كيف تتحول بيئة العمل إلى مساحة ملهمة تنبض بالحياة؟
انخفاض الطّاقة والتّشتّت في العمل مشكلةٌ شائعةٌ، لكن من خلال تقليل التّوتر وتعزيز الإيجابيّة، يمكن للموظّفين استعادة التّركيز والانخراط الحقيقيّ

متى كانت آخر مرّةٍ شعر فريقك بأنّهم على قيد الحياة أثناء العمل؟ لا نعني هنا مجرّد الانشغال أو الإنتاجيّة، بل نعني حالة النّشاط التّامّ، والتّفاعل، والانخراط الحقيقيّ في العمل. إن مرّ وقتٌ طويلٌ دون هذه الحالة، فأنت لست الوحيد؛ فالكثير من مؤسّسي الأعمال، ورجال الأعمال، والقادة يواجهون هذا التّحدّي: يسعى الموظّفون جاهدين للشّعور بالحيويّة.
على الرّغم من أنّه ليس من واجبك مباشرةً أن تشعرهم بتلك الحيويّة، إلّا أنّك تمتلك فرصةً كبيرةً لخلق بيئة عملٍ تعزّز هذا الشّعور. يقول الكاتب ديفيد بلوستين في كتابه عن العمل: "العمل هو الرّابط الأساسيّ الّذي يجمع بين علاقاتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويوحّدنا في الالتزام المشترك نحو بناء مجتمعٍ أكثر عدلاً وتعاطفاً. ومن خلال العمل، نحصل على فرصةٍ للاندماج في المجتمع والاقتصاد، ممّا يمنحنا إمكانيّة تحقيق النّجاح والرّضا، لكنّه في الوقت ذاته قد يعرّضنا لمشاعر الإحباط واليأس".
في الوقت الرّاهن، تبدو معظم أماكن العمل عالقةً في دورةٍ من انخفاض مستويات الطّاقة والتّشتّت المستمرّ، إذ يتعرّض الموظفون لإفراط التّحفيز بسبب الإشعارات الدّائمة، وقوائم المهامّ الّتي لا تنتهي، إلى جانب الاعتماد على نظامٍ غذائيٍّ رقميٍّ يغمرهم بجرعاتٍ سريعةٍ من الدّوبامين، مستمدةٍ من وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى السّطحيّ. وعندما يعتاد الدّماغ على هذه المكافآت الفوريّة، يصبح الوصول إلى التّركيز العميق والانخراط الحقيقيّ تحدّياً كبيراً، يكاد يكون مستحيلاً. ولكن، لحسن الحظّ، فإنّ هذه الحالة ليست دائمةً؛ فهي مجرّد اختلالٍ في نظام المكافآت يمكن تصحيحه بإعادة ضبطه.
قوة التحكم في التحفيز
قد لا تستطيع التّحكّم في كلّ شيءٍ، ولكنّك بإمكانك تحديد الإطار العامّ للعمل؛ فابدأ بمساعدة فريقك على تقليل مصادر التّشتّت. مثلاً، يمكنك تشجيعهم على أخذ فتراتٍ خاليةٍ من الشّاشات أو توفير فترة بعد الظّهر دون انشغالٍ بالاجتماعات، لإعادة ضبط أذهانهم. تخيّل وجود يوم أربعاء بلا اجتماعاتٍ، حيث يستطيع الموظفون التّركيز على الأعمال الجوهريّة دون أيّ مقاطعةٍ، وكأنّك تستخدم آلة تنظيفٍ ذهنيّةٍ تزيل الضّوضاء، وتعيد ضبط التّركيز.
تحويل التوتر إلى قوة دافعة للأداء
لا يحمل التّوتر أو الفشل أو الجهد المبذول قيمةً ذاتيّةً بحد ذاتها، بل إنّ طريقة تفسيرنا لهذه المفاهيم هي الّتي تحدد تأثيرها على الأفراد، سواءً كانوا قادةً أو موظّفين. وباعتبارك قائداً، من الضّروري أن تكون مدركاً تماماً لتأثيرك على فريقك؛ فمعظم الموظّفين يسعون جاهدين لتقديم أفضل ما عندهم، وغالباً ما يكونون أشدّ قسوةٍ على أنفسهم من ما يمكن لأيّ قائدٍ أن يكون عليه. لهذا السّبب، من الضّروريّ أن تكون واضحاً في تقديمك للتّوجيه والنّقد البنّاء؛ فإنّ التّغذية الرّاجعة غير المدروسة حتّى وإن كانت نيّتها حسنةً، قد تزيد من قلقهم، وتدفعهم إلى الانسحاب.
عندما يدرك الموظفون أنّ التوتر يمثّل تهديداً، يزداد إفراز الكورتيزول في أدمغتهم، ممّا يجعلهم أكثر قلقاً وتردّداً، أمّا إذا تمكّنوا من إعادة تأطير التّوتّر كطاقةٍ تنشيطٍ تثبت أنّهم يتقدّمون نحو مستوىً أعلى، فإنّه يتحوّل إلى دافعٍ قويٍّ للتّركيز والتّنفيذ. ويمكنك مساعدة فريقك على رؤية التّحدّيات كفرصٍ؛ فاحتفل بالضّغوط كعلامةٍ على النّموّ، وذكّرهم بأنّ الفشل هو مجرّد بياناتٍ لا تحدّد هويّتهم؛ فمن خلال خلق ثقافةٍ تعتبر أنّ العمل الشّاقّ والنّكسات خطواتٍ نحو النّجاح، ستفتح المجال أمام الإمكانيّات الحقيقيّة، وتحقّق تأثيراً دائماً.
بناء أنظمة تعزيز الإيجابية
لا تهتمّ أدمغتنا بما هو مفيدٌ لها بقدر ما تسعى وراء ما يمنحها شعوراً بالمكافأة؛ فإذا كانت مصادر التّشتّت تبدو ممتعةً، والعمل الشّاقّ يبدو مرّاً، سيقع الموظّفون باستمرارٍ في فخّ الإضرار بأنفسهم. ولكن، يمكنك تغيير هذا المسار بخلق أنظمة تعزيز الإيجابيّة، وذلك من خلال جعل التّقدّم ملحوظاً. مثلاً، استخدم لوحات معلوماتٍ أو جداول تعرض كيف تساهم الانتصارات الصّغيرة في تحقيق أهدافٍ كبيرةٍ، واحتفل بالجهود المبذولة بغضّ النّظر عن النّتائج، فعندما يدرك الموظّفون أنّ أفعالهم تؤدّي إلى تقديرٍ ملموسٍ وتأثيرٍ فعّالٍ، يبدأ دماغهم في تفضيل التّنفيذ على التّجنّب.
الخلاصة: الحيوية في العمل تغيّر قواعد اللعب
لا يعتمد خلق الحيويّة في بيئة العمل على الحوافز المبالغ فيها أو التّكاليف العاليّة، بل يعتمد على إدارة التّشتّت، وإعادة تأطير مفهوم التّوتّر، وبناء بيئةٍ تجعل التّركيز والانخراط هو الوضع الطّبيعيّ. وعندما تحقّق ذلك، لن يكون فريقك مجرّد مجموعةٍ تحضر للعمل فقط، بل سيبدؤون في التّألّق، وهنا يكمن التّأثير الحقيقيّ. فما هو التّغيير البسيط الّذي يمكنك تطبيقه اليوم لتساعد فريقك على الشّعور بمزيدٍ من الحيويّة والانخراط في العمل؟