقة والاحترام داخل الفريق بأكمله.
تتجلَّى مهارة القيادة المبنيَّة على أساس العلاقات في قدرة القائد على خلق بيئة عملٍ تسودُها مشاعرُ الأمان والدَّعم المتبادل، وفي مثل هذه البيئةِ، يشعر الأفراد بأنَّ قيمتهم معتَرفٌ بها ومقدَّرةٌ، ممَّا يزيد من احتمال تعلُّقهم بأهداف الفريق ويحفِّزهم على بذلِ المزيد من الجُهد لتحقيق هذه الأهداف، إنَّ تقدير الأفراد وإشراكهم في صنع القرار يعزِّز من التزامهم وولائهم للفريق، ويُسهم في بناء علاقاتِ عملٍ قويَّةٍ تنعكس إيجاباً على أداء الفريق ككلٍّ.
الثبات على الالتزام في مواجهة التحديات
بناء علاقاتٍ متينةٍ وصيانتها ليست بالمهمَّة السَّهلة دائماً، إذ تستلزم بذل جهدٍ كبيرٍ والتزامٍ مستمرٍّ، ولكن تظلُّ الفوائد المترتبة على قيادة فعّالةٍ بارزةٍ وواضحةٍ، فعندما يولي القادة اهتماماً خاصَّاً لتنمية العلاقات، نشهد تحسُّناً ملحوظاً في مستوى الحماس والمشاركة والإنتاجيَّة داخل الفريق.
لقد مثَّل إدراكي للقيادة كعلاقةٍ بشريَّةٍ تحوُّلاً جذريَّاً في طريقة إدارتي وتوجيهي، بدأت بالتَّركيز على بناء اتصالاتٍ ذات معنًى وقيمةً مع أعضاء فريقي، ممَّا جعل العمل يسير بسلاسةٍ أكبر بفضل التَّقليل من المقاومة والعوائق، وأصبحنا قادرينَ على طرح التَّحدّيات والمشكلات التي نواجهها بوضوحٍ أكبر، ممَّا سهّل علينا عمليَّة إيجاد حلولٍ فعّالةٍ ومبتكرةٍ.
شاهد أيضاً: فنّ التواصل غير اللفظي: الطريقة الصامتة لإيصال رسالتك
بإمكانك تفادي التَّجارب المؤلمة التي مررتُ بها بنفسي، وذلك بتبنّي فلسفةٍ تَعدُّ العلاقاتِ جوهرَ النَّجاحِ في مجال القيادة، ثُمَّ تخصيص الوقت والمجهود اللَّازمين لتعزيز هذه العلاقات والحفاظ عليها، بتطبيق هذه الاستراتيجيَّة، ستكون قادراً على تشكيل فريق عملٍ يتّسم بالإنتاجيَّة والتَّعاون، ممَّا يسهم في بناء منظَّمةٍ أكثر قوَّةً ونجاحاً.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.