عندما يصبح "الصواب" عقبة: تحديّات القيادة الحديثة
كيف يمكن لإصرار القائد أنّه على حقّ، أن يقوّض علاقاته، ويعيق نموّ فريقه نحو النجاح؟
تحتلّ الرّغبة في أن تكون على حقٍّ مكانةً عميقةً لدى بعض القادة، ممّا يؤثّر سلبيّاً على علاقاتهم ونموّهم الشّخصيّ والمهنيّ. في مقالٍ للخبير التّنفيذيّ روبن كاماروتي، يناقش كيف يمكن لهذه الرّغبة المتجذّرة أن تعرقل التّواصل الفعّال والتّقدّم. يوضّح كاماروتي أنّ كونه قائداً يدرك مدى تأثير هذه الرّغبة على قراراته وتفاعلاته مع فريقه. فعندما يشعر بأنّه على حقٍّ، قد يندفع إلى ردود فعلٍ غير لائقةٍ، ممّا يخلق صراعاتٍ، ويؤدّي إلى إغلاق باب الحوار والإبداع لدى الآخرين.
ومن الطّبيعٍي أن يُتوقّع من القادة تقديم التّوجيهات الصّحيحة والقرارات السّليمة، ولكنّ التّمسّك الدّائم بكونهم على حقٍّ قد يؤدّي إلى تجاهل أفكار الآخرين. يرى كاماروتي أنّ هناك تحدّياً خاصّاً يواجه القادة الّذين يركّزون على إثبات صحّة مواقفهم، حيث إنّ ذلك يمكن أن يجعلهم متردّدين في الاستماع إلى الآراء المختلفة أو تبنّي مدخلات الآخرين. ويشير إلى أنّ بعض القادة يشعرون بخوفٍ شديدٍ من ارتكاب الأخطاء، ما يجعلهم ينظرون إلى كلّ تفاعلٍ في العمل على أنّه مصدرٌ لمخاطر عاليةً.
ورغم هذا الخوف، يطرح الكاتب تساؤلاً مهمّاً: هل من مهمّة القائد أن يكون دائماً على حقٍّ؟ من وجهة نظره، الإجابة هي لا؛ يشرح كاماروتي أنّ سعيه الشّخصيّ نحو إثبات الصّوب أحياناً يتعارض مع الأهداف الأكبر الّتي يسعى لتحقيقها. فعلى الرّغم من شعور القائد بالرّضا عندما يكون لديه الإجابة الصّحيحة، إلّا أنّ التّركيز على هذا الشّعور اللّحظيّ قد يكلّفه خسائر طويلة الأمد تتعلّق بتعزيز روح التّعاون والاستفادة من مدخلات الفريق.
الجوانب الثّلاثة الّتي قد يخسرها القائد
يشير كاماروتي إلى ثلاثة جوانب رئيسةٍ قد يخسرها القائد إذا تمسّك دائماً برأيه:
- فقدان المدخلات القيّمة: قد يتوقّف أعضاء الفريق عن مشاركة أفكارهم عندما يشعرون بأنّ آراءهم ستهمل.
- فرصة مساعدة الآخرين على النّموّ: لا تعني القيادة تقديم جميع الحلول، بل تطوير الآخرين ليتمكّنوا من إيجاد حلولٍ بأنفسهم.
- فرصة إلهام حقيقيّة: عندما يصرّ القائد على صوابية رأيه، قد يلتزم فريقه بقراراته، دون أن يشعروا بالحماس أو الالتزام الحقيقيّ.
تغيير طريقة التّفكير
يؤكّد كاماروتي أنّ القادة يحتاجون إلى تغيير طريقة تفكيرهم بطريقة لا يكون الهدف فيها هو إثبات صحّة مواقفهم، بل قيادة الفريق نحو أفضل الحلول. يقترح أنّ الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي تطوير الوعي الذّاتيّ، بحيث يتوقّف القائد للحظةٍ قبل أن يردّ، ممّا يتيح له فرصة التّفكير في الصّورة الأكبر. كما يشدّد على أهمّيّة تقديم الملاحظات والتّوجيهات بطريقةٍ تشجّع الحوار، ولا تجعل الآخرين يشعرون بأنّهم على خطأٍ.
كما يؤكّد على ضرورة الاعتراف بأنّنا بشرٌ، ولن نكون مثاليّين في كلّ مرّةٍ. النّضج القياديّ يكمن في القدرة على الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها، والاعتذار عند الضّرورة، والالتزام مجدداً بأنّ نكون القادة الّذين نطمح أن نكونهم.
وأخيراً، القيادة الحقيقيّة ليست في تقديم الإجابات الصّحيحة دائماً، بل في خلق بيئةٍ تظهر فيها أفضل الأفكار، والّتي غالباً ما تأتي من الآخرين. كما أنّ التّخلّي عن فكرة أن يكون القائد دائماً على حقٍّ يفتح الباب أمام بناء علاقاتٍ أكثر متناسبةً، وتعزيز التّعاون، وتحقيق نتائج أفضل على المدى الطّويل.