كيف تتعامل مع فجوات ChatGPT في المنطق وتوليد اللغة؟
لدى ChatGPT القدرة على صياغة جملٍ يستحسنها حتى المحترفين في اللغة، لكن حان له فهم تعقيدات اللغة؟
يلمع نجم ChatGPT ليخطف الأنظار ببراعته في عالم التّكنولوجيا السّاحر. إذ تفتخر آلة الذّكاء الاصطناعي بتحقيق إنجازاتٍ مذهلةٍ على صعيد توليد اللّغة. لكن على الرّغم من كونها أداةً تبهر العقول في تلاعبها بالألفاظ، غير أنّها تشعرك أحياناً بسطحيتها في التّعاطي مع المعلومات المختلفة. [1]
وبينما نشهد براعة ChatGPT في سياقاتٍ محدّدةٍ، إلّا أنّه يقدّم إجاباتٍ صحيحةٍ على 58.8% فقط من الأسئلة المستندة إلى المنطق، ممّا يدلّ على وجود فجوةٍ في كفاءته في الاستنتاجِ المنطقيّ، بحسب ما أفادت دراسةٌ أجرتها هارفارد. وسواء كانت الفئةُ المستهدفةُ الشّركات النّاشئة أو القائمة مسبقاً، يجري التّرويج لـ ChatGPT في معظم الأحيان على أنّه قوّةٌ خارقةٌ ستحلّ جميع المشكلات أيّاً كانت. لكن الأمر ليس كذلكَ، إذ يترتّب عليكَ معرفةُ المجالات التي يكون فيها استخدام هذه الأداة مجدياً، وتلك التي لا يعود استخدامها فيها بالنّفع. وبالنّسية لرؤساء العملِ، يُعدّ من المهمّ فهم نقاط القوّة ومعرفة أوجه القصور لأدواتٍ مثل ChatGPT من أجل وضع استراتيجياتٍ فعّالةٍ وهادفةٍ.
لدى ChatGPT القدرةُ على صياغة جملٍ من شأنها ملاقاة قبول واستحسان الجميع، حتى المحترفين في اللّغة. لكن أن يتصدّى لفهمِ تعقيداتِ المنطق واللّغة؟ فهذا أمرٌ مختلفٌ تماماً. إذ لا يتعلّقُ الأمرُ بمحاكاة الاستجاباتِ البشريّة فحسب، وإنّما يتخطّاه إلى أبعد من ذلك، وكأنّنا نريد من الآلة أن تفهمنا، وتلقي بالاً للفوارق البسيطةِ، والمشاعرِ، والمقاصدِ. ولكن هل حقّاً يسدّ ChatGPT هذه الفجوة؟ أم أنّه مجرّد مدّعٍ آخر يقف ضمن سلسلةٍ طويلةٍ لا تنتهي من أعاجيب التّكنولوجيا؟
نظرة عامة على المنطق في ChatGPT
تحتَ مظلّة القدرات المعتبرة لـChatGPT على توليد اللّغة التي تلقى رواجاً كبيراً، نجد بنيّة المحوّلات المعقّدة المحسّنة لمعالجةِ البيانات المتسلسلة. فمن خلال آليات شدّ الانتباه، يلتقط النّموذج خلاصة اللّغة، محاولاً معرفة الجمل ذات الصّلة بالسّياق وتوليدها.
لكن رصّ الكلمات ببلاغة شيءٌ، وإضفاء المنطق عليها شيءٌ آخر. وحتى يلقى النّموذج صدى واسعاً، فهو بحاجةٍ إلى ما هو أكثر من مجرّد التمكّن اللّغوي، أو بالأحرى عليه أن يسعى إلى دمجِ اللّغةِ والمنطقِ. وهكذا فإنّ السّؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو: عندما يستطيع ChatGPT صياغة الجمل بحصافةٍ، فهل هو بذلك يصل إلى نتيجةٍ منطقيّةٍ حقّاً؟
قيود المنطق في ChatGPT
في سياق توليد اللّغة، يعتمد تصميم ChatGPT اعتماداً كبيراً على الأنماط الإحصائيّة والارتباطات المعروفة، ويحيد عن الصّياغات المنطقيّة الصّريحةِ. ويبدو هذا الانحيازُ واضحاً ابتداءً من مرحلة ما قبل التّدريب، حيث تزجّ الشّبكة العصبيّة القائمة على المحوّل نفسها في بحرٍ شاسعٍ من النّصوص غير المصنّفة، وتدخّل تحسيناتُ على الخصائصِ والأنماطِ اللّغوية العامّةِ
وتكشف الدّراسة تحدّياتٍ صارخةً في قدرة التّحليل لدى ChatGPT 4، متّسمةً بوجود تناقضاتٍ وعيوبٍ في تطبيق تقنيات التّحليل المنطقيّ الأساسيّةِ. فأحياناً يواجه النّموذج صعوباتٍ مع المفاهيم الأساسيّة التي يرتكزُ عليها المنطق، تظهر في ما يمكن وصفه بالتّهيؤات، وهذه لم تكن فقط وليدةَ التّجربة، بل إنّها تغوصُ بصورةٍ أعمق لتلامسَ جوهر الخصائصِ المنطقيّة المطبّقة عالميّاً.
وبينما قد توفّر الأدواتُ الخارجيّة، مثل: محرّكات البحث والرّسوم البيانية المعرفية بعض التّصحيحات، يكمنُ التّحدّي الحقيقي في ضمان وجود الصّحة المنطقيّة، خاصّةً عند مواجهة مسائل منطقيّةٍ أو رياضيّةٍ معقّدةٍ.
معالجة الغموض وعدم اليقين
بالغوص في تعقيدات اللّغة الطّبيعية، يصبح واضحاً سبب وقوع النّماذج الحاسوبية مثل ChatGPT في متاهةٍ لغويةٍ في بعض الأحيان. لنفرض مثلاً تعبير (bank)، هل يقصد به مؤسسة ماليّة أم ضفة نهرٍ؟ فعدم الدّقّة المتأصّلة في اللّغة تعني إمكانيّة انبثاق عددٍ هائلٍ من المعاني من مصطلحٍ واحدٍ.
ويتطلّب التّمييز بين هذه الفروق الدّقيقة بالنّسبة لشات جي بي التّوضيح، الذي يتجاوز فكرة وجود العلاقات الإحصائيّة. فإذا أعطيت ChatGPT جملةً مركبةً، على سبيل المثال: "I saw a man with a telescope"، حينها قد تواجه مشكلةً مع معناها الصّحيح؛ فهل يعني هذا أنّك استخدمت تلسكوباً؟ أم أنّ الرّجل الذي رأيته كان بحوزتهِ واحد؟
التحديات التي تواجه منطق ChatGPT: الدمج اللغوي مقابل الذكاء الاصطناعي المعرفي
إنّ دمج المنطق واللّغة في ChatGPT يحملُ معه مجموعةً من التّعقيدات، يأتي على رأسها قابليّة التوسّع والتعقيد. فعندما نحاول إدارة قواعد المعرفة الواسعة والصياغات المنطقيّة المُتشابكة، نواجه صعوباتٍ مع المعضلات الحاسوبيّة والبدائل المطروحة. فتوجد حاجةٌ ملحّةٌ بالنّسبة لـ ChatGPT ليفهم التّغييرات في مجرى السّياق ضمن الحوارات، فالمنطق الإحصائيّ لن يفي بالغرض، وإنّما تتطلّب أنظمتنا إدراكاً للسّياق، وأساساً منطقيّاً مرناً ليولّد اللّغة بكفاءةٍ وفعاليّةٍ.
يقدّم الذّكاء الاصطناعي المعرفي منظوراً جديداً حول هذا الدّمج. إذ يسعى لإقامة دمجٍ سلسٍ للمنطق واللّغة من خلال بعض التّقنيات المعقّدة:
- التّعلّم العصبيّ الرّمزي: يوظّف الذّكاء الاصطناعي المعرفي في جوهره التّعلّم العصبي الرّمزي، حيث التّمثيلات الرّمزية (المنطق) هي جزءٌ لا يتجزّأ من الشّبكات العصبية، وهذا يؤكّد على أنّ النّظام يستطيع التّحليل والاستنتاج، وليس فقط التنبّؤ استناداً إلى الأنماط الإحصائيّة.
- الرّسومات المعرفيّة الحركيّة: يجري تحديث هذه الرّسومات باستمرارٍ بالمعلومات الجديدة، ممّا يتيح للذّكاء الاصطناعي الحفاظ على السّياق واستدعاء التّفاصيل ذات الصّلة، ويسدّ الفجوة ما بين المعرفة المخزّنة والتّغييرات الطّارئة على مجرى الحديث.
- التّضمين المُعتمد على السّياق: على عكس التّضمين الذي يعتمد على الكلمات الثّابتة، يلتقط التّضمين المعتمد على السّياق معاني الكلمات استناداً إلى النّصّ الحاوي عليها. وهذا يساعدُ على فهم العبارات الدّقيقة وضبط المنطق وفقاً لذلك.
- حلقات التّعلّم المستمر: إدخال آلياتِ الملاحظات، حيث يحسّن الذّكاء الاصطناعي المنطق المعمول فيه استناداً إلى التفاعلات والأخطاء السابقة. ويساعد هذا التّعلّم المتواصل في زيادة التّوازن ما بين المنطق الجامد والفهم المرن المُرتبط بالحوار.
لا يغرنك الضجة الكبيرة لـ ChatGPT
ChatGPT كغيرهِ من الأدواتِ، فهو يُمكن أن يكونَ مساعداً رائعاً في الكتابةِ، والبحثِ، وكتابة أكواد البرمجةِ، طالما أخذ المستخدم على عاتقه المسؤوليّة الكاملةَ في التأكّد من صحّة المحتوى المتولّد عن هذه الأداةِ. وبالنّسبة إلى أيّ نوعٍ من المخرجات التي تتطلّب دقّةً حقيقيّةً، ينبغي للأشخاص الخبراء في هذا المجال أن يكونوا دائماً على اطّلاعٍ وجهوزيّةٍ للمصادقةِ والتّصحيحِ قبل إصدار المحتوى.
وعلى أيّ حالٍ، بالنّسبة للمجالات التي تتطلّب تفكيراً منطقيّاً قائماً على الاستدلال السّياقي، مثل: خدمة الزّبائن، والخدمة الذّاتية للموظّفين، والتّدريب الشّخصي، فأنت بحاجةٍ إلى تقنياتٍ تستند إلى الذّكاء الاصطناعي المعرفي التي يُمكنها فهم اللّغة، وتملكُ ذاكرةً قصيرة الأمد وطويلة الأمد، ولديها قدرةٌ على اتّخاذ القراراتِ المنطقيّة من المُدخلات البشريّة.
من شأن الذّكاء الاصطناعي التّوليدي توليد اللّغة، في حين أنّ الذّكاء الاصطناعي المعرفي يحلّلها. وإنّه لمن الحكمة أن تُقيّم استخدامك للذّكاء الاصطناعي، وتفكّر مليّاً بالمنافع المحتملة لدمج حلول الذّكاء الاصطناعي المعرفيّ، حيث يُكون الفهم الدّقيق والتّحليل المنطقيّ أساسيّاً.