5 استراتيجيات لبناء علامات تجارية طويلة الأمد
في بيئةٍ تجاريّةٍ مزدحمةٍ، يصبح النّجاح أكثر ارتباطاً بالقدرة على فهم الجمهور وتقديم ما يلبّي تطلّعاته بصدقٍ

بالرّغم من اختلاف المجالات الّتي تنشّط فيها العلامات التجارية، إلّا أنّ معظم القطّاعات اليوم أصبحت أكثر ازدحاماً ممّا قد يتصوّره البعض. فرغم رغبة الكثير من أصحاب المشاريع في ابتكار علامةٍ تجاريّةٍ فريدةٍ تتألّق وحدها في السّوق، فإنّ الواقع يكشف عن وجود العديد من العلامات الأخرى الّتي تشابهها إلى حدٍّ كبيرٍ، سواءً في المنتجات أو الأسلوب أو الرّسائل التّسويقيّة.
لكن لا تدع هذا الأمر يثبط عزيمتك، فحتّى في أكثر الأسواق تنافسيّةٍ، لا يزال بإمكانك تحقيق النّجاح، إذ يكمن السّرّ في القدرة على إعادة تموضع علامتك التّجاريّة بذكاءٍ، لتصل إلى جمهورك المستهدف بأسلوبٍ يلامس احتياجاته ويكسب ولاءه.
1. حدّد عرض البيع الفريد (USP) لعلامتك التجارية
أوّل خطوةٍ لجذب الانتباه وسط الزّحام هي أن تعرف تماماً ما الّذي يميّزك عن غيرك؛ هذا ما يُعرف بـ "عرض البيع الفريد" (Unique Selling Proposition). تبرز بعض العلامات التّجاريّة نفسها من خلال تميّز منتجاتها، كأن تستخدم مكوّناتٍ عضويّةً أو تقنيّاتٍ مبتكرةً، بينما تختار علاماتٌ أخرى أن تتفوّق في جانب السّعر، أو في قيمها الاجتماعيّة، كالمساهمة في القضايا الإنسانيّة أو حماية البيئة.
المهمّ هنا أن يكون عرضك الفريد منسجماً مع أهدافك وقيم علامتك التّجاريّة، وفي الوقت ذاته وثيقاً بالصّلة بجمهورك المستهدف. فمثلاً، إن كنت تبيع منتجاتٍ فاخرةٍ، فإنّ محاولة التّميّز عبر الأسعار المخفّضة لن تخدمك، بل قد تضعف من صورتك لدى الجمهور.
2. صمّم هوية بصرية وشخصية لا تنسى لعلامتك
إنّ الهويّة البصريّة والصّوتيّة للعلامة التّجاريّة ليست مجرّد شعارٍ أو ألوانٍ، بل هي الوسيلة الّتي تترجم بها عرض البيع الفريد إلى تجربةٍ محسوسةٍ وواضحةٍ، وتنعكس هذه الهويّة في كلّ شيءٍ: من تصميم الشّعار، إلى أسلوب الكتابة في الحملات التّسويقيّة، وصولاً إلى الطّريقة الّتي تعرّف بها جمهورك على فريق العمل أو كواليس الشّركة.
على سبيل المثال، استطاعت شركة "دولر شيف كلاب" (Dollar Shave Club) أن تتميّز عن باقي شركات شفرات الحلاقة من خلال إعلانها الأوّل الّذي قدّمته بأسلوبٍ ساخرٍ وبسيطٍ، بعيداً عن الإعلانات الرّسميّة المعتادة في هذا القطّاع. لم يجعل هذا النّهج المختلف الإعلان ينتشر بسرعةٍ فقط، بل ساهم في تعزيز صورة العلامة كشابّةٍ ومرحةٍ، ما أدّى لاحقاً إلى استحواذ شركة "يونيليفر" (Unilever) عليها مقابل مليار دولارٍ.
3. استهدف شريحة أكثر تحديداً
إنّ محاولة الوصول إلى جمهورٍ واسعٍ جدّاً قد يُفقد علامتك بريقها وسط زحام المنافسين. ولذلك السّبب، يتّجه كثيرٌ من العلامات النّاجحة إلى "التّخصيص" أي التّركيز على شريحةٍ صغيرةٍ ومحدّدةٍ بدقّةٍ من السّوق.
مثالٌ واضحٌ على ذلك: هو المحامي كريس جاكمان من شركة "جاكمان للمحاماة" (Jackman Law Firm) في سوقٍ يضمّ حوالي 57,000 محامٍ مختصٍّ في قضايا الأسرة داخل الولايات المتّحدة، قرّر جاكمان أن يختصّ في تمثيل حقوق الآباء في ملفّاتٍ حسّاسةٍ كحضانة الأطفال أو النّفقة. جعله هذا التّخصّص خياراً أوّليّاً للرّجال الّذين يمرّون بهذه التّجربة المعقّدة، وخلق له قاعدة عملاء وفيّةً. حيث استعان أحد أصدقائي بهذه الشّركة خلال طلاقه، وكان دائم الإشادة بمدى فهم الفريق لتفاصيل قضيّته، خاصّةً كونه أباً يمرّ بهذه التّجربة للمرّة الأولى.
وعلى هذا المنهج، يمكن للعلامات التّجاريّة أن تبحث عن شرائح تعتبر نفسها "مهمّشةً" أو غير مخدّمةٍ بشكلٍ كافٍ من قبل المنافسين، خصّوصاً إذا كانت هذه الفئة تمرّ بتجارب عاطفيّةٍ أو إنسانيّةٍ عميقةٍ. هذه الشّرائح، رغم صغر حجمها، غالباً ما تصبح أكثر وفاءً وتفاعلاً مع العلامات الّتي تفهمها وتخاطبها بصدقٍ.
4. تعاون مع المؤثرين المناسبين
صحيحٌ أنّ العلامات الكبرى لطالما اعتمدت على المشاهير لجذب الانتباه، لكن في عالم اليوم، لم يعد الأمر يتطلّب ميزانيّاتٍ ضخمةً أو أسماءً عالميّةً، بل أصبح التّعاون مع المؤثّرين المناسبين داخل تخصّصك -حتّى وإن كانوا أصحاب متابعين محدودين- وسيلةً فعّالةً لبناء الوعي وتعزيز الثّقة.
على سبيل المثال، وأثناء بطولة كرة السّلة الجامعيّة، دخلت شركة "أور-آيدا" (Ore-Ida) -المعروفة بمنتجات البطاطا المجمّدة- في شراكةٍ ترويجيّةٍ مبتكرةٍ مع نجم فريق "جامعة بريغهام يونغ" (BYU)، ريتشي سوندرز، الّذي يُصادف أنّه الحفيد الأكبر لأحد مؤسّسي الشّركة. منح هذا التعاون العلامة التّجارية دفعةً إعلاميّةً قويّةً، وساهم في تنشيط المبيعات، رغم أنّ منتجاتها لم تكن تحظى عادةً باهتمامٍ كبيرٍ.
الخلاصة: لا تبحث فقط عن "المشهور"، بل عن "المؤثّر الحقيقيّ" في جمهورك.
5. اجعل خدمة العملاء ركيزة أساسيّة
إحدى أقوى الأساليب لبناء علامةٍ تّجاريّةٍ لا تنسى هي تقديم تجربةٍ استثنائيّةٍ لعملائك، خاصّةً في خدمة ما بعد البيع؛ فالعملاء الّذين يشعرون بالاهتمام والرّعاية، لا يعودون للشّراء فقط، بل يتحوّلون إلى سفراء حقيقيّين لعلامتك.
الخدمة الّتي تتفوّق عن التّوقّعات تدفع العملاء لترك تقييماتٍ إيجابيّةٍ على الإنترنت، أو التّوصية بعلامتك لأصدقائهم ومعارفهم، الّذين غالباً ما يكونون ضمن جمهورك المستهدف. أثبتت هذه التّوصيات أنّها أكثر تأثيراً من أيّ إعلانٍ أو حملةٍ مدفوعةٍ. وبرغم التّطوّر الرّقميّ الهائل، ما زال "الكلام المنقول" هو الطّريقة الأولى لاكتشاف النّاس لعلاماتٍ تجاريّةٍ جديدةٍ.
اعثر على جمهورك وتميّز
قد يكون الازدحام في السّوق محبطاً للوهلة الأولى، ولكن لا تدعه يثنيك عن السّعي للتّميّز؛ إذ إنّ استخدام الاستراتيجيّات السّابقة -من عرض البيع الفريد، إلى بناء هويّةٍ مميّزةٍ، والتّخصّص، والعمل مع المؤثّرين، وتقديم خدمة عملاء متميّزةٍ- يمكن أن تجعل علامتك تتألّق وسط المنافسة.
تذكّر دائماً أنّ التّميّز لا يعني أن تكون الوحيد، بل أن تكون المفضّل والأقرب إلى جمهورك. وكلّما عرفت كيف تلامس احتياجاتهم الحقيقيّة، وتقدّم لهم قيمةً حقيقيّةً، زادت فرصك في النّجاح طويل الأمد.
شاهد أيضاً: كيف تبني علامة تجارية مميزة للشركات الصغيرة؟