كيف أثّر كل من الذكاء الاصطناعي والهجرة على قرارات الشراء؟
تأثيرات الواقع الجديد على ارتباط العملاء بالشركات والعلامات التجارية، مما استدعى الحاجة إلى ابتكار أساليب تسويقية أكثر تفاعلية
يجبُ على القادة المهَرة، بما في ذلك الرّؤساء التَّنفيذيُّون ومديرو التسويق أن يكونوا قادرين على فهمِ وفكِّ شيفرات المعلوماتِ ومعالجتها، بما فيها اتّجاهات السُّوق والثَّقافة المجتمعيَّة. لكن ولسوء الحظّ، غالباً ما يؤدّي الضَّغط اليوميُّ لإدارة الأعمال إلى التَّركيز على المهام والأهداف قصيرة المدى، ممّا يُعيق تركيزهم على المهام الاستراتيجيَّة طويلة الأجل.
عَبَرَ هذا الإلحاحُ ذهنِي عندما قرأتُ نتائج استطلاع Gallup مؤخّراً بخصوص الهجرة، فالنَّتائج مذهلةٌ أكثر من التَّضخُّم، وأكثر ممَّا تراه الحكومة نفسها، ظلَّت الهجرة لثلاثة أشهرٍ متتاليةٍ القضيَّة الأكثر أهمّيّةً بالنّسبة للأمريكيّين، وهذا يدلُّ على أنَّ القادةَ بحاجةٍ إلى إيلاء اهتمامٍ أكبر لهذه القضية وفهم مخاوف الأمريكيّين بشأنها.
إشارة هامة تستحقّ التّأمل
أظهرت دراسةٌ حديثةٌ أجرتها مؤسَّسة "بيو" أنَّ أكثرَ من نصف الأمريكيّين يشعرون بـ "القلق" أكثر من "الحماس" تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليوميَّة.
من الواضح أنَّ لكلٍّ من هذه النَّتائج الاجتماعيَّة آثاراً سياسيَّةً وتشريعيَّةً وتنظيميَّةً، لكن هذا اتّجاهٌ مختلفٌ تماماً عن النُّقطة التي أسعى إليها، فوجهةُ نظري -التي أودُّ التَّركيز عليها- هي حول التَّأثير النَّفسيّ المُضطرب بالنّسبة للمديرين التَّنفيذيين ومديري التسويق من هذه الظَّاهرة، كذلك حالة الخوف المتولِّدة لدى ملايين الأمريكيّين.
قد يأتي هذا الخوفُ من المهاجرين الذين يُهدِّدون رفاهيَّتنا وقيمنا، أو من الذكاء الاصطناعي الذي يسرقُ وظائِفنا ومستقبلنا، وبالتَّالي فإنَّ الآثار الجانبيَّة ستكون خطيرةً عندما نشعر بالتَّهديد من قبل الوافدين، سواء كان معظم السُّكان بشريّين أو تقنيّين.
وفيما يلي بعض الاقتراحات حول بعض تأثيرات الأعمال وكيف يُمكن معالجتها إذا لم يتمَّ تجاوزُها.
كيف تُؤثّر التهديدات والنُّدرة على سلوكنا الشّرائيّ
إذا أخذنا في الاعتبار ما نحتاجهُ فعلاً سواء كان ذلك سلامتنا الجسديَّة أو فرص العمل، فإنَّنا ندخلُ في عقليَّة النُّدرة التي تُغيّر دماغنا؛ وهذا يُمكن أن يُقلِّلَ من الذَّكاء العقليّ بنسبةٍ تصل إلى 14 نقطة ويحدَّ من قدرتنا على حلّ المشكلاتِ، والاحتفاظ بالمعلومات، والتَّفكير المنطقيّ.
في ظلِّ هذه الظُّروف، يتمُّ تعميم جميع أنواع التَّغييرات ويُنظَرُ إليها على أنَّها خطيرةٌ، هذا يعني أنَّ النَّاسَ سوف يتفاعلون مع التَّهديد وتراجع العلامة التجارية والمستقبل بصورةٍ غير مؤكَّدةٍ، إذ لدينا قدرةٌ عقليَّةٌ أقلُّ ورغبةٌ أقلُّ في استكشاف إمكانيَّاتٍ جديدةٍ.
هذا أمرٌ جيّدٌ إذا كُنتَ تُمثِّل علامةً تجاريّةً تقليديّةً بخيارٍ افتراضيٍّ، ومع ذلك، أصبحت هذه الواقعة معرقلةً للعلامات التِّجارية الجديدة، سواء كانت للمستهلكين أو الشَّركات التي تسعى إلى ترسيخ نفسها وزيادة وعي عملائِها.
هناك عواقبُ اقتصاديَّةٌ أخرى غير متوقَّعةٍ للخوف والقلق الشّرائيّ؛ فالمستهلكون القلقون أقلُّ تركيزاً على الميزات الرَّئيسيَّة وأكثر انجذاباً إلى الميزات الأساسيَّة للمنتجات التي تُوفِّر لهم الرَّاحة والهدوء، فمن الضَّروري أن يفكِّر المسوّقون في جدوى تأثير حملات التسويق المستقبليَّة أو المدعومة بـ"تقنيّة الذكاء الاصطناعيّ المُتقدّمة"، والنَّظر في آثارها غير المرغوبة، والتي قد تكون بمثابة تسويقٍ للتكنولوجيا المتقدّمة الجديدة.
قد تُشجِّع التَّهديدات الخارجيَّة أيضاً المستهلكين على البحث عن المنتجات المصنوعة محلّياً كوسيلةٍ لمواجهة الخوف من الهجرة التي تُهدِّد مجتمعاتهم. إذ إن صعود مفهوم التّحجُّر يدفعنا أيضاً نحو منازلنا ومجتمعنا. وفقاً للبيانات، في عام 2018، اعتقدَ 70٪ من الأمريكيِّين أنَّه سيكون من الأفضل للبلادِ المشاركة بنشاطٍ في الشُّؤون العالميَّة، لكنَّ هذا الرّقم انخفض إلى 42٪ اليوم.
إحدى علامات ذلك هي أنَّ مراكز الاتّصال يتمُّ نقلها بشكلٍ متزايد إلى أمريكا "إلى الدَّاخل"، فمن المُطمئن سماع صوت أمريكا؛ إنَّها علامةٌ على مكافحة الخوف.
ليس كلُّ الأمريكيّين يشعرون بهذه الطَّريقة، فهذه القضايا مثيرةٌ للانقسام والتَّقسيم، ولهذا السَّبب، يتجنَّب الرُّؤساء التَّنفيذيُّون ومديرو التَّسويق التَّعامل معها بشكلٍ مباشرٍ، ما تزال ذكرى بود لايت -الذي خسرَ مليارات الدُّولارات وخسر قيادة السُّوق بسبب المنصب الاجتماعيّ المُدمّر لديلان مولفاني- حيَّةً، ولكن اسمحوا لي أن أكونَ واضحاً معكم، أنا لا أقترحُ أن تتَّخذ الشَّركةُ موقفاً. لكنّني أعتقد أنَّ الخوفَ من القضايا الحسَّاسة هو خوف الإدارة من الاعتراف بالمزاج الأمريكيّ وفهمه والتَّعامل بدقَّةٍ مع حقائق التسويق والتّواصل.
بالنّسبة لملايين الأمريكيّين الذين يشعرون بالتَّهديد، فإنَّ عدم اليقين الاقتصاديّ العام هو الذي يُعقِّد هذا الواقع اليوميَّ المؤلم: إذ إنّ 80 ٪ من الأمريكيّين ما زالوا يكافحون ماليّاً بعد 4 سنواتٍ من كوفيد 19.
شاهد أيضاً: 4 اتجاهات تسويق يجب معرفتها في عام 2024
يسمح التَّقسيم الذَّكيُّ وصياغة الرَّسائل للمسوّقين بالتَّحدُّث بسلطةٍ عاطفيّةٍ لجميع الجماهير بغية تحقيق النَّجاح في هذا العالم المتفرّع، خاصةً في العلاقات مع أولئك الذين يشعرون أنَّ مستقبلهم بعيدٌ عنهم، ويُمكن للعلامات التّجارية التقليديَّة التَّأكيد على الثّقة والالتزام المستمرِّ بـ "موقفٍ مؤيّد" للمستهلكين.
يمكنهم مواجهة تقلُّبات الثَّقافة من خلال التَّركيز على الخدمة والدَّعم، وضمان واستجواب الوافدين الجدد، أمَّا بالنّسبة لهذا الوافد الجديد، فهذه ليست اللَّحظة المناسبة للاستفادة من شعار "نحن هنا لقلب العالم رأساً على عقب" فالهجرة والذكاء الاصطناعي، اللّذان بدأ بهما هذا المقال، هما عاملان للقلق، كما يُنظر إليهما على أنَّهما يشكّلان تحديّاً خطيراً بحدّ ذاتهما.
يستثمرُ المسوّقون ملايين الدُّولارات في البحث عن كيفيَّة تفاعل المستهلكين مع منتجاتهم، والنَّظر إلى المنافسين والنَّظر إلى فئاتهم، بالنّسبة لنقطة البداية التي ذكرتها سابقاً، فإنَّهم ينظرون إلى النَّتائج قصيرة المدى وليس إلى الاتّجاهات طويلة الأجل، نحن في أكثر الأوقات انقساماً منذ الحرب الأهليَّة، ومن السَّذاجة مواصلة التسويق كالمعتاد دون الاعتراف بالتَّأثير المتبادل للقيم الثَّقافيَّة والاضطرابات الاجتماعيَّة على الطَّريقة التي نتّخذُ بها قرارات الشِّراء.
عندما يكبر الأطفال، يبدؤون في رؤية والديهم ككائناتٍ كاملةٍ، حان الوقت للمسوِّقين لبدء النَّظر إلى عملائهم بنفس الطَّريقة، خارج العالم الضَّيِّق لتفاعل العملاء. فالعلامات التجارية الناجحة والمتنامية هي التي تظلُّ منتبهةً ومتيقّظةً لمجموعةٍ واسعةٍ من التَّردُّدات عبر جميع النِّطاقات.