قاعدة اليومين: سرّ ترسيخ العادات واستدامتها!
تُظهر المرونة تأثيراً إيجابيّاً على حالتك النّفسيّة، فعندما تنجز جزءاً من المهمّة، تشعر بالرّضا، ممّا يجعلك أكثر استعداداً للالتزام بها في المستقبل
لعدّة سنواتٍ، تجاهلت ارتداء حزام الأمان دون أيّ سببٍ واضحٍ. فقط لم أكن أفعل ذلك، ثمّ جاء يومٌ أخبرتني فيه ابنتاي، بعد عودتهما من المدرسة، أنّ معلّماتهما أوصين بأن يذكّر الأطفال آباءهم دائماً بارتداء حزام الأمان إذا كانوا يريدون الحفاظ على سلامتهم. منذ ذلك الحين، بدأت ألتزم بارتداء حزام الأمان، إذ من الصّعب أن تطلب من أطفالك التزام بما هو صحيحٌ ومفيدٌ، إذا كنت أنت نفسك لا تأخذ بنصائحهم.
وبعد مرور سنواتٍ طويلةٍ، شعرت أنّ عدم ارتداء الحزام أمرٌ غريبٌ، بل مزعجٌ، رغم أنّني لست شخصاً مهووساً بالسّلامة، هذا هو جوهر العادات: عندما تكرّر فعل شيءٍ ما مرّاتٍ كافيةٍ، يتوقّف الأمر عن كونه قراراً واعياً، ويصبح جزءاً طبيعيّاً ممّا تفعله.
والعجيب في العادات؟ أنّ لدينا منها أكثر ممّا ندرك، فقد كشفت دراسةٌ نشرت في مجلّة "الاتّجاهات الحاليّة في علم النّفس" (Current Directions in Psychological Science)، أنّ أكثر من 40% من القرارات الّتي نتّخذها يوميّاً ليست اختياراتٍ حقيقيّةً، بل عاداتٌ متأصّلةٌ. ففي كثيرٍ من الأحيان، نفعل ما اعتدنا عليه دون تفكيرٍ، حتّى وإن كانت تلك الأفعال أو العادات أقلّ إنتاجيّةً أو فاعليّةً، ممّا يمكن أن تكون عليه لو اتّخذنا قراراتٍ واعيةٍ، إذ يمثّل تحسين العادات المفتاح لتحقيق النّجاح، بغضّ النّظر عن الطّريقة الّتي تعرّف بها "النّجاح".
ابدأ بالخطوة العمليّة
لتطوير عاداتٍ جديدةٍ، يعدّ بناء روتينٍ يوميٍّ أحد الأساليب الفعّالة، إذ يمكن للرّوتين أن يلعب دوراً حاسماً في تحقيق النّجاح. على سبيل المثال، إذا كنت تسعى إلى زيادة المبيعات، وترغب في إجراء خمس مكالماتٍ تسويقيّةٍ يوميّاً، فحدّد وقتاً ثابتاً لذلك، كأن يكون السّاعة العاشرة صباحاً، فاحجز هذا الوقت في جدولك، وأضف تنبيهاً في تقويمك، والتزم بتنفيذ الخطّة باستخدام تقنية "وضع علامة X على التّقويم" الّتي اشتهر بها جيري ساينفيلد، ثمّ ابدأ العمل. ومع مرور أسبوعٍ أو أسبوعين، ستجد نفسك تقوم بالمكالمات التّسويقيّة اليوميّة تلقائيّاً، دون حاجةٍ إلى التّفكير أو التّردّد؛ ستصبح هذه العادة جزءاً طبيعيّاً من يومك.
ما سرّ تحقيق الأهداف الكبيرة؟
تفكيك الهدف الكبير إلى خطواتٍ وأنشطةٍ صغيرةٍ يوميّةٍ، ثمّ التزم تنفيذها بانتظامٍ، هو ما يمكّن الأشخاص النّاجحين من تحقيق أهدافهم الطّموحة. ولكن، ماذا لو حدث انقطاعٌ عن الرّوتين؟
إنّ انقطاع الرّوتين قد يكون أمراً محتملاً لأيّ شخصٍ، ولكنّ السّرّ يكمن في كيفيّة استئناف الرّوتين سريعاً وعدم السّماح للانقطاع بأن يتحوّل إلى عادةٍ جديدةٍ؛ العودة إلى المسار الصّحيح بأسرع وقتٍ ممكنٍ هي ما يحافظ على استمراريّة النّجاح.
ماذا يحدث عندما تفشل العمليّة؟ في النّهاية، يحدث ما يعطّل روتينك المصمّم بعنايةٍ، وتضطرّ إلى التّوقّف عن كلّ شيءٍ لتلبية موعد شحنٍ لعميلٍ، أو تواجه مشكلةً شخصيّةً بين موظّفين يجب عليك حلّها. وإذا كنت تسعى لتناول طعامٍ صحّيٍّ، تأتي دعوةٌ للعشاء خارج المنزل، فيصبح بعدها الرّجوع إلى الرّوتين والعادات أمراً بالغ الصّعوبة، إذ تتطلّب العادات جهداً كبيراً لتتشكّل، ولكنّها تكسر بسهولةٍ مذهلةٍ، فيتحوّل انقطاع يومٍ واحدٍ إلى يومين ثمّ ثلاثةٍ.
تبدأ مشاعرك بالعمل ضدّك، عندما يتعطّل روتينك، لتجد أنّ مشاعرك تتحوّل إلى عائقٍ بدلاً من أن تكون دافعاً، فيصبح استئناف الرّوتين مهمّةً شاقّةً، فتبدأ في تأجيل التّنفيذ الحقيقيّ وتفضّل التّخطيط للعودة. تقول لنفسك: "سأبدأ غداً". ومع مرور الوقت، تجد أنّ أسبوعاً أو أسبوعين قد انقضيا، واختفى الرّوتين والعادة تماماً.
لا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل تشعر بالخيبة تجاه نفسك بسبب عدم تحقيق ما كنت تنوي القيام به، ممّا يجعل استعادة الحافز لإعادة بناء الرّوتين أكثر صعوبةً.
تبنّ قاعدة اليومين
تمثّل قاعدة اليومين، الّتي ابتكرها اليوتيوبر مات دافيلا، حلاً عمليّاً للتّغلّب على الانقطاع عن العادات، إذ تقوم الفكرة على مبدأٍ بسيطٍ: لا تسمح ليومين متتاليين بالمرور دون اتّخاذ خطوةٍ نحو تحقيق هدفك.
إذا كان هدفك إجراء خمس مكالماتٍ تسويقيّةٍ يوميّاً ولم تنجزها اليوم، فلا بأس، ولكن تأكّد من إجرائها غداً، فإذا كنت تريد تخصيص 15 دقيقةً يوميّاً للحديث مع أحد الموظّفين حول أهدافه أو أفكاره أو المشكلات الّتي تعيق عمله، ولم تفعل ذلك اليوم، فلا مشكلة، فقط قم به غداً، وإذا تناولت وجبةً غير صحّيّةٍ أثناء خروجك اليوم وتخلّيت عن نظامك الغذائيّ، فلا تدع ذلك يحبطك؛ المهمّ أن تستعيد التزامك غداً.
اضبط مرونتك في الرّوتين، لا تدع التّشدّد في الرّوتين يحدّ من نجاحك، فإذا خطّطت لإجراء مكالماتك التّسويقيّة في السّاعة العاشرة صباحاً، ولكنّك لم تتمكّن من القيام بها إلّا في السّاعة الثّانية ظهراً، فهذا لا يعدّ فشلاً. المهمّ أنّك أنجزت المهمّة ويمكنك وضع علامةٍ على قائمة إنجازاتك اليوميّة، فالعادات قويّةٌ ومهمّةٌ، ولكنّ الرّوتين المبالغ في صرامته قد يؤدّي إلى تحطيمها.
العلم يؤكّد أهمّيّة المرونة
أثبتت الدّراسات أهمّيّة المرونة في الحفاظ على العادات، ففي دراسةٍ نشرت في مجلّة "علم الإدارة" (Management Science)، قسّم الباحثون المشاركين إلى 3 مجموعاتٍ، حيث طلب من المجموعة الأولى الالتزام بروتينٍ صارمٍ وتحديد نافذةٍ زمنيّةٍ مدّتها ساعتان يوميّاً، مثل: "التّمرين السّاعة 6 مساءً"، أمّا المجموعة الثّانية، فاتّبعت خطّةً مرنةً سمحت لهم بالتّمرين في أيّ وقتٍ يناسبهم، فحصلت المجموعتان على مكافآتٍ ماليّةٍ عند إتمام كلّ جلسة تمرينٍ. وبالإضافة إلى ذلك، اعتمد الباحثون في الدّراسة مجموعةً ثالثةً، وهي مجموعة التّحكّم، ولم يُفرَض على أفرادها خطّةً أو روتينٌ معيّنٌ، ولم يمنحوا أيّ مكافآتٍ؛ فقط شجّعوهم على ممارسة الرّياضة بقدر الإمكان.
أثبتت النّتائج أنّ المجموعتين اللّتين حصلتا على حوافز ماليّةٍ (مجموعة الرّوتين الصّارم ومجموعة الخطّة المرنة)، التزمتا بالتّمارين أكثر من مجموعة التّحكّم. لكنّ المفاجأة كانت بعد أربعة أسابيع، عندما توقّفت المكافآت، وكان من المفترض أن تكون العادة قد ترسّخت. وجد الباحثون أنّ المجموعة المرنة (الّتي سمحت لنفسها بالمرونة في المواعيد)، استمرّت في مواصلة التّمارين بمعدّلٍ يفوق المجموعة ذات الرّوتين الصّارم بأكثر من الضّعف.
والنّتيجة؟ اعتمد المرونة كعنصرٍ أساسيٍّ في روتينك، فذلك يجعّل الالتزام بالعادات أكثر واقعيّةً واستدامةً، كما تعطيك قاعدة اليومين فرصةً لتخطّي العثرات البسيطة، وتساعدك على البقاء على الطّريق الصّحيح دون ضغوطٍ أو إحباطٍ.
لماذا تنتصر المرونة؟
أظهرت الدّراسة أنّ الرّوتين الصّارم يصبح عائقاً كبيراً عندما يواجهك أيّ ظرفٍ طارئٍ. كلّما زادت صرامة الرّوتين، زادت احتماليّة تعطّله. على النّقيض، تتيح المرونة فرصةً للتّكيّف مع الظّروف اليوميّة، فعندما تبقي لنفسك مجالاً لتعديل الخطّة، تستطيع تنفيذ العادة بطريقةٍ تتلاءم مع وقتك وظروفك، حتّى إذا أجريت ثلاث مكالماتٍ تسويقيّةٍ بدلاً من خمسٍ، فإنّك لم تفشل. لقد أحرزت تقدّماً، ممّا يعزّز حماسك للعمل غداً.
المشاعر ودورها في بناء العادات
تظهر المرونة تأثيراً إيجابيّاً على حالتك النّفسيّة، فعندما تنجز جزءاً من المهمّة، تشعر بالرّضا، ممّا يجعلك أكثر استعداداً للالتزام بها في المستقبل. في المقابل، يؤدّي الرّوتين الصّارم إلى شعورٍ بالإحباط عند أيّ إخفاقٍ بسيطٍ، ممّا يقلّل من الدّافع. وإذا فاتك يومٌ في تنفيذ العادة، لا تعتبر ذلك فشلاً كبيراً. فقط استأنف العمل في اليوم التّالي، فعندما تتعامل مع الفشل البسيط بمرونةٍ، تصبح العادة أكثر استدامةً.
تبنّ قاعدة اليومين، اختر عادةً تريد ترسيخها في حياتك، وصمّم روتيناً يساعدك على تنفيذها بانتظامٍ، ولكن اسمح لنفسك بالمرونة، فإذا تعثّرت ليومٍ، عد والتزم في اليوم التّالي. التزم بقاعدة اليومين، وستجد نفسك أكثر قدرةً على بناء عادةٍ تدوم؛ صحيحٌ أنّ الرّوتين مهمٌّ، ولكنّ المرونة هي الّتي تضمن النّجاح والاستمراريّة.