هل تحدّد شخصيّتك دخلك؟ دراسة تكشف العلاقة بين السّمات والمال
سمات الشخصيّة الخمسة الكبرى، كالودّ والضمير الحيّ، قد تؤثر على نجاحك الماليّ؛ فكُن واعياً بتأثيرها لتطوير إمكانيّاتك وتحقيق دخل أفضل
يعتمد مقدار دخلك على مهاراتك، خبرتك، مجالك المهنيّ، وطموحك. ولكن هل لشخصيّتك تأثيرٌ أيضاً على ما تكسبه؟ وفي هذا السّياق، أجرى علماء اقتصادٍ من جامعة كامبريدج دراسةً شاملةً فحصت بيانات حوالي 22,000 أسرةٍ للإجابة على هذا السّؤال. وكشفت الدّراسة عن نتائج قد تكون مفيدةً لكلّ من يسعى لزيادة دخله.
إطار الشّخصيّات "الخمسة الكبرى"
عندما يحاول النّاس فهم شخصيّتهم بشكلٍ أفضل، قد يقومون بإجراء اختباراتٍ عبر الإنترنت أو يستخدمون أنظمة تصنيف شخصيّةٍ تجاريّةٍ مثل "مايرز-بريجز" (Myers-Briggs). ولكن عندما يتعامل العلماء مع قياس الشّخصيّة، فإنّهم يعتمدون على إطار "الخمسة الكبرى". إذ يقوّم هذا النّظام الشّخصيّات عبر خمسة معايير رئيسيّةٍ:
- الانفتاح على الآخرين (Openness): هل يشعر الآخرون أنّك تستنزف طاقاتهم أم أنّك تمدّهم بالطّاقة؟
- الضّمير الحيّ (Conscientiousness): هل تلتزم بما تقول وتنفّذ ما وعدت به؟
- الودّ (Agreeableness): إلى أيّ مدًى تهتمّ بإرضاء الآخرين؟
- العصبيّة (Neuroticism): هل تتمتّع بثباتٍ عاطفيٍّ؟
- الانفتاح الذّهنيّ (Openness to Experience): هل تفضّل تجربة أشياء جديدةٍ أم تميل إلى تجنّبها؟
لقد تمّ التّأكّد من صحّة هذا النّظام في العديد من الدّراسات، وأظهرت الأبحاث أنّ سمات الشّخصيّة "الخمسة الكبرى" يمكن أن تؤثّر على مجالاتٍ مختلفةٍ مثل العلاقات العاطفيّة والاختيارات المهنيّة. وفي هذه الدّراسة، الّتي نشرت في مجلّة "الاقتصاد السّياسيّ" (Journal of Political Economy)، كان الهدف من البحث هو معرفة ما إذا كانت هذه السّمات تؤثّر أيضاً على الدّخل الّذي يحصل عليه الأفراد.
كيف تؤثّر شخصيّتك على دخلك؟
والإجابة، وفقاً لمقالٍ حديثٍ نشره ويليونغ زانغ، الّذي شارك في البحث، على موقع "ذا كونفيرسيشن" (The Conversation)، هي نعم. حيث تبيّن أنّ الأشخاص الّذين يتمتّعون بسماتٍ عاليةٍ من الودّ يكسبون أقلّ، كما أنّ الأشخاص الّذين يميلون إلى العصبيّة قد يواجهون تحدّياتٍ أكبر في التّكيّف العاطفيّ. من ناحيةٍ أخرى، فإنّ التّحلّي بالضّمير الحيّ يزيد من فرص الحصول على راتبٍ مرتفعٍ.
إذن، بعض هذه النّتائج سهلة الفهم؛ فالإيفاء بالوعود وعدم الانفعال الزّائد هما طريقتان فعّالتان لتحقيق التّقدّم في العمل. كما يوضّح زانغ: "عادةً ما يعتبر الأشخاص الّذين يتمتّعون بالضّمير الحيّ موثوقين وعمليّين، بينما يتيح الاستقرار العاطفيّ للأفراد التّعامل مع الضّغوط بشكلٍ فعّالٍ، وهاتان الصّفتان تحظيان بتقديرٍ كبيرٍ من أصحاب العمل".
ولكن في المقابل، بعض العوامل أكثر تعقيداً. فيقول زانغ: "على الرّغم من الفوائد الاجتماعيّة للودّ، فقد تبيّن أنّه قد يكون عبئاً ماليّاً. فالأشخاص الودودون بشكلٍ مفرطٍ يميلون إلى تجنّب الصّراع، ممّا قد يجعلهم أقلّ حسماً في التّفاوض. كما قد يُنظر إلى انخفاض مستوى الودّ لدى البعض كعلامةٍ على الجرأة والقدرة على القيادة. لذلك، يبدو أنّ كونك طيّباً جدّاً في بيئة العمل قد لا يساهم في تحقيق نتائج ماليّةٍ جيّدةٍ". ومن ناحيةٍ أخرى، العمّال الّذين يتمتّعون بمستوىً عالٍ من الاستقرار العاطفيّ يواجهون مفاوضات الرّاتب بثقةٍ أكبر، ممّا يساهم في تحقيق نتائج أفضل.
في الواقع، اهتمّ الاقتصاديّون بإجراء هذا التّحليل؛ لأنّه قد يسلّط الضّوء على فجوة الأجور بين الجنسين. فتميل النّساء إلى أن يكنّ أكثر ودّاً مقارنةً بالرّجال. فهل يعدّ هذا جزءاً من السّبب وراء كسبهنّ الأقلّ؟، سؤالٌ مثيرٌ للاهتمام (ويبدو أنّ الإجابة هي نعم)، ولكنّه ليس عمليّاً كثيراً بالنّسبة لقادة الأعمال الّذين يبحثون عن نصائح قابلةٍ للتّنفيذ لزيادة دخلهم وتحسين إدارتهم. فماذا تقول هذه النّتائج لهم؟
يقترح زانغ أنّه يجب على القادة الّذين يسعون لتقليص فجوة الأجور بين الجنسين إعادة تقييم كيفيّة تقدير سماتٍ مثل الودّ والاستقرار العاطفيّ. على سبيل المثال، يمكنهم تقدير أساليب القيادة التّعاونيّة والمتعاطفة إلى جانب الحسم. كما يمكنهم أيضاً توفير تدريبٍ على مهارات التّفاوض للموظّفين.
ولكنّ هذه الأبحاث مفيدةٌ أيضاً لأيّ شخصٍ يسعى لتعظيم إمكانيّاته في كسب المال. فسمات الشّخصيّة "الخمسة الكبرى" مستقرّةٌ نسبيّاً طوال الحياة. إذا كنت طفلاً خجولاً، فمن المحتمل أن تظلّ ميّالاً إلى الانطوائيّة عندما تكبر. ولكنّ "الاستقرار النّسبيّ" لا يعني الثّبات التّامّ؛ إذ من الممكن حدوث بعض التّغييرات. كما أظهرت الدّراسات أنّه يمكن أن تحدث تغييراتٌ كبيرةٌ في شخصيّتك طوال حياتك، وأنّ الجهد الواعي يمكنه تعديل شخصيّتك في كلّ مقياسٍ من مقاييس "الخمسة الكبرى".
وكلّ هذا يشير إلى أنّك إذا كنت تشعر أنّ شخصيّتك تؤثّر سلباً على حسابك البنكيّ، فقد تكون على صوابٍ. والأمر الجيّد هو أنّك لست عاجزاً. من خلال تقييم تأثير شخصيّتك على نجاحك الماليّ واتّخاذ خطواتٍ صغيرةٍ وثابتةٍ لتغييرها، يمكنك تحقيق فوائد ماليّةٍ ملموسةٍ.