5 مفاتيح لتعزيز ثقافة المسؤوليّة داخل فريقك
المسؤولية تبدأ بثقافةٍ تدعم الشّفافية والوضوح، وقائدٍ ملهمٍ يضع الأساس لفريقٍ يتشارك نفس القيم والطّموحات
تحقيق مبدأ المسؤوليّة في بيئة العمل ليس بالأمر البسيط، إذ لا يمكن للفريق أن يتحمّل المسؤوليّة دون وجود بيئةٍ داعمةٍ وثقافةٍ تقوم على التّعاطف والتّعاون. ولعلّ أهمّ ما يحتاجه الفريق لتحقيق هذه المسؤوليّة هو قائدٌ يمثّل نموذجاً يحتذى به في هذا المجال. إذ من السّهل أن تطلب من أعضاء فريقك أن يتحمّلوا مسؤوليّة أفعالهم، ولكن من الصّعب تعليمهم كيف يقومون بذلك بطريقةٍ فعّالةٍ. والأصعب من ذلك هو غرس عقليّةٍ داخليّةٍ تجعلهم يريدون تحمّل المسؤوليّة عن أنفسهم وعن أدوارهم في العمل. في الواقع، ينسى الكثير من قادة الأعمال أنّهم هم القدوة عندما يتعلّق الأمر بالمسؤوليّة، ولا يتوقّفون لمراجعة أفعالهم للتّأكّد من أنّهم يطبّقون القيم الّتي يطالبون بها فرقهم.
في كتابه الكلاسيكيّ "الفرق: عندما لا يكون الجيّد كافياً" (The Difference: When Good Enough Isn’t Enough)، يبرز سوبير شودري أهميّة المسؤوليّة كجزءٍ من ثقافة الرّعاية داخل الشّركات. ويوضّح شودري أنّ المسؤوليّة ليست سوى عنصرٍ واحدٍ من مكوّناتٍ أكبر، وهي ثقافة الرّعاية الحقيقيّة الّتي يجب على الشّركة أن تبنيها وتحافظ عليها من أجل تحقيق ميزةٍ تنافسيّةٍ مستدامةٍ.
لكن ثقافة الرّعاية لا تتوقّف عند المسؤوليّة فحسب؛ فهي تشمل تطوير موظّفين وقادةٍ يتميّزون بالوضوح، والتّفكير الجادّ، والحزم في إدارة أعمالهم. ومن واقع خبرتي الطّويلة في عالم الأعمال، أرى أنّ هذه الخصائص ضروريّةٌ لنّجاح أيّ مؤسّسةٍ، كما أنّها تساعد القادة في توضيح مفهوم المسؤوليّة لأعضاء الفريق والخطوات المطلوبة لتحقيقها.
1. الإقرار بوجود مشكلةٍ والاعتراف بضرورة العمل
غالباً ما نرى أمثلةً على موظّفين أو مدراء يشاهدون نفس المشكلة تتكرّر مراراً، دون أن يتّخذوا أيّ إجراءٍ لإصلاحها. ويعود السّبب في ذلك إلى غياب عقليّة الرّعاية، سواءً بالعمل أو بالزّملاء. فالخطوة الأولى نحو تحمّل المسؤوليّة هي الاعتراف بأنّ هناك شيئاً يجب تغييره، وهذا يتطلّب اهتماماً حقيقيّاً بالعمل وبالبيئة المحيطة.
2. تحمّل المسؤوليّة الشّخصيّة في حلّ المشكلة
يسارع العديد من الأشخاص، إذا لم يكن لديهم شعورٌ بالمسؤوليّة تجاه العمل أو الزّملاء، لإلقاء اللوم على الآخرين أو التّهرّب من المسؤوليّة بقولهم "هذا ليس عملي". فيجب على القادة أن يوضّحوا من خلال أفعالهم قبل أقوالهم أن تقديم حلولٍ فعّالةٍ للمشاكل هي مسؤوليّة كلّ فردٍ في المؤسّسة، وأنّ على الجميع أن يساهم في تحسين جودة الخدمات والمنتجات المقدّمة للعملاء. كما يجب مكافأة الأشخاص الّذين يتّخذون المبادرة لحلّ المشكلات.
3. اتّخاذ قراراتٍ إيجابيّةٍ والقيام بالإجراءات المطلوبة
اتّخاذ القرارات الإيجابيّة هو أحد أصعب الجوانب في بيئة عملٍ يسودها الجمود، أو تعاني من السّلبيّة المفرطة. يجب أن يشعر الموظّفون أنّ لديهم الحريّة الكافية، والتّدريب المناسب، لاتّخاذ قراراتٍ صائبةٍ. في بيئةٍ صحيّةٍ، علاوةً على ذلك، يجب أن يتمّ دعم الموظّفين ليتّخذوا قراراتٍ تفيد العمل، وتسهم في تحسينه.
4. التّفكير في عواقب كلّ قرارٍ
من السّهل أن تتّخذ قراراتٍ خاطئةً إذا لم تفكّر في نتائج هذه القرارات. هل الهدف من القرار هو التّخلّص من مشكلةٍ بسرعةٍ؟ أم هل هو مجرّد إرضاء الذّات؟ فالقادة الجيّدون يفكّرون في النّتائج بعيدة المدى. هل هذا القرار هو أفضل حلٍّ طويل الأمد للعملاء؟ أم أنّه مجرّد حلٍّ سريعٍ ومؤقّتٍ؟ التّفكير الجيّد قبل اتخاذ أيّ قرارٍ هو جزءٌ أساسيٌّ من المسؤوليّة.
5. تحديد أهدافٍ طموحةٍ لنفسك ولفريقك
عندما تحدّد لنفسك أهدافاً طموحةً، فإنّك تلهم الآخرين باتّخاذ نفس المسار. وعندما تكون مصدر إلهامٍ لفريقك، يصبح من السّهل عليهم أن يتحمّلوا المسؤوليّة تجاه أدوارهم في العمل. عندما يلهم القائد فريقه، فإنّ الأعضاء بدورهم سيضعون أهدافاً أعلى لأنفسهم، وهذه الدّائرة من الطّموح ستؤدّي في النّهاية إلى تحسين تجربة العملاء ونجاح الأعمال.
تحقيق ثقافة المسؤوليّة عبر ثقافة الرّعاية
لإحداث فرقٍ حقيقيٍّ في شركتك، يجب أن تكون نموذجاً يحتذى به في تحمّل المسؤوليّة. ولكن هذا ليس كلّ شيءٍ، بل عليك أيضاً أن تغرس وتدعم ثقافة الرّعاية في جميع أنحاء مؤسستك. وإليك بعض الجوانب الّتي تساعد في تحقيق هذه الثقافة:
1. ثقافة التّواصل المباشر والمفتوح
يجب أن يشعر الموظّفون بأنّهم قادرون على التّواصل بصدقٍ وصراحةٍ دون خوفٍ أو تردّدٍ. فعندما يشعر الموظّفون بالخوف، فإنّهم يفقدون القدرة على أن يكونوا صادقين وصريحين. ففي كثيرٍ من الأحيان، يخفي القادة الحقائق عن الفريق، أو يتجنّبون الاعتراف بالأخطاء، ومع ذلك يتوقّعون من الجميع أن يقوموا بالعمل الصّحيح. وبالطّبع، هذه البيئة تعيق المسؤوليّة.
2. ثقافة التّعاطف والاستماع الفعّال
لا يعني الاستماع الفعّال مجرّد سماع ما يقوله الآخرون، بل يعني محاولة وضع نفسك مكانهم لفهم مشاعرهم واحتياجاتهم. وبالنّسبة للمدراء، يتطلّب هذا الخروج من المكاتب والتّواجد في المكان الّذي يحدث فيه العمل الحقيقيّ، سواءً في المصنع أو مع العملاء، ليكونوا على اتصالٍ مباشرٍ مع فريقهم.
3. ثقافة الشّغف والإصرار والمثابرة
تقوم هذه الثّقافة على الاعتقاد بأنّ كلّ المشاكل قابلة للحلّ، وكلّ موقفٍ قابلٍ للتّحسين. ويتطلّب ذلك التّواضع والقدرة على التّكيّف، والاعتراف بأنّ التّحسين المستمرّ هو قاعدة العمل. فالأشخاص الّذين ينتمون إلى هذه الثقافة لا يقبلون أبداً بأقلّ من الأفضل في عملهم.
تحقيق مبدأ المسؤوليّة ليس بالأمر السّهل. ولا يتحقّق من خلال إصدار الأوامر فقط، بل يمكن تعليمه عن طريق القدوة. فمن خلال القادة الّذين يطبّقون المبادئ الّتي يريدون أن يلتزم بها فريقهم، تُبنى عقليّة الرّعاية داخل المؤسّسة. وعندما يبني القادة هذه العقليّة، فإنّهم يعزّزون بيئة العمل الّتي تشجّع الجميع على تحمّل المسؤوليّة ودفع نفسهم للعمل بأقصى إمكانياتهم.
وأخيراً، اسأل نفسك هذا السّؤال: متى كانت آخر مرّةٍ راجعت فيها أفعالك وقيادتك؟ تذكّر أنّ القادة العظماء لا يتوقّفون عن تقييم أنفسهم ومؤسّساتهم لتحقيق تحسيناتٍ مستمرةٍ. فالنّجاح في تحمّل المسؤوليّة يبدأ من داخلك، وينتقل إلى فريقك، ثمّ إلى كلّ جزءٍ من عملك.
شاهد أيضاً: كيف يُحوّل القادة حالة عدم الاستقرار إلى فرص؟