كيف أصبحت الإمارات العربية المتحدة ملاذاً للبدو الرقميين؟
الإمارات تتصدّر الشرق الأوسط وتحتلّ المرتبة الرابعة عالميّاّ في جذب المواهب العالميّة الرحّالة
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
في كتاب "Digital Nomad" الذي صدر عام 1997، أشار تسوجيو ماكيموتو وديفيد مانرز إلى أنّ شركاتِ التّكنولوجيا الكبرى كانت تعمل على تطوير أدواتٍ تدعم نمطَ حياةِ المحترفينَ المتنقّلينَ. في ذلك الوقت، توقّعا أن تكون هذه الأدواتُ ميسورةَ التّكلفةِ بحيث تُحدثُ ثورةً في أسلوبِ الحياةِ لم تشهدها البشريّة منذ آلاف السنين.
اليوم، نعيش في عالمٍ يشهد تحقّق تلك التوقّعات. ورغم صعوبة تحديدِ عددِ البدوِ الرقميّينَ بدقّةٍ، يُقدّر اتحادُ سفر WYSE أنّ عددهم سيصل إلى 60 مليوناً بحلول عام 2030 [1] . هؤلاء البدو الرّقميّون هم أشخاص يعملون من مواقعَ مختلفةٍ حول العالم، مستفيدين من التّكنولوجيا لإنجاز أعمالهم أثناء السّفر. كما تُظهر إحصاءاتُ Statista أنّ معظم البدوِ الرقميّينَ الذكور يعملون في تطوير البرمجيّاتِ أو الويب، بينما تتوجّه الإناث نحو صناعاتِ التّسويق والإبداع [2] . لتلبية هذا النمط من الحياة، توفّر حوالي نصف الوجهاتِ العالميّةِ الآن تأشيراتٍ خاصةً بالبدوِ الرقميّينَ، وفقاً لمنظّمة السياحة العالميّة التابعة للأمم المتحدة (UNWTO). [3]
لماذا يتّجه البدو الرّقميون إلى الإمارات العربية المتّحدة؟
في منطقةِ الشّرق الأوسط، تتصدّر الإماراتُ العربيّةُ المتّحدةُ هذا الاتّجاه. ووفقاً لمؤشّر VisaGuide Digital Nomad Index[4]، جاءت الإماراتُ في المرتبةِ الرّابعةِ عالميّاً بعد إسبانيا والأرجنتين ورومانيا. يقيّم المؤشّر البلدان بناءً على توفّر التأشيرة وسرعة الإنترنت ومتطلّبات الدّخل وتكلفة المعيشة وغيرها من العوامل.
نجحت دبي، على وجه الخصوص، في جذب المواهبِ العالميّة بفضل برنامج العمل الافتراضيّ الذي يمنح تأشيرةً لمدة عامٍ للبدو الرقميّين. كما أنّ أبو ظبي، عاصمة الإمارات، لديها برنامج تأشيرة للعمل عن بعد.
في عام 2023، صنّف مؤشّر Savills Executive Nomad دبي كأفضل موقعٍ للعاملين عن بعد على المدى الطويل، فيما جاءت أبو ظبي في المرتبة الرّابعة [5] . وصرّح أندرو كومينجز، رئيس وكالة السّكن في Savills Middle East، لـ عربية .Inc في مقابلةٍ عبر البريد الإلكترونيّ: "صُنّفت المدن المدرجة في مؤشّر Savills Executive Nomads بناءً على برامج التّأشيرة الرقميّة، وجودة الاتّصال وإمكانيّة الوصول، وجودة الحياة، وسوق السّكن الرّئيس، والمناخات المواتية. سجّلت دبي نتائج عالية في جميع هذه المعايير، متفوّقةً على مدن مثل لشبونة وميامي". [6]
أضاف كومينجز: "تزدهر سوق السّكن الرّئيس في دبي، حيث أظهرت أحدث نتائجنا أنّ الإمارة قادت المدن العالميّة في نمو أسعار الإيجار في النّصف الأول من عام 2024. من حيث الاتّصال، يعدّ مطار دبي الدوليّ الأكثر ازدحاماً في العالم لحركة الرّكاب الدّولية [7] ، وسيجعل توسّع مطار آل مكتوم دبي أكبر مطار في العالم عند اكتماله. كما ساعد استثمار دبي في بنيتها التحتيّة الرقميّة، حيث أصبحت الإمارات موطناً لأعلى سرعات الإنترنت عبر الهاتف المحمول في العالم، على تعزيز مكانة الإمارة".
استقبال البدو الرقميّين يحمل فوائد متعدّدة للإمارات، حيث يسهم هؤلاء المحترفون في تعزيز تدفّقات المعرفة والموارد، وتعزيز ريادة الأعمال، وخلق تجمّعات تكنولوجيّة. ووفقاً لمجلّة Harvard Business Review، يُسهم البدو الرقميّون أيضاً في تحفيز الاقتصاد المحليّ، وخاصةً في قطاعات العقارات والتجزئة والسياحة.
يميل البدو الرّقميّون إلى قضاء فترات أطول في الوجهات التي يختارونها مقارنة بالسّيّاح أو الزوّار العاديّين، ممّا يمنحهم فرصةً لاستكشاف المدينة بالكامل وتجربة نمط الحياة المحليّ واختيار أفضل خيارات الإسكان. يفضّل العديد من البدو الرقميّين تأجير المساكن قصيرة الأجل أو الإقامة في الفنادق، مما يُمكّنهم من التعرّف على مختلف الأحياء قبل اتخاذ قرار الاستقرار الدّائم.
يقول كومينجز: "هذا يعزّز قطاعي السّياحة والضّيافة، ويساعد الأفراد على تحديد المكان الذي يرغبون في تأسيس أنفسهم وأعمالهم فيه".
التكنولوجيا كركيزة أساسية لدعم البدو الرقميّين
من أهم الأدوات التي يعتمد عليها البدو الرّقميّون هي التّطبيقات والمنصّات الإلكترونيّة التي تتيح لهم التواصل والتّعاون مع فرق العمل حول العالم. تقول كلوي جينكينز، بدوّية رقميّة تقيم في دبي من المملكة المتحدة: "بصفتي بدوية رقميّة، أستخدم العديد من التّطبيقات والأدوات للقيام بعملي. منصّات المراسلة والتّعاون ضروريّة لي؛ لأنّني أعمل مع أشخاص من جميع أنحاء العالم. أنا ممتنة للإمارات التي وفّرت لي بيئة عملٍ ملائمة من خلال إصلاحات التّأشيرة، بالإضافة إلى بنية تحتيّة رائعة تشمل اتصالاً سريعاً بالإنترنت ومرافق متطوّرة ومساحات عملٍ حديثة". [6]
مع تزايد أعداد البدو الرقميّين، يواجه قطاع التكنولوجيا تحدّياتٍ مستمرة لتلبية احتياجاتهم الفريدة. تعمل أدوات إدارة العمل مثل Asana على تطوير عروضها لتلبية متطلّبات البدو الرقميّين بشكل أفضل، في حين تسعى تطبيقات مؤتمرات الفيديو مثل Zoom إلى تحسين خدماتها لتشمل إعادة تصميم التطبيقات والتعاون في مكان العمل.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على البدو الرقميّين الذين يعتمدون على الإنترنت في عملهم استخدام تطبيقات أمنيّة لحماية بياناتهم. تُعدّ تطبيقات الشبكة الخاصة الافتراضيّة (VPN) ضروريّة للحفاظ على الأمان والخصوصيّة عبر الإنترنت، وتتيح أيضاً الوصول الآمن عن بُعد إلى شبكات المكتب.
عقبات يجب التغلب عليها
رغم التّسهيلات الكبيرة التي تقدّمها التّكنولوجيا وسهولة السّفر، يواجه البدو الرقميّون بعض التّحدّيات. تتضمّن هذه التّحدّيات متطلّبات التّأشيرة المختلفة، وخاصّةً فيما يتعلّق بمستويات الدّخل. في دبي، يبلغ الحد الأدنى للراتب 5000 دولار شهرياً، بينما في أبو ظبي يبلغ 3500 دولار. كما تشمل التحدّيات اللوجستيّة ضمان الوصول إلى الإنترنت الموثوق والانتباه إلى اختلافات المنطقة الزمنيّة عند العمل مع فرق بعيدة.
تقول جينكينز: "هناك تحدّيات بالتأكيد. الحواجز الثقافيّة قد تكون مشكلة، ويجب على المرء أن يفهم العادات المحليّة لتجنّب سوء الفهم. ومع ذلك، فوائد العمل عن بُعد، على الأقل بالنسبة لي، تفوق بكثيرٍ هذه التحدّيات. لقد تمكّنت من استكشاف وجهاتٍ جديدة؛ لأنّني لست مرتبطةً بمكان عملٍ محدّد".
بغض النّظر عن المكان الذي يستقرّ فيه البدو الرّقميّون، تظلّ الحقيقة أنّ امتلاك مهارات الاتّصال الجيّدة، والمسؤوليّة، واستخدام أدوات عملٍ موثوقةٍ يمكن أن يساعد المحترفين على تبنّي أسلوب حياةٍ أكثر حريةً ومرونة.