كيف تجعل موظفيك يفكرون ويتصرفون كأصحاب عمل؟
عندما يدرك الموظف تأثير أدائه على نجاح الشّركة، يزداد التزامه وإبداعه، ممّا يعزّز الإنتاجيّة والرّبحيّة

لنفرض أنّك تتواصل مع عملائك بانتظامٍ، كما ننصحك دائماً. هؤلاء العملاء هم من يحدّدون قيمة عملك، فهم يوضّحون لك ما يقدّرونه وما يبحثون عنه، وهذه المعلومات ليست مجرّد آراءٍ، بل هي حجر الأساس الّذي يبنى عليه نجاح أعمالك. ولكن لا يجب أن يقتصر الفهم العميق للجوانب الاقتصاديّة الخاصّة بشركتك عليك وحدك كقائدٍ أو مالكٍ للمؤسّسة، بل يجب أن يمتدّ ليشمل كلّ فردٍ داخل المنظّمة، من أصغر موظّفٍ إلى أعلى منصبٍ إداريٍّ.
لماذا يجب أن يفهم الموظفون الجوانب الاقتصادية؟
تعتمد الجوانب الاقتصادية في أيّ عملٍ على معادلةٍ واضحةٍ: ما يقدّره العملاء، مقابل التّكلفة الّتي تتحمّلها الشّركة لتقديم هذه القيمة. ولكن الجوانب الاقتصاديّة ليست مجرّد أرقامٍ جامدةٍ في التّقارير الماليّة، بل هي واقعٌ عمليٌّ يعايشه الموظّفون يوميّاً من خلال مهامّهم المختلفة، وإليك بعض الأمثلة:
- موظّفو مراكز الاتّصال: يركّزون على متوسّط زمن التّعامل ودرجات رضا العملاء لتقييم جودة الخدمة وسرعة الاستجابة.
- سائقو الشّاحنات: يقيسون نسبة التّسليم في الوقت المحدّد أو كفاءة استهلاك الوقود لتحسين أداء الخدمات اللّوجستيّة.
- موظّفو المطاعم: يتابعون وقت تناول الطّعام لإدارة كفاءة المطبخ وربحيّته.
- مطوّرو البرمجيّات: ينتبهون إلى عمليّات النّشر الخالية من الأخطاء لقياس جودة البرمجيّات وكفاءة الإصدار.
- الممرّضون: يراقبون معدّلات الأخطاء في الأدوية لضمان الكفاءة والسّلامة في رعاية المرضى.
- عمّال المخازن: يتابعون عدد الطّلبات المنجزة في السّاعة لتقييم الكفاءة والدّقّة.
عندما يفهم الموظفون كيف تؤثّر هذه المعايير التّشغيليّة على نجاح الشّركة، وكيف يساهمون بشكلٍ مباشرٍ في تحسينها، فإنّهم يصبحون أكثر حماساً للعمل بجدّيّةٍ وكفاءةٍ. لا يساعد هذا فقط في رفع مستوى الأداء، بل يخلق بيئة عملٍ يشعر فيها الجميع بأنّهم جزءٌ من نجاح الشّركة.
تحفيز الموظفين بمنحهم حصة في النجاح
بمجرّد أن يبدأ الموظفون في إدراك تأثيرهم المباشر على نتائج الشّركة، فإنّ تركيزهم سيتحوّل نحو تحسين الأداء بأفضل شكلٍ ممكنٍ. ولكن، كيف يُمكن تحقيق ذلك عمليّاً؟ يكمن الجواب في منحهم الإحساس بالمشاركة والملكيّة النّفسيّة.
تخيّل موظّفَين يعملون في نفس المجال، ولكن في شركتين مختلفتين:
- الموظّف الأوّل: يعمل في شركةٍ توفّر له فهماً واضحاً للجوانب الاقتصاديّة التّشغيليّة، فهو لا يحتاج إلى معرفة قراءة البيانات الماليّة، ولكنّه يفهم كيف يمكن للمعايير التّشغيليّة، مثل: عدد الوحدات المشحونة أن تؤثّر على الرّبحيّة. كلّ أسبوعٍ، يراقب هذه الأرقام، يتوقّعها، ويعمل على تحسينها. وعندما تتحسّن هذه الأرقام، فإنّه يستفيد من مكافأةٍ ماليّةٍ تعبّر عن جهوده.
- الموظّف الثّاني: يعمل في شركةٍ تقليديّةٍ حيث يقتصر دوره على تنفيذ التّعليمات ويتلقّى راتبه الشّهريّ. لا يعرف كيف تؤثّر وظيفته على الأداء العامّ للشّركة، وليس لديه أيّ ارتباطٍ نفسيٍّ بنجاحها أو فشلها.
أيّ من الموظفين سيؤدّي بشكلٍ أفضل؟ من الواضح أنّ الموظّف الأول لديه دافعٌ أكبر، وهذا ينعكس على أدائه وإنتاجيّته. عندما يشعر الموظفون بأنّ لهم حصّةً حقيقيّةً في نجاح الشركة، فإنّهم يصبحون أكثر التزاماً، وأكثر إبداعاً، وأكثر حرصاً على تحسين النّتائج.
أهمية تحديد مفهوم "الفوز" داخل الشركة
تلعب الشّفافيّة دوراً رئيسيّاً في تعزيز هذا الشّعور بالمشاركة. فعندما يعرف الموظفون بوضوحٍ ما يعنيه النّجاح بالنّسبة للشّركة، وما إذا كانوا يحقّقونه أم لا، يمكنهم اتّخاذ الإجراءات المناسبة للمساعدة في تحقيق الأهداف. ولكن، إذا كان الموظفون يعملون دون رؤيةٍ واضحةٍ للأهداف، أو دون أن يكون لديهم فهمٌ لكيفيّة تأثير أدائهم على النّتائج العامّة، فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى انخفاض الحماس وضعف الإنتاجيّة. لذلك، يجب أن تكون هناك معايير واضحةٌ للأداء، ومعايير يُستند إليها في تقييم النّجاح.
وفي دراسةٍ أُجريت بالتّعاون مع "كلّيّة هارفارد للأعمال" (Harvard Business School)، تمّ تحديد 5 عوامل رئيسيّةٍ تميّز الشّركات النّاجحة، أطلق عليها اسم التّفاعل الاقتصاديّ:
- تفاعل العملاء: العملاء هم من يحدّدون قيمة المنتج أو الخدمة، وبالتّالي هم الّذين يشكّلون حجر الأساس في أيّ عملٍ ناجحٍ.
- الفهم الاقتصاديّ: عندما يفهم جميع الموظّفين كيف تحقّق الشّركة أرباحها، فإنّهم يصبحون أكثر قدرةً على المساهمة في نجاحها.
- الشّفافيّة الاقتصاديّة: تمكين الموظفين من رؤية أداء الشّركة ومعرفة النّجاحات والإخفاقات.
- المكافآت الاقتصاديّة: مشاركة الموظّفين في الأرباح والمكافآت بناءً على الأداء.
- مشاركة الموظّفين: تقليل معدّات دوران الموظفين وتعزيز العلاقات بين الإدارة والعاملين.
الشّركات الّتي حصلت على درجاتٍ مرتفعةٍ في هذه العوامل الخمسة حقّقت نموّاً في الأرباح بمعدّل ضعف ما حقّقته الشّركات الأخرى، إذ يؤكّد هذا أنّ دمج الموظفين في النجاح المالي للشّركة يعزّز من أدائهم، ويزيد من ربحيّة المؤسّسة.
إذاً، يعزّز الفهم الاقتصاديّ الشّفافيّة، والعكس صحيحٌ. فعندما يدرك الموظفون كيف تحقّق الشّركة أرباحها، يصبح من الصّعب على الإدارة إخفاء أيّ معلوماتٍ مهمّةٍ تتعلّق بالأداء، وهذا لا يعني فقط أنّ الموظفين يصبحون أكثر اطّلاعاً، بل يعني أيضاً أنّهم يصبحون أكثر قدرةً على اقتراح حلولٍ إبداعيّةٍ ومساعدة الشّركة على مواجهة التّحدّيات.
الخلاصة: عندما يندمج الموظفون كشركاء في النّجاح، فإنّهم يتصرّفون كشركاء حقيقيّين، وعندما يحصلون على حصّةٍ من الإنجازات، فإنّهم يعملون بما يخدم مصلحتهم ومصلحة الشّركة على حدٍّ سواءٍ.
هذه ليست مجرّد نظريّاتٍ، بل استراتيجيّاتٌ مجرّبةٌ أثبت فعاليّتها في كبرى الشّركات، وإذا كُنت تريد زيادة ربحيّة شركتك وتحفيز موظّفيك، فابدأ بتطبيق هذه المبادئ: الشّفافيّة، والفهم الاقتصاديّ، والمشاركة الحقيقيّة في النّجاح.