كيف تحسن استراتيجيّة "التمهّل" علاقة القائد بفريقه وأدائه؟
الفوائد طويلة الأجل تستحق الوقت المستثمَر
تختلف أساليب القيادة، وتتباين بين قائدٍ وآخر، إلّا أنّ أحد أكثر المبادئ الفعّالة، والّذي لا يحظى بالاهتمام الكافي هو "التمهُّل". قد يبدو لك المصطلح غريباً بعض الشيء، ولكنّ تبنّي هذا المبدأ يعدّ استراتيجيّةً رائدةً للقادة الّذين يرغبون في إحداث فرقٍ حقيقيٍّ في معنويّات فريقهم وأدائهم. ديفيد فينكل، الخبير الإداريّ وصاحب كتاب "التّوسع: سبعة مبادئ مثبتةٍ لتنمية أعمالك واستعادة حياتك" (Scale: Seven Proven Principles to Grow Your Business and Get Your Life Back) يؤكّد أنّ القادة الّذين يستثمرون الوقت في بناء علاقةٍ وثيقةٍ مع فرقهم يرون فوائد تتجاوز بكثيرٍ الجهد المبذول، بل تتحوّل القيادة عندهم إلى وسيلةٍ لتحقيق نجاحاتٍ مستدامةٍ وتقدّمٍ فعّالٍ.
التمهُّل مع الفريق لا يعني التضحية بالنّتائج؛ بل على العكس، يُؤدي إلى تفاعلٍ أقوى، واتخاذ قراراتٍ أفضل، وتنفيذٍ أسرع على المدى الطويل. فمن خلال تبني مبدأ "البطء أسرع"، يمكنك بناء الثقة، وتعزيز التّعاون، وخلق بيئة عمل إيجابية تُحفز على النجاح. إذ يتطلّب هذا النّهج من القائد أن يكون حاضراً بشكلٍ كاملٍ في كلّ تفاعلٍ، أن يستمع بتركيزٍ، وأن يظهر دعمه بوضوحٍ، ممّا يؤدي إلى تحقيق نتائج مذهلةٍ من خلال تقوية روح التّعاون والانتماء بين أعضاء الفريق. فعندما يشعر الموظّفون بالتّقدير والاحترام، يتضاعف لديهم الدّافع للنّجاح، وينعكس ذلك على أدائهم وجودة العمل ككلٍّ. فكيف تتمهّل وتعطي كل ذي حقٍّ حقّه؟
بالتركيز على الاجتماعات الفرديّة لبناء علاقاتٍ شخصيّةٍ متينةٍ
يمكن القول إنّ الاجتماعات الفرديّة المنتظمة تشكّل أساس العلاقة القويّة بين القائد وأعضاء فريقه. ومن خلال هذه اللّقاءات، يتاح للقائد التّعرّف على أعضاء الفريق على مستوى شخصيٍّ أعمق، ممّا يسمح له بفهم احتياجاتهم وأهدافهم وتحدّياتهم. فيعدّ هذا النّوع من الاجتماعات فرصةً مثاليّةً للموظّفين للتّعبير عن أفكارهم وآرائهم، وتلقّي التّوجيهات الّتي قد تساعدهم في تطوير مهاراتهم. عندما يشعر الأعضاء بأنّ القائد يستمع إليهم ويدعمهم، يصبح لديهم شعورٌ بالانتماء والمشاركة الفعّالة.
بالتّواجد الحقيقي
في الوقت الذي كثُرت فيه المشتّتات، كالهاتف والحاسوب، يجب على القائد أن يبذل جهداً إضافيّاً ليكون حاضراً بشكلٍ كاملٍ خلال التّفاعل مع الفريق. وهذا لا يعني مجرّد الوجود الجسديّ، بل يتطلّب منه أن يكون منخرطاً في المحادثة، مكرّساً كلّ تركيزه لمن يتحدّث معه. بهذا الأسلوب، يُشعر القائد الموظفون بأهمّيّتهم، ويُرسّخ لديهم الشّعور بأنّ ما يقولونه ذو قيمةٍ. فهذه البساطة في التّفاعل تخلق بيئةً مليئةً بالاحترام المتبادل والثّقة.
بطرح الأسئلة بدل تقديم الحلول
يعدّ هذا الأسلوب من أهمّ الأدوات الّتي يمكن أن يستخدمها القائد في تعزيز استقلاليّة الفريق وإثارة التّفكير النّقديّ لديهم. فبدل التّقديم الفوريّ للحلول لأيّ مشكلةٍ يواجهها الفريق، يطرح القائد أسئلةً تشجّع الأعضاء على التّفكير في المشكلة من منظورٍ جديدٍ. قد يسألهم عن أفكارهم وتصوّراتهم لحلّ المشكلة، ممّا يمنحهم فرصةً للتّفكير والنّقاش. فيعزّز هذا النّهج شعور الفريق بالمسؤوليّة والملكيّة، حيث يصبح كلّ فردٍ أكثر حرصاً على تنفيذ الحلول الّتي ساهم في ابتكارها.
بالاحتفاء بالإنجازات الصّغيرة
يمكن أن يمرّ القائد على الإنجازات الصّغيرة دون اعتبارٍ، غير أنّ الاحتفاء بهذه النّجاحات الصّغيرة يحمل تأثيراً نفسيّاً إيجابيّاً كبيراً على الفريق. حيث إنّ تخصيص وقتٍ للاعتراف بالجهود المتواضعة يعزّز من معنويّات الأفراد، ويزيد من تقديرهم لأدوارهم داخل الفريق. فيذكّر هذا التّكريم المتواصل الأعضاء بأنّ كلّ خطوةٍ تحرز، مهما كانت بسيطةً، تعتبر خطوةً نحو الهدف الأكبر.
ما فوائد استراتيجيّة "التمهُّل" على المدى الطّويل؟
رغم أنّ التمهُّل مع الفريق قد يبدو وكأنّه يستغرق وقتاً أطول على المدى القصير، إلّا أنّ الفوائد طويلة الأمد تفوق الاستثمار الأولي في الوقت:
- تعزيز الروح المعنويّة للفريق: فعندما يشعر الموظّفون بأنّهم مقدّرون ومسموعون، يرتفع لديهم مستوى الرّضا عن العمل، ممّا ينعكس على أدائهم، ويزيد من إنتاجيّتهم. تصبح المعنويّات العالية جزءاً أساسيّاً من ثقافة الفريق، حيث يتعاون الجميع على تحقيق أهدافٍ مشتركةٍ بحماسٍ متجدّدٍ وولاءٍ أكبر.
- تقليل معدّلات الاستقالات: وعادةً ما يكون الموظّفون الّذين يشعرون بالتّقدير والدّعم أقلّ عرضةً لترك المؤسّسة بحثاً عن فرصٍ أخرى. إنّ سعي القائد في رفاهية الفريق وتلبية احتياجاتهم يجعلهم يشعرون بأنّهم جزءٌ من أسرة عملٍ، ممّا يعزّز من رغبتهم في الاستمرّار، ويقلّل من التّكاليف المرتبطة بتعيين موظّفين جددٍ وتدريبهم.
- تنفيذٌ أسرع للمشاريع وأداءٌ أكثر سلاسةً: عندما يبنى أساسٌ قويٌّ من الثّقة والتّفاهم داخل الفريق، يسير العمل بشكلٍ أكثر انسيابيّةً وسرعةً. يمكن تقليل الحاجة إلى التّوجيه المستمرّ، حيث يصبح الأعضاء قادرين على اتّخاذ القرارات والتّعامل مع التّحدّيات بشكلٍ مستقلٍّ وأكثر كفاءةً، ممّا ينعكس على سرعة إنجاز المشاريع وتحقيق الأهداف.
- بناء بيئة عملٍ إيجابيّةٍ وشاملةٍ: فالقائد الّذي يتبنّى التمهُّل كنهج عملٍ أساسيٍّ، يخلق بيئة عملٍ إيجابيّةً يشعر فيها الموظّفون بالرّاحة والاحترام المتبادل، ويشعرون بحرّيّة التّعبير عن آرائهم وأفكارهم دون تردّدٍ. إذ تشجّع هذه البيئة على الابتكار والإبداع، وتجعل من المؤسّسة مكاناً يحتذى به، حيث يشارك الجميع في بناء نجاحها.
تخصيص الوقت لفريقك لا يعني فقدان الحافز، بل هو استثمارٌ في تحقيق النّجاح طويل الأمد. من خلال الاهتمام بتعزيز العلاقات والثّقة داخل الفريق، يستطيع القائد أن يحدث تحوّلاً جوهريّاً في أداء الفريق وثقافة العمل. لذا، اعتمد مبدأ "التمهُّل" كنهجٍ قياديٍّ، وسترى كيف تتحوّل علاقتك بفريقك إلى شراكةٍ ناجحةٍ، تؤدّي إلى تحقيق نجاحٍ مستدامٍ ينعكس على المؤسّسة بأسرها.