كيف تُحقّق نجاحاً استثنائياً بتجنّب العمل الشاق؟
إذا كنتَ تسعى لتحقيق النجاح بأيّ شكلٍ من الأشكال، تذكّر أن العمل الدؤوب لا يقاس بعدد الساعات بل بكمية الإنجاز.
لا يوجد سرٌ كبيرٌ حول كيفيّة تحقيق النّجاح في الحياة، فاسأل أيّ شخصٍ من أصحاب الإنجازات الكبيرة عمّا تطلَّبه الأمر للوصول إلى هناك، وسيخبرك أنّ الإجابةَ هي العمل الجادّ (إذا كنت بحاجةٍ إلى الإقناع، فالإنترنت مليءٌ بالاقتباسات التي تدعمُ ذلك). ولكن، المشكلة غالباً هي في عدم معرفة ما تحتاج إلى القيام به لتحقيق أهدافكَ الكبيرة، إذ إنّها الدّافع لمواصلة القيام بما تعرف أنّه يجب عليكَ القيام به، فقد تتوقّف عن الذّهاب إلى صالة الألعاب الرّياضية قبل أن تشاهدَ التّغييرات في جسمكَ، أو قد تستسلم قبل أن تكتسبَ فكرتكَ الرّياديّة زخماً، أو قد تفقدُ الحماس قبل أن تكتبَ الفصل الأوّل من كتابكَ.
ومثلما ألقى أكثر من مليون مشهورٍ خطاباتٍ تحفيزيّة حول أهمّية العمل الجادّ، قدّم أكثر من مليون من المؤثّرين وخبراء الإنتاجيّة وأصحاب الإنجازات العالية نصائح حول كيفيّة الاستمرار في العمل طالما كان ذلك ضروريّاً لتحقيق النّجاح. وعلى الرّغم من أن الكثيرَ من هذه النّصائح ممتازة، إلّا أنّ النّصيحة التي صادفتها والتي تحتوي على أعلى نسبةٍ من الكلمات هي اقتباسٌ من حلقةٍ حديثةٍ من بودكاست آدم غرانت Adam Grant's ReThinking. إذ تستضيف الحلقة المدير التنفيذي لشركة بيلوتون روبن أرزون، الذي يقدّم أفضل نصائحه حول كيفيّة تجنّب الإرهاق مع السّعي لتحقيق نجاحٍ كبيرٍ.
الكثافة ليست هي الكمية
في مناقشةٍ حول كيفيّة حماية أرزون لطاقته، تطرّق غرانت إلى مسألة ثقافة الاجتهاد التي يمارسها الكثيرُ من النّاس اليوم، إذ قال: "أعتقدُ أنّ ما يُخطئ فيه الكثير من النّاس عندما يقارنون ثقافة الاجتهاد بالعناية الذّاتيّة: الكثافة ليست كالكمّ، فعندما نسمع الأيقونات الطّموحة والنّاجحة في مختلف المجالات تتحدّث عن الحاجة إلى العمل الشّاق، نفترض تلقائيّاً أنّ العملَ الشّاق يعني ساعاتٍ من الجهد. وبالطّبع، هذا ليس خطأ، فمهما كانت المهارة، فإنّ الأمرَ يتطلّبُ الكثير من الممارسة والجهد لإتقانها (على الرّغم من أنّها قد لا تتطلّب 10 آلاف ساعةٍ كما يعتقدُ البعض).
الكثافة تتفوق على الكمية
ولكن كما يوضّح غرانت، لا يجبُ أن يشيرَ العملُ الشّاق بالضّرورة إلى ساعات العمل، بل يمكن أن يُشيرَ أيضاً إلى كثافته، إذ تكشفُ نظرةٌ أعمق إلى كيفيّة تنظيم العديد من أصحاب الأداء العالي لجهودهم عن تركيزهم على تعظيم جهودهم. على سبيل المثال، قام نيلز فان ديربول، البطل الأولمبيّ في التّزلج السّريع، بتحليل عاداته التّدريبية بالتّفصيل، وأكّد على أهمّية دمج الرّاحة الكافية والرّعاية الذّاتيّة في روتينه حتّى يتمكّن من العمل بأقصى شدّةٍ عندما يكون على الجليد.
ومن خلال تخصيص يومين كاملين في الأسبوع ليكون شخصاً عاديّاً وقضاء بعض الوقت مع أحبائه، يقول: "قد أصبحت أكثر راحةً مع فكرة الخسارة، ونتيجةً لذلك، أجد التّزلج السّريع أكثر استرخاءً ومتعةً". كما جعله ذلك أكثر إصراراً على العمل الجادّ، حيث لم يكن التّدريب ملاذاً أخيراً، بل كان خياراً طوعيّاً وكان على استعدادٍ لتحمّله.
ويزعم المؤلّف بيل هايز في كتابه "In Sweat" الذي يوثّق تاريخ التّمارين الرّياضيّة، أنّ دفعات الشّدة المستمرّة تفوق عبء العمل المسبّب للإرهاق، وهذا ما أكّده العديد من الرّياضيين النّخبة. كما حدّد أحد المبادئ السّتة التي يقوم عليها الأداء الرّياضيّ على المدى الطّويل، ألا وهو: مبدأ الرّاحة، إذ إنّ إتاحة الوقت لإعادة الشّحن على المدى القصير يسمح للأشخاص بمواصلة أنشطتهم دون إرهاقٍ وتحقيق نتائج أكبر على المدى الطّويل.
إسقاط المبدأ نفسه على الأعمال الأخرى
ما ينطبقُ على العمل البدنيّ ينطبق أيضاً على التّحديات الفكريّة، فوفقاً لبحثٍ أجرته "روزابيث موس كانتر" وزملاؤها في جامعة هارفارد، يكمن مفتاح السّعادة في العمل بالانخراط في مهامٍ صعبةٍ وذات مغزى. وبعبارةٍ أخرى، إنّ كثافة العمل هي مفتاح النّجاح. ومع ذلك، يُظهر عددٌ من الدّراسات أيضاً أنّ ساعات العمل الطّويلة تؤدّي في الواقع إلى انخفاض الإنتاجيّة الإجماليّة.
لم تظهر فكرة العمل لمدّة 40 ساعة في الأسبوع من باب العطف على العمّال، ولكن لأنّ البيانات أظهرت أنّ العملَ بعد هذا الحدّ لا يؤدّي في الواقع إلى مزيدٍ من النّتائج بسبب الإرهاق والأخطاء. وسواء في الرّياضة أو العمل، يُمكن للنّاس أن يتحمّلوا جهداً للحظاتٍ ثم يتعافوا بعد ذلك، وهذا أفضل من العمل لفتراتٍ طويلةٍ، كما يُمكن أن يؤدّي ترك مساحةٍ للرّاحة والرّعاية الذّاتيّة إلى تحقيق المزيد من النّتائج على المدى الطّويل.
إذا كنتَ تسعى لتحقيق النجاح بأيّ شكلٍ من الأشكال، تذكّر كلمات غرانت، كن حذراً في تعريفك لكلماتٍ مثل "العمل الجادّ" و"الجهد". لم يقل أحدٌ أنّ تحقيقَ الأشياء العظيمة أمرٌ سهلٌ أو سريعٌ، فهو ليس كذلك. ولكن إذا كنتَ تعتقدُ أنّ العملَ الدّؤوب يعني التّركيز وبذل ساعات عملٍ غير مستدامةٍ، فأنتَ بذلك تُهيّئ نفسكَ للفشل، كما يقول أرزون ردّاً على تعليقات جرانت: "يتطلّب الجهد الدّؤوب الثّقةَ في تحديد شكل السّلم وتعريفكَ للنّجاح، كما يتضمّن تعريفي للنّجاح ممارسة الرّعاية الذّاتيّة، فأنا أُعيد تعريف الاجتهاد، وهو أمرٌ يجب أن نقوم به جميعاً."