كيف تتحول الاجتماعات من ضرورة إلى عبء في بيئات العمل؟
تعرّف على أهمّ النّصائح لجعل الاجتماعات أكثر فعاليّةً وشموليّةً بناءً على أحدث البيانات المُتعلّقة بسلوك الموظفين
تُعدُّ الاجتماعات في بيئة العمل من أكثر المواضيع الّتي تُثير الجدل، ففي الوقت الّذي يرى البعض أنّها وسيلةٌ ضروريّةٌ للتّعاون والتّواصل بين الفِرَق، يعتبرها آخرون مجرّد مضيعةٍ للوقت، وخاصّةً إذا كانت غير مُنظّمةٍ أو غير محدّدة الأهداف، ومع ازدياد انتشار أنماط العمل الهجينة وغير المُتزامنة، تصبح إدارة الاجتماعات بشكلٍ فعّالٍ أمراً أكثر تعقيداً، حيث تختلط الحدود بين الأوقات الرّسميّة للعمل وأوقات الرّاحة الشّخصيّة.
أهمّية الاجتماعات وتحديّاتها
كشفت الدّراسةُ، الّتي أجرتها شركة ميرو (Miro) واستطلعت آراءَ أكثر من ألف موظّفٍ في مجال المعرفة في الولايات المُتّحدة، أنَّ هناك قيمةً كبيرةً للاجتماعات في تعزيز التّعاون بين الفرَق، فقد أشار 77% من المشاركين إلى أنَّ الاجتماعات ضروريّةٌ للتّعاون الفعّال. ومعَ ذلكَ، هذا لا يعني أنَّ جميع الاجتماعات مفيدةٌ. فالمشكلة الأساسيّة تكمُن في الاجتماعات التي تُعقَد دون أهدافٍ واضحةٍ أو خطّةٍ مسبقةٍ، ممّا يُشعرُ الموظّفون بأنّهم يحضرون اجتماعاتٍ كان من الممكن أن تُستبدلَ برسالة بريدٍ إلكترونيٍّ مختصرةٍ.
وأظهرت الدّراسة أنَّ 60% من المشاركين يرون أنَّ لديهم العدد المناسب من الاجتماعات، في حين أكدَّ 28% منهم أنَّ الاجتماعات التي يحضرونَها كثيرةٌ جداً، وتُؤثّر سلباً على إنتاجيّتهم. ومن اللّافت أنَّ عدداً قليلًا جدّاً من الموظّفين، حوالي 12% فقط، يشعرون بأنَّهم بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الاجتماعات.
تأثير الاجتماعات على الصحة النفسية
بالرّغم من أنَّ العديدَ من الموظّفين يعترفون بأهميّة الاجتماعات، إلّا أنَّ لها آثاراً جانبيّةً كبيرةً على الصحة النفسية والتّوازن بين الحياة الشّخصيّة والعمليّة، فقد أظهرت الدّراسة أنَّ 61% من الموظّفين يحضرون اجتماعاتٍ أثناء إجازاتهم، و76% منهم يضطرّون لحضور اجتماعاتٍ خارج ساعات عملِهم المُعتادة، وهذه الأرقام تعكس حجم التّأثير السّلبيّ للاجتماعات غير المنظّمة، حيث كشف التّقرير أنَّ 64% من المشاركين يتغيّبون عن تناول وجبات الطّعام؛ بسبب جداول الاجتماعات المزدحمة، وأكثر من 20% أقرّوا بأنَّهم شعروا بالحزن أو البكاء بعد بعض الاجتماعات.
من الواضح أنَّ هذه الممارسات تُشكّل تحديّاً ثقافيّاً في بيئات العمل، ويُؤكّد الخبراء أنَّه من الضّروريّ أن يعملَ القادةُ على وضع حدودٍ واضحةٍ فيما يتعلّق بالاجتماعات، ليتمكّنوا من تعزيزِ بيئة عملٍ أكثر توازناً.
تحديّات العمل الهجين
مع ازدياد اعتماد الشّركات على نماذج العمل الهجينة، الّتي تجمع بين العمل من المكتب والعمل عن بعد، تتعقّد المسائل المُتعلِّقة بإدارة الاجتماعات، فوفقاً لدراسة مؤسّسة جالوب (Gallup)، يعمل ما يقرب من نصف الموظّفين في الولايات المُتّحدة بنظام العمل الهجين، ويُفترض أنَّ هذا النّظام يُوفّر أفضل ما في العالمين: مرونة العمل عن بعد مع ميّزة التّعاون الشّخصيّ، ولكنَّ الدّراسة تشير إلى أنَّ العاملين في هذا النّظام يعانون من صعوبة تحقيق التّوازن بين العمل والحياة الشّخصيّة أكثر من نظرائِهم العاملين بشكلٍ كاملٍ عن بُعدٍ أو في المكاتب.
أكدَّت الدّراسة أنَّ 28% من العاملين بنظام العمل الهجين يحضرون اجتماعاتٍ خارج ساعات عملِهم المُعتادة بانتظامٍ، في حين أنَّ 21% منهم يحضرون اجتماعاتٍ أثناء إجازاتهم السّنويّة، وهو ضعف النّسبة المُسجّلة بين العاملين عن بُعدٍ، وهذا يعكس الضّغوط الإضافيّة الّتي يُواجهها العاملون الهجينون مقارنةً بزملائهم.
التّحيّز الاجتماعيّ في الاجتماعات
من المشكلات الأُخرى الّتي سلّطت الدّراسة الضّوء عليها هو التّحيّز الاجتماعيّ في الاجتماعات، وخاصةً التّحيّز لصالح الشّخصيّات المُنفتحة اجتماعيّاً (الانبساطيّين)، إذ وجدت الدّراسة أنَّ 84% من الأشخاص المنفتحين يشعرون بالثّقة في مشاركة أفكارهم خلال الاجتماعات، بينما يشعرُ 30% فقط من الأشخاصِ الانطوائيّين بنفس الشّعور. بالإضافة إلى ذلك، أبدى 85% من المُنفتحين رضاهم عن مشاركتهم في الاجتماعات، مقابلَ 48% فقط من الانطوائيّين.
هذا التّفاوتُ الكبيرُ في مستوى الرّاحة والمشاركة بين الشّخصيّات المختلفة يُمكن أن يؤدّي إلى تجاهل بعض الأفكار أو الآراء القيّمة، خاصّةً تلك الّتي تأتي من الأشخاص الأكثر تحفّظاً في التّعبير عن أفكارِهم. لذلك، من المهمّ أن يحرصَ القادةُ على توفير بيئةٍ شاملةٍ للجميع، تسمحُ بمشاركة كافّة الأعضاء دون ضغوطٍ أو تمييزٍ.
شاهد أيضاً: 7 استراتيجيات ذهبية لضمان نجاح أي اجتماع
تحسين الاجتماعات: خطواتٌ عمليّةٌ
لتحسين جودة الاجتماعات، يقترحُ الخبراءُ خطواتٍ عمليّةً بسيطةً يمكنُ أن تؤدّي إلى تحسينٍ كبيرٍ، ومنها نذكر:
- مشاركة التّحديثات بشكلٍ غيرِ متزامنٍ: يُمكن إرسال تسجيلات فيديو أو رسائل إلكترونيّةٍ لتوضيح المُستجدّات، بدلاً من عقد اجتماعاتٍ إضافيّةٍ.
- إعداد جدول أعمالٍ واضحٍ: يُساعد في تنظيم الاجتماع وجعل الوقت مخصّصاً للأمور المهمّة.
- تشجيع مشاركة الجميع: التّأكّد من أنَّ كلَّ شخصٍ يحظى بفرصةٍ للمشاركة بفعاليّةٍ في الاجتماعات، سواءً كانوا يعملون في المكتب أو عن بُعدٍ.
الاجتماعات جزءٌ لا يتجزّأُ من بيئة العمل، لكن يجب أن تكون مصمّمةً بعنايةٍ لتحقيق أهدافٍ محدّدةٍ ومفيدةٍ، إذ إنَّ تحسين تنظيم الاجتماعات وخلق بيئةٍ شاملةٍ تُسهمُ في تعزيز التّعاون وتُقلّل من الإرهاق الّذي يشعر به العديد من الموظفين، ومن خلال اتّخاذ خطواتٍ بسيطةٍ ولكن فعّالةٍ، يُمكن للقادة تحسين جودة الاجتماعات وضمان أنَّها تخدم الغرض المطلوب دون التّأثير السّلبيّ على حياة الموظّفين الشّخصيّة.