كلمة واحدة تشرح ببراعة السبب الخفي للاحتراق الوظيفي
لا يخلو أي عمل منه، لكن يمكن لكل عمل أن يتلافاه
بقلم كيلي ماين Kelly Main، كاتبة ومستشارة [1]
أتذكُرُ وقتاً كان فيه جزءٌ من كونكِ "جيداً" في عملك يعني أن تكون جيداً في الظّهور بمظهر المنهمكِ في العملِ. بطبيعة الحال، كلما قلّ عملك الحقيقيُّ، بدوتَ أكثر انهماكاً، وكان ذلك وسيلةً للوصولِ للأمانِ الوظيفيّ في موقعٍ كان يُعطي النّشاطَ في العملِ الأفضليةَ على نتاجِ العملِ، وكان الوقتُ الذي يقضيه الموظّف على مكتبه هو الذي يحدّد درجةَ اجتهاده.
أقول هذا وكأنّه ظاهرةٌ من ظواهرِ الماضي، لكنّه في الواقعِ ما يزال موجوداً في كلّ مكانِ عملٍ تقريباً. وفقاً لمجلّةِ هارفارد بيزنس ريفيو Harvard Business Review، يوجد مسمّىً واحد لهذا الأمر هو "الانشغال" وهو الجاني المتخفّي المتسبُب بالاحتراقِ الوظيفيّ الذي يحرق كوادرَ العملِ في كلّ مكانٍ.
في النّهاية، يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الطّاقة لتكون دائم الاستعداد لتبدأ بالانشغال. لكن "الانشغال" لا يعني فقط أن تشغَلَ فترة الاستراحةِ التي يحتاجها دماغك بيولوجياً مترقباً وعلى أهبة الاستعداد في حال مرَّ رئيس عملك قرب مكتبك، أو مدَّ رأسه داخل حجرتك.
إنّه يعني أيضاً وببساطةٍ أن تكون في غايةِ الانشغالِ، لكنه ليس انشغالاً يتوافق مع الإنتاجيٌة، إنٌما هو نوع الانشغال الذي يأتي معلّباً مملوءاً بمهامٍ تافهةٍ واجتماعاتٍ تسحب كادر العمل من مهمّته الرّئيسيةِ. بالنتيجة يجدون أنفسهم عالقين بأداء هذه الأمور، ويستمرُّ عملهم الحقيقيُّ بالتّراكمِ.
لا يفاجئنا إذاً أن نجد الكادر مسحوباً إلى عدة اتجاهاتٍ ماعدا اتّجاه عملهم الحقيقيّ، فيرتفع الضّغط والتّوتر، مؤدياً إلى انخفاضٍ في الإنتاجيٌة، وزيادةٍ في الإنهاك (الاحتراق الوظيفي). ومع ذلك يمكن لكلّ عاملٍ أن يتجنب ذلك باستخدامِ 3 قواعدَ رئيسيّةٍ لتجاوزِ ثقافة "الانشغال"، ومكافحةِ الاحتراق الوظيفي بشكلٍ فعّالٍ. وها هي الطريقة:
- اجعل تركيزَ الموظّفين على نتاجِ العمل بدلَ النّشاطِ في العملِ:
ينبغي أن تركّز الأعمال على مكافأةِ الإنتاجِ بدل النٌشاطِ الظّاهرِ. فرغم أن "الانشغال" يظهر كنشاطٍ عالٍ، إلّا أنّه لا يتوافقُ بالضّرورةِ مع إنتاجٍ عالٍ. بمعنىً آخر، تستطيع الأعمال تجنّب خلقِ ثقافة "انشغال" عن طريق تركيز الاهتمامِ على الإنتاجيّة، والحصيلةِ، والنّتائج النّهائيةِ. وإن لم يفهم المدراء نتاج العمل الذي تعمل عليه فِرَق العمل، فسيكونون تحت ضغطٍ شديدٍ كي يكون لديهم توقعاتٌ واضحةٌ. نتيجةً لذلك، ينتهي الأمرُ بالمدراءِ بمراقبةِ وقت الموظفين (والأداء المنظورُ المبنيُّ على "الانشغال") بدل مراقبةِ نتاجِ عملهم كوسيلةٍ لقياسِ الأداء.
اقرأ أيضاً: تأثير بيئة العمل على الإنتاجية بطريقةٍ إيجابية وبناءة
- تجنّب إمطارهم بمهامٍ مُستهلكةٍ للوقتِ
من الطّبيعي أن تظهرَ المهامُ العشوائيّةُ فجأةً في أيّة وظيفةٍ، لكن يجبُ ألّا تَكثُر لدرجةٍ يصبح المرء فيها غير قادرٍ على إنهاءِ عمله. ومع ذلك، يحدث هذا دوماً في العملِ، أو بالأحرى في "الانشغال".
يحدث هذا كثيراً لدرجة أن شركة أبل Apple عُرِف عنها أنّها تسألُ المرّشحين في مقابلاتِ العملِ أسئلةً غريبةً مثل "هل جوز الهند فاكهةٌ؟" صحيحٌ تُعدُّّ القدرةِ على التّشقلبِ مع هذه المداخلاتِ، واستعادة التّركيزِ بسرعةٍ مهارةً جيدةً، لكن لا يُنصَح بكثرتها، بحيث يقضي النّاس جلَّ وقتهم على مهامٍ تافهةٍ بدل العملِ الذي تم توظيفهم لأدائهِ.
يتكرّر حدوث ذلك بكثرةٍ مع زملاءِ العملِ، والمدراءِ التّفصيليين الذين لم يتلَقّوا تدريباً جيداً، وفي النّهاية يتطلّب الأمر منهم قدراً كبيراً من المتابعةِ التّفصيلية. ويكمن الحلُّ هنا في تقديم تدريبٍ أفضل وإنشاء بنيةٍ تتحلّى بشفافيةٍ أكثر. بهذه الطّريقة سيحتاجُ الكادرُ إلى مساعدةٍ أقل ممّن حولهم، وفي الوقت نفسه يعرفون من أين يحصلون بأنفسهم على الإجاباتِ التي يريدونها دون مقاطعةِ شخصٍ آخر من أجل ذلك.
- تأكّد من عدم وجود كثيرٍ من الأيدي في مهمّةٍ واحدةٍ (كثرة الأيادي تُحرق الطٌعام):
يوجد توجّهٌ في الأعمال لتكليف عددٍ كبيرٍ من الأشخاصِ بالعمل في مشروعٍ واحدٍ. قد يبدو هذا في بادئ الأمر انطلاقاً من مفهومِ الشّموليةِ، لكنّه يمكن أن يضرَّ بإنتاجية الموظّف عندما يُجَرُّ النّاس إلى مشاريعٍ واجتماعاتٍ ليسوا بحاجةٍ للمشاركةِ فيها.
لا يقتصرُ الأمرَ على أنّها تُصعِّب تحديدِ توصيفِ الأدوارِ والمسؤولياتِ بدقةٍ، وإنّما يمكن لوجود كثيرٍ من الأيدي أن يُمَيِّع المساءلة الفردية، وبذلك سرعان ما تبدو انهماكاً في العمل. كما يمكن أن يؤدّي ذلك إلى ازدواجيّة في العمل، ممّا يؤدي بدوره إلى هدر الوقتِ وتدهور الرّوحِ المعنويّةِ.
وبينما لا يخلو عملٌ من خطورة خلقِ ثقافةِ "الانشغال"، توجد طرقٌ تستطيع بواسطتها الشّركات الواعية أن تمنع حدوثه. وبالمقابل يكون كادرُ العملِ قادراً على أداء أعمالهم بفعاليّةٍ أكبرَ مع فتح البابِ لتزايدٍ في الإنتاجيّةِ وتناقصٍ في الإنهاك. إذ لن يكونوا مشغولين بأمورٍ كثيرةٍ تأخذُ وقتَ إتمامِ عملهم الرّئيسي، ولن يكونوا بحاجةٌ للتّظاهرِ بالانشغال.