الرئيسية الريادة بيئات العمل المنعزلة: هل تضعف إنتاجية الفرق؟

بيئات العمل المنعزلة: هل تضعف إنتاجية الفرق؟

يدرك القادة النّاجحون أنّ مكان العمل ليس مجرّد مجموعةٍ من المهامّ، بل هو نظامٌ اجتماعيٌّ يتطلّب تنظيماً مدروساً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

إذا كان ثُلثُ الموظفين يختارون أداء مهامٍ شاقّةٍ على أن يطلبوا المساعدة في العمل، فماذا يعكس ذلك عن ثقافة بيئة العمل؟ هذه ليست مجرّد نظريّةٍ، بل حقيقةٌ كشفناها في دراسةٍ أمريكيّةٍ حديثةٍ أجرتها شركتنا، "برايورتي جروب" (Priority Group)، المتخصّصة في تحسين الأداء والتّدريب المهنيّ. إذ كان هدفنا دراسة السّلوكيّات الاجتماعيّة الخفيّة الّتي تؤثّر على التّعاون، والأداء، ومستوى التّفاعل في أماكن العمل اليوم. وما اكتشفناه كان مثيراً للقلق: يظهر تآكلٌ ملموسٌ في المهارات الاجتماعيّة وضعفٌ في ترابط العلاقات في مكان العمل، أي تراجع العلاقات المهنيّة والمهارات الشّخصيّة؛ بسبب قلّة استخدامها في بيئة العمل.

لكن لا تتعلّق هذه المشكلة فقط بالعمل الهجين أو بالتّكنولوجيا، بل تتعلّق بكيفيّة تصميم أماكن العمل بطريقةٍ غير مقصودةٍ لتعزيز العزلة؛ فالاجتماعات الرّسميّة للغاية، والأدوات الرّقميّة الّتي تعتمد على التّفاعل السّريع دون بناء علاقاتٍ، وأسلوب العمل الّذي يركّز على الكفاءة بدلاً من التّواصل، كلّها عواملٌ يؤدّي إلى المزيد من العزلة، وضعف التّرابط بين الفرق، وانتشار ظاهرة "الاستقالات الصّامتة".

من السّهل إلقاء اللّوم على الموظّفين والاعتقاد بأنّ المشكلة فرديّةٌ، ولكن الحقيقة هي أنّ ضعف العلاقات الاجتماعيّة ليس مسؤوليّة الموظّف، بل هي مشكلةٌ بيئيّةٌ ناتجةٌ عن طبيعة بيئة العمل.

عزلة بيئة العمل ليست خطأكم، لكنّها تتطلب حلاً!

لوقتٍ طويلٍ، كانت أماكن العمل أشبه بمساحاتٍ اجتماعيّةٍ حديثةٍ، حيث لم يكن الموظفون يؤدّون مهامّهم فقط، بل كانوا يتعلّمون أيضاً كيفيّة العمل معاً. كانت المحادثات العفويّة عند آلة القهوة، والدّردشات بعد الاجتماعات، وحتّى الالقاءات غير المتوقّعة في الممرّات تلعب دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات المهنيّة. ولكن اليوم، بدأت هذه التّفاعلات الطّبيعيّة في التّلاشي.

عندما أعمل مع القادة في هذا المجال، أوّل ما يخبرونني به هو: "لقد جرّبنا تنظيم حفلاتٍ وأمسياتٍ اجتماعيّةٍ، ولكن لم يتغيّر شيءٌ!"، والسّبب؟ لا يمكن حلّ مشكلة نقص التّواصل في العمل بمجرّد إقامة المزيد من الفعاليّات التّرفيهيّة، بل يكمن الحلّ في تصميم بيئةٍ تُعزّز العلاقات الحقيقيّة، وليس فقط إضافة أنشطةٍ اجتماعيّةٍ سطحيّةٍ.

عند غياب هذه البيئة، يعاني الموظّفون من فقدان مهاراتهم الاجتماعيّة، ممّا يؤثّر على الأداء، ومستوى الاحتفاظ بالموظّفين، وثقة الفرق ببعضها البعض، ووفقاً لدراستنا:

  • 56% من الموظّفين يفضّلون العمل بمفردهم بدلاً من العمل مع فريقٍ.
  • 44% يصفون علاقاتهم في العمل بأنّها سطحيّةٌ.
  • 63% يرون أنّ التّكنولوجيا جعلت من الصّعب بناء علاقاتٍ اجتماعيّةٍ قويّةٍ، وترتفع هذه النّسبة إلى 75% بين الجيل الجديد.

هذا يعني أنّنا دخلنا في حلقةٍ مفرّغةٍ: تؤدّي قلّة التّفاعل إلى ضعف المهارات الاجتماعيّة، ممّا يدفع الموظّفين إلى تجنّب التّفاعل، ممّا يؤدّي بدوره إلى مزيدٍ من العزلة. لا تخسر الشّركات الّتي تتجاهل هذه المشكلة فقط ثقافتها المؤسّسيّة، بل تخسر أيضاً أفضل موظّفيها.

لماذا تفشل الحلول التقليدية، وما هو الحل الفعلي؟

تحاول معظم الشّركات مواجهة هذه المشكلة عن طريق إجبار الموظّفين على الأنشطة الاجتماعيّة، مثل: الحفلات، أو رحلات الفريق، والّتي غالباً ما تقابل بعدم الاهتمام. ولكن المشكلة الحقيقيّة ليست في عدد المناسبات الاجتماعيّة، بل في البيئة الّتي لا تدعّم التّواصل اليوميّ الطّبيعيّ.

والخبر الجيّد؟ لا تتطلّب الحلول الفعّالة ميزانيّاتٍ ضخمةً، ولا تأخذ الكثير من الوقت، إذ يدرك القادة الأكثر نجاحاً اليوم أنّ بيئة العمل ليست مجرّد مكانٍ لأداء المهامّ، بل نظامٌ اجتماعيٌّ يحتاج إلى تصميمٍ يدخل في التّفاصيل اليوميّة؛ فالفرق الأكثر نجاحاً لا تترك التّواصل للصّدفة، بل تتبنّاه في طريقة عملها، ويتم تحقيق ذلك من خلال:

1. ممارسة التفاعلات الاجتماعية

قبل أن ترفع أوزاناً ثقيلةً، تحتاج إلى الإحماء، وقبل تقديم خطابٍ كبيرٍ، تحتاج إلى التّدريب؛ فلماذا نتوقّع من الموظّفين أن يكونوا بارعين في التّفاعل الاجتماعيّ دون أيّ تدريبٍ؟ اليوم، هذا أمرٌ غير واقعيٍّوإليك بعض الأفكار الّتي طبّقتها مع الفرق الّتي أعمل معها:

  • تدريبات طلب المساعدة: جلساتٌ قصيرةٌ يتدرّب فيها الموظّفون على طلب شيءٍ لا يطلبونه عادةً، ممّا يعزّز الثّقة والتّعاون.
  • تمارين الاختلافات البسيطة: تدريباتٌ سريعةٌ وآمنةٌ لتعزيز التّفاعل لمساعدة الفرق على التّعامل مع الخلافات بطريقةٍ إيجابيّةٍ، ممّا يعزّز الإبداع والتّفكير الابتكاريّ.

2. تحفيز الحوار المستمر

تتّبع الاجتماعات التّقليديّة نفس النّمط: بدء الاجتماع، مناقشة الموضوع، إنهاء الاجتماع، ثمّ الانتقال لمهامٍ أخرى. ولكن العلاقات القويّة لا تبنى في جلساتٍ منظّمةٍ فقط، بل تتطلّب تواصلاً مستمرّاًبدلاً من ذلك، جرّبوا هذه الأساليب:

  • إنهاء الاجتماعات بسؤالٍ مفتوحٍ يدفع الموظّفين إلى المتابعة والنّقاش غير الرّسميّ بعد الاجتماع.
  • لوحة أفكارٍ متاحةٌ للجميع، حيث يمكن للموظّفين طرح مواضيع لنقاشٍ دون الحاجة إلى كشف هويّتهم.
  • جلسات "شركاء الفكر" بين الفرق، حيث يناقش الموظّفون مشكلةً معيّنةً، ولكن دون الحاجة إلى حلّها فوراً، ممّا يعزّز التّفكير الجماعيّ والابتكار.

3. تصميم مساحات تدعم التواصل

لا ينبغي أن يكون التّواصل في مكان العمل فكرةً ثانويّةً. معظم الشّركات لديها قسمٌ للموارد البشريّة، ولكن ماذا لو كان هناك مسؤولٌ رئيسيٌّ للاتّصال؟ شخصٌ متخصّصٌ في بناء العلاقات داخل بيئة العمل، وليس مجرّد قياس معدّلات المشاركة.

في الشّركات الّتي تعاني من العزلة بين الفرق، أجد أنّ أحد أكثر الحلول فعاليّةً هو تعيين مهندسٍ اجتماعيٍّ مسؤولٍ عن:

  • تحليل العزلة داخل الفرق، وربط الفرق المنعزلة بعضها البعض.
  • إقران الموظّفين الأقلّ تفاعلاً اجتماعيّاً بمرشدين يتمتّعون بعلاقاتٍ قويّةٍ داخل الشّركة.
  • إدارة الصّراعات الصّغيرة قبل أن تتحوّل إلى مشكلاتٍ كبيرةٍ.

مستقبل العمل الاجتماعي، هل أنتم مستعدون لذلك؟

حاليّاً، تصمّم معظم الشّركات بيئات عملٍ غير مقصودةٍ تؤدّي إلى العزلة، حيث يتمّ التّركيز على الإنتاجيّة على حساب العلاقات الاجتماعيّة. ولكن لا يجب أن تتحوّل أماكن العمل إلى مدنٍ رقميّةٍ مهجورةٍ، إذ يمكنها أن تكون مساحاتٍ اجتماعيّةً حديثةً، حيث يبني الموظّفون الثّقة، ويطوّرون مهاراتهم الاجتماعيّة، ويقوّون قدرتهم على التّعاون والابتكار.

الحقيقة هي أنّ ضعف العلاقات الاجتماعيّة ليست مشكلةً فرديّةً، بل هي مشكلةٌ بيئيّةٌ؛ فلا ينتظر القادة الأذكى حتّى تؤثّر العزلة على معدّلات الاستقالة، بل يعملون مسبقاً على بناء بيئة عملٍ تعزّز التّواصل قبل أن يخسروا أفضل موظّفيهم.

كلّ مكان عملٍ هو تجربةٌ اجتماعيّةٌ، سواء تمّ تصميمه بعنايةٍ أم لا. فالسّؤال هو: هل أنتم تبنون بيئة عملٍ مزدهرةً، أم تتركونها تتحوّل إلى مكتبٍ مهجورٍ؟ لا تنتظروا حتّى يفوت الأوان.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: