سرُّ السعادة المهنية: كيف تخرج من دوامة العمل الروتيني؟
التّوازن بين الأهداف المهنيّة والسّعادة الشّخصيّة ليس مستحيلاً، لكنّه يتطلّب إعادة التّفكير في كيفيّة تعاملنا مع العمل والبحث عن معنى أعمق يتجاوز الأرقام والمهام
يُعتبر النّجاح في العمل أحد أهمّ الأهداف الّتي يسعى إليها الجميع، ولكن على الرّغم من السّعي المُستَمِرّ لتحقيق النّجاح المهنيّ، يظلّ الكثير من الأشخاص يُعانون من شعورٍ خفيٍّ بعدم الرّضا تجاه عملهم، حتى وإن كانوا يُحقّقون أهدافهُم الماليّةَ والمهنيَّة، فما السّبب وراء هذا الشُّعور؟ وما الحلُّ البسيط الّذي يُمكن أن يُغيّرَ نظرتك إلى عملك؟
الأعمال ليست فقط جداول ماليّة
غالباً ما نعتقد أنّ العملَ يقتصر على إدارة البيانات الماليّة، وإعداد التّقارير الدّوريّة، وتُوقّع الأرباح المستقبليّة، إذ نميل إلى التّعامل مع العمل من منظور الأرقام والنّتائج الملموسة، وبالرّغم من إدراكنا أنّ هذا ليس كلّ ما يتعلّق بالعمل، نجد أنفسنا نعود باستمرارٍ لنفس الأنشطة الرّوتينيَّة الّتي قد تفتقر إلى المتعة والتّحدي الحقيقيّ، فربما تكون من الّذين يشعرون بفراغٍ أو نقصٍ في حياتهم المهنيّة، حتّى لو كانوا يحقّقون نجاحاً ظاهريّاً.
الأعمال ليست مجرَّد بيع صفقاتٍ
هناك خطأٌ شائعٌ آخر يتمثَّل في الاعتقاد بأنَّ العمل كلَّه يدور حول إنجاز المهامّ التّقنيَّة، سواء كانت برمجةً، أو إعداد تقارير، أو عقد صفقاتٍ. في الواقع، الحياة المهنيَّة ليست عبارةً عن سلسلةٍ من المهامّ المُتكرّرة التي نؤدّيها على مدار اليوم، بل إنَّها أكثر من ذلك بكثيرٍ، وتحتاج إلى شغفٍ وإحساسٍ بالمعنى لكي نشعر بالسعادة والرّضا عن عملنا.
لماذا لا يُمكننا التَّفوُّق على الجميع بالعمل الشّاقّ فقط؟
من بين النّصائح الشّائعة الّتي نسمعها مراراً هي أنَّ النّجاحَ يعتمد على العمل الجادّ، فالعديد من الخطابات التَّحفيزيَّة تُؤكّد أنَّ السّر في التَّفوُّق على الآخرين هو أن تعملَ أكثر منهم، لكن الحقيقة هي أنَّ العملَ الشّاقَّ وحده ليس كافياً، إذ يُمكن أن تبذُلَ أقصى جهدك، وتُكرّس كلَّ وقتك وطاقتك، ولكن في النّهاية ستكتشف أنَّ هذا الطّريق ليس دائماً يُؤدّي إلى النّجاح أو السعادة.
الحياة ليست مجرَّد سباقٍ للتَّفوُّق على الآخرين في ساعات العمل، فكلُّ شخصٍ يواجه لحظات صعودٍ وهبوطٍ، وهناك العديد من العوامل الخارجة عن إرادتنا قد تُؤثّر على النّتائج. بالتالي، إذا كُنتَ تعتقد أنَّ الحلَّ يكمن فقط في العمل لساعاتٍ أطول من الآخرين، فستجدُ نفسك في دوَّامةٍ لا تنتهي من الإجهاد دون الحصول على النّتائج التي تأملُها.
إذن ما الحلّ؟ تخيَّل أنَّك تحاول ركوب ثورٍ هائجٍ، مهما كانت مهاراتك في السَّيطرة عليه، ستجدُ نفسك مرميّاً على الأرض في النّهاية. هذا التَّشبيه ينطبق تماماً على عالم الأعمال، كلَّما حاولت بذل المزيد من الجهد لتسلُّق سُلَّم النّجاح، زادت احتماليَّة أن تفقدَ توازنك وتسقُط. الحلّ ببساطةٍ هو أن تتوقَّفَ عن هذا النَّمط المُتسارِع من الحياة، وبدلاً من محاولة السَّيطرة الكاملة على كلّ شيءٍ، عليك أن تُفكّر بعمقٍ في ما يجعلُك حقّاً سعيداً وراضيّاً في عملك وحياتك.
شاهد أيضاً: العمل بدوام جزئي: التوازن بين الحياة المهنيّة والشخصيّة
الأرقام والحسابات ليست الإجابة لكلّ شيءٍ
هناك اعتقادٌ خاطئٌ آخر يسيطر على عقليَّة الكثيرين: "إذا حقَّقت النّجاح الماديّ، سأكون سعيداً"، ولكن السّعادة الحقيقيَّة ليست محصورةً في جداول الحسابات أو توقُّعات الأرباح، إذ يُمكن أن تُحقّق أعلى الأرباح، وتظلّ تشعر بالفراغ، فالنّجاح الحقيقيُّ يكمن في إيجاد التّوازن بين تحقيق الأهداف الماديَّة والشّخصيَّة.
يحتاج الإنسان إلى الشُّعور بالإنجاز الشّخصيّ، وبالعلاقة بين عمله وقيمه الشّخصيَّة، فقد تجد أنَّ نجاحك في مجال العمل لا ينعكس على حياتك الشّخصيَّة بالسّعادة والرّضا، وهنا تأتي الحاجة إلى مراجعة الأُسُس: لماذا تعمل؟ وما الذي يُحقّق لك السعادة في حياتكَ؟
استمتع بحياتك المهنيَّة والشّخصيَّة
أحد أهمّ الدُّروس الّتي يجب أن نتعلَّمها هو أنَّنا بحاجةٍ إلى الاستمتاع بحياتنا كما هي، إذ لا ينبغي أن نكونَ في سباقٍ دائمٍ نحو أهدافٍ ماديَّةٍ على حساب سعادتنا الشّخصيَّة. في كثيرٍ من الأحيان، يتطلَّب الأمر مخاطرةً وجرأةً لتغيير نمط الحياة أو تعديل مسار العمل، حتى نتمكَّن من العيش بطريقةٍ أكثر اتّزاناً وراحةً.
النّجاح ليس فقط في تحقيق الأهداف الماليَّة، بل في القُدرة على العيش بسعادةٍ والتمتُّع بما نقوم به، فإذا كُنتَ تجد نفسك غارقاً في الأعمال الرّوتينيَّة الّتي لا تُشعركَ بأيّ متعةٍ، فربَّما حان الوقت لتُعيدَ النَّظر في طريقة عملك وحياتك.
شاهد أيضاً: تعزيز القوة العقلية: طريقك نحو حياة أكثر رضا وأداء أفضل
عِش حياتك واستمتع بها
الحياة أقصر من أن نقضيها في الرّكض وراء الأهداف الماديَّة فقط. في نهاية اليوم، النّجاح لا يعني فقط المال أو المكانة، بل يعني أن تعيشَ حياتكَ بكُلّ ما فيها من تجارب ومُتعٍ، وأن تجدَ المعنى في كلّ ما تقوم به. لذلك، لا تخف من المخاطرة، واسعَ للاستمتاع بكُلّ لحظةٍ حتّى في مواجهة الصُّعوبات.