استراتيجيات فعالة لإدارة وتمكين الموظف الانطوائي في الاجتماع
كيفية استثمار الصفات الإيجابية للانطوائيين وتعزيز مشاركتهم في الاجتماعات
لا شكَّ عزيزي القارئ أنَّك صادفت مواد مقروءةً أو مسموعةً أو مرئيَّةً تتحدَّث عن مزايا الانطوائية، أو عن الجوانب الإيجابيَّة لهذا النَّمط من الشَّخصيَّات، ولكن الكثيرين قد لا يعلمون -ومن بينهم الانطوائيُّ نفسهُ- أنَّ للانطوائيّين يوماً عالميّاً! نعم، وهو اليوم الثَّاني من شهر يناير من كلِّ عامٍ، World Introvert Day، بالطَّبع لا يتمُّ إقامة حفلٍ لاجتماع الانطوائيِّين، فهم انطوائيون وسيُلغون هذا الاحتفال طبعاً!
عزيزي القارئ أو عزيزي الانطوائي كانت هذه مزحةً، فاليوم العالميُّ للانطوائيّين يُعترف به باعتبارهِ يوماً لفهم العديد من الانطوائيين حول العالم بشكلٍ أفضل، وهذا أيضاً من أهداف المقال، ولكن سيتمُّ التَّركيز على هذا النَّمط بشكلٍ أساسيٍّ في بيئة العمل، وتحديداً أثناء الاجتماعات.
اجتماع لا يتحدَّث فيه جميع المشاركين هو اجتماعٌ فقيرٌ؛ لأنَّ وجهات النَّظر والآراء فيه حتماً ستكون غير متنوِّعةٍ وقليلةٍ، فضلاً عن أنّ مشاركة الموظَّفين لوجهات نظرهم من خلال المشاركة في الاجتماعات تُعزِّز رفع روحهم المعنويَّة، وبالتَّالي تُحسّن مزاجهم وتسهم في رفع إنتاجيَّتهم في النّهاية.
قبل الحديث عن سمات الموظّف الانطوائي وكيفيَّة إدارته في الاجتماعات، يجبُ الاتَّفاق على مبدأٍ مُهمٍّ وواقعيٍّ في الوقت ذاته، وقد يكون مفاجئاً وهو: "لا يوجد شخص انطوائي بنسبة 100% ولا يوجد شخصٌ منفتحٌ بنسبة 100%" نعم، فالأمر نسبيٌّ، فكلُّنا انطوائيّون، وكلُّنا منفتحون في نفس الوقت، ولكن بنسبٍ مختلفةٍ، الفارقُ فقط في زيادة أو قلَّة نسبةٍ منهما على حساب الأخرى، والأمر لا يتوقَّف عند ذلك فحسب، بل إنَّ هذه النِّسب قد تتفاوت على مستوى الشّخص الواحد، لو أخذ في الاعتبار النَّشاط الذي يقوم به، أو عامل مرور الزَّمن والتَّقدُّم في السّن.
كمدير، كيف تتعرَّف على الشخصية الانطوائية في بيئة العمل؟
يستمدُّ الانطوائيُّ طاقته من الوحدة والانعزال فهو قليل الحديث، يتجنَّب التَّفاعلات الاجتماعيَّة، كما أنَّه يفضِّل العمل بشكلٍ مستقلٍّ، يتَّسم بالدِّقَّة والنِّظام في تأدية مهامه، ولعلَّ أوضح صفةٍ فيه -على مستوى العمل- هي تفضيله للتَّواصل الكتابيّ عن غيره من أدوات التَّواصل، كذلك فهو بحاجةٍ دائمةٍ إلى تحديد المهام المطلوبة منه بشكلٍ دقيقٍ، ووفق إجراءاتٍ ونظامٍ واضحٍ، فلا مجال عند الانطوائيّ للارتجال أو للعفويَّة، يمكن القول إن شئت "روتيني" إلى حدٍ كبيرٍ. [2]
ولغة الجسد كذلك تكشف الشخصيَّة الانطوائية، فهو قليل التَّواصل بصريّاً أثناء الحديث، وغالباً ما يربع يديه، أو يشبك أصابع يديه مع وضعهم بينه وبين من يحادثه، وتلك إشاراتٌ تُعبّر عن حواجز دفاعيَّة يحاول إقامتها بينه وبين الطَّرف الآخر، كما أنَّه يتوتَّر بشكلٍ ظاهرٍ لو طالت المحادثة ويحاول إنهاءَها بشكلٍ سريعٍ.
كمدير، ما هي المزايا التي يقدمها لك الموظف الانطوائي؟
فضلاً عمَّا سبق توضيحه من اتِّسام الشخصية الانطوائية بالدِّقَّة والنِّظام في أداء المهام التي توكل إليه، فالشخص الانطوائي مستمعٌ جيِّدٌ، ويتفوَّق في منطقة التّفكير التَّحليليّ والنَّقديّ، ولديه القدرة على اكتشاف زوايا عديدة للمشكلات، كما أنَّه أقلُّ عاطفيَّةً.
يأتي ذلك انطلاقاً من نقطةٍ مهمَّة، وهي أنَّ الشَّخص الانطوائيّ عادةً ما يضع لنفسه معايير عاليةً، كما أنَّه أكثر امتثالاً لقواعد وإجراءات وقوانين وسياسات العمل، كلُّ هذه صفاتٌ تجعلك كمديرٍ حريصٍ على الاستفادة منها وتوظيفها لخدمة استراتيجيَّات العمل، والوصول إلى أفضل النَّتائج.
كمدير، كيف يمكنك إدارة الموظف الانطوائي في الاجتماعات؟
عزيزي المدير، لو اقتصر الأمر على توضيح ما يجب عمله خلال الاجتماعات، أو على مجرَّد إلقاء الضَّوء على بضع خطواتٍ يمكنك القيام بها خلال الاجتماع، فلن تكون الفائدة المرجوَّة مكتملةً؛ لأنَّ إدارة الأشخاص الانطوائيّين بالشَّكل الأمثل يجبُ ألَّا تكون على مستوى الاجتماعات فقط، والأفضل بجانب توضيح هذه الخطوات هو الإشارةُ إلى ما يُبرزُ أهمّيَّة أن تكون "إدارة الشخصية الانطوائية" أسلوبَ عملٍ خلال الاجتماعات وخارجَها أيضاً في بيئة العمل والمناخ الذي يجبُ أن يسود فيها بشكلٍ عام، بالطَّريقة التي تساعد الموظَّف الانطوائيَّ على تقديم أفضل ما لديه.
أولاً: خلال الاجتماعات
يمكنك إدارة الموظف الانطوائي في الاجتماعات من خلال التالي:
1. المشاركة في وضع جدول أعمال الاجتماعات
أغلب الموظَّفين لا يرغبون في التَّحدُّث لقناعةٍ لديهم بأنَّ آراءهم لن تأخذ محلَّ الاعتبار من جانب المدير، واتِّخاذُ إجراء المشاركة في وضع جدول أعمال الاجتماع ردٌّ مثاليٌّ على هذه القناعة. كما تُتيح هذه المشاركة للموظَّف الاستعداد الجيد للاجتماع، بعد أن يكونَ على علمٍ بأفكار الاجتماع الأساسيَّة، وبالمواضيع التي ستُناقش فيه.
2. اعتماد أسلوب المشاركة دون الكشف عن الهويَّة
وفقاً لمجلة فوربس، فالموظَّف يمكنه تقديم تعليقاته بأريحيَّةٍ إذا سمح له بالبقاء مجهولاً، بمعنى أن يتمَّ طرح وجهة نظره خلال الاجتماع دون الكشف عن هويَّته، فالشخص الانطوائي، بنسبةٍ كبيرةٍ، يخشى ردود الأفعال السَّلبيَّة من الآخرين كنتيجةٍ لاقتراحاته أو لوجهة نظره، ويُسهِّل القيام بهذه الخطوة -خلال الخطوة السَّابقة- المشاركة في وضعِ جدول الأعمال، والتي يَعرف الموظَّف عن طريقها المواضيع التي ستناقش خلال الاجتماعات، فيمكن إعطاؤه الفرصة هنا وقبل الاجتماع لطرح وجهة نظره بشأنها، لعرضها من جانبك كمديرٍ خلال الاجتماع دون الكشف عن هويَّة مقدِّمها، لتُناقَش بموضوعيَّةٍ وتجرُّدٍ. [1]
3. مواجهة ردود الأفعال السّلبيَّة بحزمٍ
المقصود هنا ذلك النَّوع من ردود الأفعال الذي يصدر من باقي أفراد فريق العمل أو بعضهم أو أحدهم، ومن شأنها التَّقليل من وجهة نظرٍ ما، أو تَحقيرُ اقتراحٍ ما والسُّخريَّة منه، إذ في مثل هذه المواقف يجب مواجهة هذا النَّوع من ردود الأفعال بحزمٍ يطمئن الشخصيَّة الانطوائية، ويشجِّعها فيما بعد على أن تعرضَ آراءها بحريَّةٍ دون الشُّعور بحرجٍ أو بضغطٍ من أيّ نوعٍ.
ثانياً: في بيئة العمل
يُمكنكَ التّعامل مع الموظف الانطوائي في بيئات العمل من خلال ما يلي:
1. الابتعاد عن محاولة تغيير طبيعة الشخص الانطوائيّ
بعض الصِّفات وأنماط السُّلوك لدى موظَّفٍ ما تستدعي التَّغيير، والذي يمكن الوصول إليه بالتَّدريب والتَّطوير، ولكن لا ينطبق ذلك على الانطوائيَّة كنمطٍ من أنماط الشَّخصيَّة، فمحاولة التَّغيير هنا طاقةٌ مهدرةٌ، ومن المفيد أن تتوجّه إلى إيجاد طريقةٍ صحيحةٍ للتَّعامل معها.
2. عدم تكليف الموظف الانطوائي بمهام غير محددة
سبقت الإشارة عند عرض مزايا الشخصية الانطوائية إلى عدم تحبيذهم للعفويَّة أو الارتجال، أو تحمُّل المسؤوليَّات غير المحدَّدة؛ لذلك فالابتعاد عن هذا النَّوع من المهامِّ سيحقِّق نتائجَ أفضلَ سيحقِّقها الموظف الانطوائي.
3. تقييم الموظفين على أساس الأداء
يجب تقييم الموظَّفين على أساس الأداء لا على أساس الشَّخصيَّة، فالانطوائيُّ يميل دائماً إلى أن يؤدِّي مهامه بشكلٍ مستقلٍّ، ويشعر بالإحباط -وهو أمرٌ طبيعيٌّ- في حالة لو لم يتم تقدير عمله، يتحقَّق ذلك عندما يكون تقييم الموظَّفين على أسسٍ أُخرى بخلاف الأداء، كالقدرة على التواصل الجيّد والفعَّال مثلاً، فحتماً لن يكونَ أساس التَّقييم هنا في صالح الموظَّف الانطوائيّ الذي يفضِّل التَّواصل كتابيَّاً، في نفس الوقت الذي يمكِّنه أن يقوم بأداء مهامه بشكلٍ مثاليٍّ ودقيقٍ ومنظَّمٍ مقارنةً بغيره الذي قد يفتقر إلى مثل تلك المقوِّمات؛ لذلك فالتَّقييم على أساس الأداء سيكون عادلاً بدرجةٍ كبيرةٍ، ومطمئنةٍ للموظَّف الانطوائيّ، ومرضيَّةٍ للجميع في ذات الوقت.
4. استخدام طريقة التواصل الكتابي معهم
لأنَّهم يفضِّلونه كأسلوب تواصلٍ، وعلى عكس الاعتبار السَّابق، يُمكن مع ذلك تطويرهم وتدريبهم على طرق تواصلٍ أُخرى، دون حرمانهم من طريقتهم المفضَّلة في التَّواصل.
ثلاث رسائل أخيرة للمدير وللانطوائي ولك
عزيزي المدير، قطعاً ليس مطلوباً منك أن تكونَ طبيباً نفسيَّاً، هذا الانطباع قد يكون تحقَّقَ لديك عند قراءة بعض أجزاء المقال، ولكن أذكِّرك أنَّ المدير النَّاجح من يسعى لتحقيق احتياجات موظَّفيه في فريق عمله، وتختلف هذه الاحتياجات باختلاف الشَّخصيَّات والتي من المفترض -بل ومن الطَّبيعي- أن تختلفَ، فضلاً عن اكتشاف مزايا وسمات الموظَّفين الفرديَّة الإيجابيَّة يتعيَّن عليك استثمارها وتوظيفها، وذلك النَّوع من السِّمات متوفِّرٌ في الشخصيَّة الانطوائية.
ولعلك قد لاحظت أنَّ عناوين المقال الجانبيَّة بدأت جميعها بكلمة "كمديرٍ"، وكان ذلك اتِّساقاً مع ما ينتظر أن تقدِّمه "كمديرٍ".
-عزيزي الموظف الانطوائي، ككاتبٍ لهذا المقال فأنا شخصية انطوائية بنسبةٍ كبيرةٍ، خاصَّةً في بيئة العمل، وأحاول طوال الوقت الموازنة بين النِّسبتين التي أشرت إليهما في بداية المقال، فكلُّنا انطوائيون وكلُّنا منفتحون ولكن بنسبٍ.
ولا يتعارض هذا مع اعتبارين مهمَّين، الأوَّل أنَّه من الأفضل –وابتداءً- الابتعاد عن الوظائف التي تستدعي تواصلاً أو تفاعلاً اجتماعيَّاً، كخدمة العملاء، أو المبيعات. أمّا الاعتبار الثَّاني يمكن اختصاره في مقولة لماثيو بولارد Matthew Pollard في كتابه "ميزة الانطوائيّ": "إذا وضعت خطَّطاً ونظاماً لتطوير مهاراتك، سيساعدك على التَّغلُّب على الموهوبين بالفطرة".
- عزيزي القارئ، رسالتي إليك هي سؤالٌ لئيمٌ بعض الشَّيء، برأيك، كيف يمكن التَّعامل مع المدير لو كان ذا شخصية انطوائية؟
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.