كشف نقاط العمى لديك: الانحيازات المعرفية التي تحدّ من فعاليتك كقائدٍ
يدرك البعض أهمية القيادة، ومع ذلك، لا يُرى سوى 23% من الموظّفين أن قيادة منظماتهم فعّالة.
يعتبرُ دورُ القائد الفعّال مهمّةً شاقّةً، إذ تُنجزُ جميع الأعمال الحقيقيّة في المنظّمات عن طريقِ الأشخاصِ، سواءً على نحوٍ فرديٍّ أو جماعيٍّ، بمفردهم أو بالاستعانةِ بالتّكنولوجيا، لذا، يُعدّ من الضّروري في دورِ القائدِ إدارة سلوكِ فريقهِ.
لكن هذه المساعي غالباً ما تُعيقها الانحيازات المعرفيّة الخاصّة بالقائدِ، تلك المختصراتُ الذّهنيّة التي تؤدّي إلى تحليلِ المواقفِ بشكلٍ غير فعّالٍ، وتكرارِ نفسِ الأخطاء، وإغفالِ المشاكلِ، والتّعامل مع القضايا بشكلٍ غير مناسبٍ. وبما أنّ جزءاً حاسماً من نجاح القيادة يُكمن في القدرة على جذب وتغيير سلوكيّات الموظّفين، فمن الأساسيّ فهم الانحيازات المعرفيّة الّتي تؤثّر على كيفيّة اتّخاذ القرارات وقيادة الفرق بفعاليّةٍ، لذلك إليك قائمة مختصرة ببعضِ هذه الانحيازات الشّائعة في الأدوار القياديّة:
انحياز التّأكيد
يشيرُ انحياز التّأكيد إلى ميلكَ للبحثِ وتفضيلِ المعلومات التي تدعم تصوّراتك المُسبقة، ممّا يعني أنّك على الأرجح ستتجاهلُ أو ترفضُ المعلومات المُتعارضة، ممّا يؤدّي إلى اتّخاذ قراراتٍ مشوّهةٍ. على سبيل المثال، إذا كنت راضيّاً عن أداء موظّفٍ ما، قد تسمح لهذا الموظّف بارتكابِ خطأ كان ليتطّلب عقوبةً في ظروفٍ أخرى. ومن ناحيةٍ أخرى، إذا كنت غير راضٍ عن موظّفٍ، فأنت أكثر ميلاً لتأكيد الأدّلة التي تُؤكّد على أخطاء الموظّف ونقاطِ ضعفهِ.
تأثير دانينغ كروغر
يشيرُ هذا إلى ميلكَ لتقديرِ مهاراتكَ ومعرفتكَ بشكلٍ مفرطٍ، بينما تُقلّل من جهلك أو مدى سوئك في بعضِ المهامّ. إذا كنت خبيراً في مجالٍ معيّنٍ، فأنت تميلُ إلى التّقليل من قدراتكَ. وبشكلٍ أكثر تحديداً، نظراً لأنّك تعرف الكثير عن موضوعٍ معيّنٍ، يُمكنك رؤية الفجوات في معرفتكَ وتحديد الأخطاء، الّتي قد تكون غير واضحةٍ لغير الخبراء. وهذا يُمكن أن يظهرَ أيضاً بشكلٍ سلبيٍّ. على سبيل المثال، قد يكون لديك موظّف يعتقدٌ أنّه عبقريٌّ، ولكن خلف السّتار، يجبُ على الآخرين تعويض نقصهِ وإصلاح أخطائهِ.
خطأ التكلفة الغارقة
غالباً ما يُشار إليه بإلقاءِ الأموالِ الجيّدة وراء السّيئة، ويصفُ هذا الانحياز المعرفيّ ميلكَ لزيادةِ الاستثمارِ في قرارٍ ما أو الاستمرار في مسارٍ بناءً على الوقتِ والمواردِ المستثمرة سابقاً، حتّى لو كانت التّكاليف الحاليّة تفوق الفوائد. لنفترضَ أنّ قسمك أنفق ملايين الدّولارات على حملةٍ تسويقية فشلت تماماً، وبدلاً من التّخلي عن تلك الحملة وتجربة شيءٍ آخر، تستمرّ في تشغيلها على أمل الحصول على بعض العوائد من ذلك الاستثمار الأوليّ.
تأثير القطيع
يظهرُ هذا عندما تتبنّى موقفاً أو سلوكاً أو أسلوباً معيناً، لأنّ الآخرين يفعلون ذلك، بغضّ النّظر عن معتقداتكَ الشّخصيّة. إذ إن الضّغط للتّوافق، والرّغبة في أن تكونَ مع الجانب الفائز، والخوف من الإقصاء، والحاجة إلى الانتماء كلّها تقودُ إلى تأثير القطيع. كقائدٍ، إذا استمرّيت في التّوافق مع أيّ فكرةٍ يتمّ تقديمها، ولم تكن على استعدادٍ للتّعبير عن الاختلافِ أو الرّأي البديل، فلن يكون هناك مجال للإبداع والابتكار ليزدهرَ. وعندما يقلّد فريقكَ ما تفعله الأقسام الأخرى، خاصّةً إذا كانت تلك السّلوكيات سلبيةً، فإنّ النّتيجة هي مكان عمل خالٍ من الصّراع الصّحي والنّقاش البنّاء.
مغالطة التخطيط
يصفُ هذا الانحياز المعرفيّ ميلكَ إلى التّقليل الشّديد من الوقتِ الذي سيستغرقه إتمام مهمّةٍ، بالإضافة إلى التّكاليف والمخاطر المُرتبطة بهذه المهمّة. ولنفترض أنّك تضع خطّة، والتي عادةً ما تكون سيناريو الحالة الأمثل، ثم تفترض أنّ النتيجةَ ستتبع خطّتك، حتّى وإن كنت على درايةٍ بالعوامل الخارجيّة والتّأثيرات التي يُمكن أن تؤخّرها أو تعرقلها. ولا يتعيّن عليك العمل على مشاريع ضخمة لتقع فريسةً لانحياز التّخطيط، فقد تتوقّع إنهاء مشروعٍ جديدٍ خلال بضعة أسابيع عندما يتطلّب العمل شهراً.
انحياز الارتساء
يعني انحيازُ الارتساء أنّك تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على أوّل معلومةٍ تتلقّاها حول أمرٍ معيّنٍ عند اتّخاذ القراراتٍ. وعندما تصبح مرتبطاً بفكرةٍ أو خطّةٍ محدّدةٍ، تصبح أكثر رفضاً لتقييم المعلومات الجديدة بموضوعيّةٍ، ممّا يؤدّي إلى أحكامٍ مُنحرفةٍ وتصوّراتٍ مشوهةٍ. ويحدثُ انحياز الارتساء أيضاً في جلساتِ العصفِ الذّهني، حيث يشارك كل عضوٍ في اجتماعات توليد الأفكار، لكن الإجماع يدعم باستمرارِ الفكرة الأولى التي يتمّ تقديمها.
كيف يمكنك التّغلب على هذه الانحيازات؟
أولاً وقبل كلّ شيءٍ، اعترف بأنّ الانحيازات المعرفيّة موجودةٌ في كلّ مكانٍ وتؤثّر على الجميع. ثانيّاً، تأمّل في المواقف التي اتّخذت فيها قراراتٍ أدّت إلى نتائج سيئة. ثالثاً، فكّر في كيفيّة اتّخاذك لهذا القرار، وما إذا كان الانحياز قد يكون أثّر على سلوككَ. وأخيراً، فكّر في كيفيّة التّعامل مع هذا القرار بشكلٍ مختلفٍ في المستقبل بالنّظر إلى فهمكَ لتأثير الانحيازِ المعرفيّ.
وتتمثّل العديد من التّحديات القياديّة التي ستواجهها في العملِ لا في مسائل العمليّات أو البروتوكولات، بل في الأشخاص والسّلوك. وعندما تأخذ وقتاً لفهم كيفيّة تأثير الانحيازات المعرفيّة على تفكيركَ وسلوككَ، ستكون أكثر استعداداً لتحديدِ هذه الفخاخ الذّهنيّة، وتوجيه فريقكَ ليتجنبها أيضاً، وبالتّالي، تصبح قائداً أكثر فعاليّةً.
التّعرف على الانحيازات المعرفيّة والتّصدي لها لا يُعزّز من قدراتك القياديّة فحسب، بل يُمكّنك أيضاً من إيجاد حلولٍ أكثر إبداعاً وتأثيراً في مواجهة التّحديات. إذ إنّه يفتح الباب لتطويرِ ثقافةٍ تنظيميّةٍ تشجّع على النّقد البنّاء والتّفكير النّقديّ، ممّا يسهم في نموّ وتطوّر المنظّمة بشكلٍ عامٍ.
في النّهاية، القيادة ليست مجرّد إدارة مهامٍّ وأهدافٍ، بل هي فنّ توجيهِ وإلهامِ الأشخاصِ، وتقديرٌ أعمقُ للعواملِ البشريّة الّتي تؤثّر على اتّخاذ القراراتِ والأداء. وبتحليل انحيازاتك المعرفيّة والتغلّب عليها، تقوم بخطوةٍ هامّةٍ نحو إتّقان هذا الفنّ وتحقيق إمكانياتكَ القياديّة الكاملة.
لمزيدٍ من النصائح الإدارية في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.