كيف تؤثّر تعريفات ترامب الانتقامية على سوق الأسهم؟
فرض رسومٍ جمركيّةٍ جديدةٍ على عشرات الدّول يهزّ الأسواق، ويهدّد سلاسل التّوريد العالميّة وسط تصاعد التوتّر وردود الفعل الدوليّة

شهدت الأسواق هبوطاً لافتاً في التّداولات اللّيليّة عقب الإعلان، وذلك بعد أن أعلن الرّئيس الأمريكيّ عن حزمةٍ واسعةٍ من الرّسوم الجمركيّة الجديدة الشّاملة لعشرات الدّول، موجّهاً ضربةً قويّةً للأسواق العالميّة ومزعزعاً توازن النّظام التّجاريّ العالميّ القائم. ولكن لم تبدّد هذه الرّسوم حالة عدم اليقين الّتي تسيطر على المستثمرين، بل زادت من حدّها.
فقد هبطت المؤشّرات الرّئيسيّة في البورصات الأمريكيّة خلال جلسات ما بعد الإغلاق، وسجّلت أسهم شركات التّجزئة الكبرى، مثل: "وولمارت" (Walmart)، و"نايكي" (Nike)، و"تارجت" (Target)، و"دولار تري" (Dollar Tree) انخفاضاتٍ حادّةً، كما تراجعت أيضاً أسهم عمالقة التّكنولوجيا، مثل: "آبل" (Apple) "وإنفيديا" (Nvidia).
وبحسب البيت الأبيض، فإنّ النّظام الجمركيّ الجديد سيتّبع مرحلتين: تبدأ المرحلة الأولى في 5 أبريل بفرض رسمٍ موحّدٍ نسبته 10% على جميع الواردات، ثمّ تدخل المرحلة الثّانية حيّز التّنفيذ في 9 أبريل، وتشمل فرض رسومٍ متفاوتةً بحسب كلّ دولةٍ. على سبيل المثال، ستخضع الصين لرسومٍ إضافيّةٍ نسبتها 34%، تضاف إلى الرّسوم الحاليّة البالغة 20% الّتي فرضت في شهري فبراير ومارس، لتصل بذلك إلى رسومٍ إجماليّةٍ نسبتها 54%.
وقد صرّح ترامب قائلاً: "أسمّي هذه الرّسوم انتقاماً لطيفاً، وليست انتقاماً كاملاً"، مشيراً إلى أنّ دولاً كثيرةً تفرض على الولايات المتّحدة رسوماً أعلى ممّا تفرضه هي عليهم، وأضاف: "إذا كُنت ترغب في أن تكون رسومك صفراً، فأنشئ مصنعك هنا في أمريكا".
وفي وقتٍ متأخّرٍ من مساء الأربعاء، أفادت شبكة "سي إن بي سي" (CNBC) بأنّ رئيسة المفوّضيّة الأوروبّيّة، أورسولا فون دير لاين، أعلنت أنّ فريقها بدأ الإعداد لإجراءاتٍ مضادّةٍ، ردّاً على الرّسوم الأمريكيّة الجديدة الّتي ستُفرض بنسبة 20% على الاتّحاد الأوروبّيّ.
كما قال كريس زاكاريلي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "نورث لايت" (Northlight) لإدارة الأصول: "ربّما يكون الجانب الإيجابيّ الوحيد للمستثمرين في هذه الوضعيّة، أنّ ما يحدث الآن مجرّد نقطة انطلاقٍ للمفاوضات مع الدّول الأخرى، ومن المحتمل أن تنخفض الرّسوم في النّهاية بشكلٍ عامٍّ". وأضاف: "لكن في الوقت الرّاهن، يبدو أنّ المتداولين يردّون بالفعل قبل التّفكير".
وبالنّسبة للشّركات الأمريكيّة الكبرى، فإنّ تداعيات هذه الرّسوم تتجاوز مسألة الأرباح الفصليّة، إذ إنّها تهدّد بتفكيك سلاسل التوريد العالميّة الّتي بُنيت على مدى عقودٍ. وحتّى لو بادرت الشّركات إلى الإعلان عن استثماراتٍ محلّيّةٍ وخططٍ لإعادة التّصنيع إلى داخل الولايات المتّحدة، فإنّ هذه العمليّة ليست فوريّةً، بل بطيئةً ومكلّفةً، ما قد يضعف هامش الرّبح، ويقلّل من ثقة المستثمرين.
لكن مع ذلك، فإنّ قرارات الإدارة الأمريكيّة في مجال السّياسات الاقتصاديّة لم تكن يوماً مستقرّةً أو متوقّعةً. فمنذ بداية ولاية ترامب الثّانية، تمّ التّراجع عن بعض القرارات أو إعادة صياغتها خلال أيّامٍ فقط.
في الحقيقة، ليس من الغريب أن يبدأ ترامب مفاوضاته من موقعٍ عدائيٍّ في القضايا التّجاريّة، فذلك نهجٌ معروفٌ ينتمي إلى أساليب التّفاوض الّتي اشتهر بها ترامب. ويتوقّع مارك هيفيلي، كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثّروات العالميّة لدى بنك "يو بي إس" (UBS) أن يخفّف ترامب شروط الرّسوم لاحقاً. إذ قال هيفيلي: "دعا الرّئيس نفسه إلى التّفاوض"، وأضاف: "وزير الخزانة بيسنت قال في مقابلةٍ مع "بلومبرغ" (Bloomberg) إنّ الرّسوم المعلنة تمثّل الحدّ الأعلى من النّطاق، وإنّ الدّول يمكنها اتّخاذ خطواتٍ تؤدّي إلى خفض هذه الرّسوم". وفي السّياق ذاته، نقلت وكالة بلومبرغ عن رئيس وزراء تايلاند في وقتٍ متأخّرٍ من مساء الأربعاء أنّه مستعدٌّ للتّفاوض بشأن الرّسوم، وأنّه يعتزم التّواصل مع القيادة الأمريكيّة.
ومن الواضح أنّ سياسة ترامب لا تقتصر على مناوشاتٍ حول المعادن أو الشّرائح الإلكترونيّة، بل تمثّل إعادة تشكيلٍ جذريّةٍ لخريطة التّجارة العالميّة، وقد انطلقت بمرسومٍ تنفيذيٍّ، وتستند إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ العالم استغلّ الولايات المتّحدة لسنواتٍ. وبينما يؤكّد ترامب أنّ هدفه هو تحقيق العدالة التّجاريّة، تواصل الأسواق تراجعها وإعادة تموضعها. وقد بدأت فعلاً تحرّكاتٌ استثماريّةٌ دفاعيّةٌ، إذ شهدت أسهم التّكنولوجيا والشّركات الاستهلاكيّة عمليّات بيعٍ، بينما اتّجه المستثمرون نحو السّيولة والسّندات وأدوات التّحوّط من تقلّبات السّوق.
ومع اقتراب موعد تنفيذ الرّسوم الجمركيّة الجديدة، يظلّ سؤالٌ واحدٌ يُثير القلق: إذا كان هذا هو "التّحرّر"، فكيف ستكون إذن ملامح الحرب التّجاريّة؟