تحديات النّمو السّريع: كيف تحافظ على انسجام فريقك وثقافتك؟
عندما يتضاعف حجم الفريق، هل يمكن لشركتك أن تحافظ على قيمها وأساسها الثّقافيّ؟
تخيّل أنّ شركتك النّاشئة تشهد نموّاً غير مسبوقٍ، حيث يتضاعف حجم الفريق سنويّاً، وتزداد الإنجازات يوماً بعد يومٍ. ولكن رغم النّجاحات المتتالية، قد تشعر أنّ هناك شيئاً ما بدأ يتغيّر؛ ذلك الحماس والانسجام الّذي جمع الفريق في البداية أصبحا مهدّدين بالتّلاشي مع توسيع الأعمال. النّجاح هنا، مثل سلاحٍ ذو حدّين؛ فمع توسيع الشّركة، تتوسّع التّحدّيات، وقد يؤثّر ذلك على جوهرها وثقافتها المؤسّسيّة.
فغالباً ما يجلب التّوسّع السّريع للشّركات فوائد ماديّةً، كتحقيق أرباحٍ أكبر وإبرام صفقاتٍ جديدةٍ، ولكنّه في الوقت ذاته قد يضع ضغطاً كبيراً على القيم الثّقافيّة الّتي تشكّل أساس الشّركة. حيث يلاحظ كثيرٌ من روّاد الأعمال أنّ الثّقافة الّتي شيّدوا عليها شركتهم قد بدأت تتراجع مع زيادة حجم الفريق وارتفاع وتيرة العمل.
إذ يبدأ النّموّ السّريع كفترةٍ مليئةٍ بالحماس، ولكنّه قد يتحوّل إلى معادلةٍ صعبةٍ؛ فالتّحكّم في العمليّات والحفاظ على وضوح التّواصل يصبحان أكثر تعقيداً مع انضمام موظّفين جددٍ وتزايد الاجتماعات المزدحمة بالمشاريع. لذا يصبح من السّهل أن يأخذ التركيز على المهامّ اليوميّة الأولويّة على حساب اللّحظات البسيطة التي تقرّب الفريق من بعضه، مثل جلسات الدّردشة غير الرّسميّة ونشاطات بناء الروابط بينهم.
لماذا الحفاظ على الثّقافة مهمٌّ جدّاً؟
نقضي جميعاً جزءاً كبيراً من حياتنا في العمل؛ وتشير الإحصاءات إلى أنّ البالغين يقضون حوالي 90,000 ساعةٍ في مسيرتهم المهنيّة. لذلك، فإنّ جعل بيئة العمل إيجابيّةً ومليئةً بالإحساس بالمجتمع والانتماء يساهم في تحسين جودة الحياة والرّضا المهنيّ. ومن هنا تأتي أهمّيّة المحافظة على الثّقافة المؤسّسيّة، حتّى مع تزايد حجم الفريق. وإليك بعض الاستراتيجيّات الّتي ساعدتنا في الحفاظ على هذه القيم، والّتي يمكنك تطبيقها أيضاً في شركتك.
التّركيز على الأسس الّتي قادتك للنّجاح
تبدو الثّقافة المؤسّسيّة شيئاً يظهر بشكلٍ طبيعيٍّ في الفرق الصّغيرة، ولكن هذا لا يعني أنّه يمكن إهمالها عند النّموّ. بالعكس، تحتاج إلى رعايةٍ خاصّةٍ في الفترات الّتي يتسارع فيها النّموّ. بدون التزامٍ واضحٍ بالحفاظ على الثّقافة خلال قفزات التّوسّع، قد يشعر الموظّفون بالانفصال وعدم الانتماء، وقد يتسبّب هذا في تراجع الأداء والإنتاجيّة.
وإحدى أهمّ النّصائح هي تخصيص وقتٍ للاحتفاء بالأشخاص الّذين كانوا جزءاً أساسيّاً من قصّة نجاح الشّركة. ويمكنك تحقيق ذلك بطرقٍ متعدّدةٍ، منها شكرهم بشكلٍ منتظمٍ في الاجتماعات، أو من خلال برامج تكريمٍ دوريّةٍ للموظّفين الّذين أبدوا ولاءً طويل الأمد. على سبيل المثال، قامت إحدى الشركات بإنشاء برنامج تحت اسم "الرّواد" لتكريم الموظّفين الّذين قضوا معها أكثر من 15 عاماً.
كما قامت بتنظّيم رحلةٍ سنويّةٍ مموّلةٍ بالكامل لمجموعةٍ من الموظّفين المتميّزين ضمن برنامجٍ معينٍ، حيث يسافرون إلى وجهاتٍ مميّزةٍ مثل هاواي وسانت لوسيا. حيث تذكّر هذه اللّفتات الكبيرة والصّغيرة الفريق بأنّهم جزءٌ أساسيٌّ من نجاح الشّركة، وتعزّز ولاءهم وشعورهم بالتّقدير.
تعزيز روح الاستقلاليّة وإعطاء الموظّفين حرّيّة اتّخاذ القرار
مع توسيع الشّركة، تظهر تحدّياتٌ جديدةٌ تتطلّب المزيد من الإدارة والتّنظيم. وهنا تأتي أهمّيّة قيم الشّركة؛ حيث يجب الالتزام بقيمٍ مثل التّعاون والمساءلة والأصالة والثّقة، مع التّركّيز دائماً على قيمة "الاستقلاليّة".
عندما تمنح الموظّفين القدرة على اتّخاذ القرارات دون تدخّلٍ بيروقراطيٍّ، خاصّةً من يعملون في الخطوط الأماميّة، تستطيع الشّركة تحقيق تقدّمٍ كبيرٍ. قد يكون من الصّعب ترك بعض المهامّ والقرارات للموظّفين، ولكن تذكّر أنّ ذلك يمنحهم الثّقة، ويشعل لديهم روح الابتكار. فعندما يشعرون بأنّهم خبراء في مهامّهم، سيكونون أكثر إبداعاً وابتكاراً، ممّا يعزّز من نجاح الشّركة.
طلب المزيد من التّغذية الرّاجعة لضمان الالتزام بالقيم
كيف يمكنك التّأكّد من أنّ ثقافة شركتك وقيمها لا تزال حاضرةً وفعّالةً؟ أحد الأساليب البسيطة هو إجراء لقاءاتٍ دوريّةٍ مع الإدارة لطرح أسئلةٍ تركّز على ثقافة العمل وكيفيّة تفاعل الفرق، بدلاً من التّركيز على الأمور التّشغيليّة اليوميّة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم استبياناتٍ شهريّةٍ للشّركة بأكملها لتشجيع الموظّفين على تقديم ملاحظاتهم وأفكارهم حول بيئة العمل. الأمر الذي يجعل الموظّفين أكثر راحةً في التّعبير عن آرائهم، ويمنح القائد فكرةً واضحةً عن حالة الفريق ومدى الالتزام بالقيم المؤسّسيّة.
وأخيراً، إنّ الحفاظ على ثقافة الشّركة خلال مراحل النّموّ السّريع ليس مهمّةً سهلةً، ولكنّه استثمارٌ في نجاح شركتك المستقبليّ.