الفوضى الرقمية: كيف تتغلب عليها لتحقيق التوازن والإنتاجية؟
استراتيجياتٌ تُمكّن المؤسسات من التغلب على الفوضى الرقمية والتحوّل نحو بيئة عملٍ أكثر ذكاءً وفعاليّةً
بقلم ريبيكا هيندز Rebecca Hinds، معالجة مؤسساتية ورائدة أعمال
على مدى العقد الماضي، كان عالم الشَّركات مهووساً بالسَّعي وراء التحولات الرقمية، ولكن الآن، وسط فوضى التَّطبيقات والإشعارات الرَّقمية المستمرَّة، أصبح الأمر واضحاً بشكلٍ مؤلمٍ: لقد كنَّا مخدوعين، فقد أصبحت أماكن عملنا أدغالاً كثيفةً من الفوضى الرَّقميَّة، ممّا يترك العمّال في حالةٍ من الإنهاك والإرهاق. [1]
لقد حان الوقت لنجتاز الفوضى ونتخلَّص منها، ولحسن الحظ، من خلال تحليل جذور حالة الإرهاق الرَّقميّ الجماعيَّة لدينا، يمكننا رسم مسارٍ لاستعادة عقلانيّتنا وسيطرتنا، ممّا يمهِّد الطَّريق لتحوّلٍ أكثر ذكاءً.
إغراء "المزيد"
في أيَّة مرحلةٍ ضلّلنا الطَّريق؟ لقد كانت زلتُنا علاقةَ حبٍّ مع "الإضافة"، وقامت ليدي كلوتز Leidy Klotz من جامعة فيرجينيا بدراسة هذا الإدمان على الإضافة على نطاقٍ واسعٍ -المزيد من التَّطبيقات، والمزيد من الأدوات، والمزيد من الأشياء، ولقد تركنا هذا نخوض في مستنقعٍ رقميٍّ، ووفقاً لبحثنا الأخير من مختبر ابتكار العمل Work Innovation Lab التَّابع لشركة Asana، يقع العاملون في فخِّ شلل اتِّخاذ القرار، ويهدرون 30 دقيقةٍ يوميَّاً فقط في اختيار الأداة المناسبة من مجموعة الأدوات الرَّقميَّة الفائضة.
لقد حان الوقت للتَّخلُّص من قواعد التَّحوِّل الرَّقميّ التي عفا عليها الزَّمن من أجل تحوِّلٍ أكثر فطنةً وذكاءً، وأنت بحاجةٍ إلى مساعدة مؤسَّستك على استئصال الفوضى الرَّقميَّة جراحيَّاً، وابدأ بمراجعةٍ لا ترحم لمجموعة أدواتك الرَّقميَّة، وتعقَّب ما هو متكرّرٌ وزائدٌ عن الحاجة وقم بإلغائه، وتخلَّص من الأدوات الرَّقميَّة غير المستعملة، وألقِ بالأدوات التي تعيق الإنتاجيَّة بدلاً من تعزيزها في سلَّة المهملات، وبعد ذلك، ركِّز على الأنظمة التي تربط الفِرق والمهام والمشاريع والأهداف التَّنظيميَّة الأوسع، ويضع هذا التَّحوُّل الاستراتيجيِّ الأساس لازدهار الذكاء الاصطناعي، ممّا يُحسِّن عملك دون إغراق أيامك في وضعٍ رقميٍّ كارثيٍّ مليءٍ بالمعلومات الخاطئة والهلوسة.
شاهد أيضاً: الإدمان على وسائط التواصل الاجتماعي يهدّد الصّحة النفسية للشباب العربي
خطر الأدوات المفرطة في التخصص
إنَّ ميلنا إلى التَّحميل الزَّائد للأدوات المخصَّصة لاحتياجات فريقٍ معينةٍ، قد تركنا ننجرف أكثر في بحرٍ من الحلول المنفردة، فقد اختارت وظائف مختلفة -مثل المبيعات والتَّسويق والعمليَّات- أدواتٍ بشكلٍ منفصلٍ وبميزانيَّاتٍ مختلفةٍ، ممّا أدَّى إلى بيئة عملٍ رقميَّةٍ أكثر تعقيداً ممّا ينبغي، ويبدو الأمر كما لو كنَّا في بوفيه، نكدِّس الطَّعام في أطباقنا من كلِّ الخيارات المتاحة، فقط لندركَ أنَّنا لا نستطيع تناول كلَّ هذا الطَّعام، أو حتَّى الاستمتاع به كلَّه، والمفارقة كبيرةٌ هنا: إذ إنَّنا في سعينا لتحقيق الوفرة الرَّقميَّة، ونحن في الواقع نتضوَّر جوعاً للبساطة والوضوح، وتوصّلت أحدث أبحاثنا إلى أنَّ 74% من العاملين يتوقون إلى مزيدٍ من التَّوحيد القياسي، ومشيرين إلى أنَّهم يفضِّلون أن يستخدمَ كلُّ شخصٍ في مكان عملهم نفس مجموعة الأدوات.
الحاجة إلى المعرفة الرقمية
في العالم الماديّ، كلُّ أداةٍ تأتي مع دليلٍ لاستخدامها، وفي العالم الرَّقميّ؟ أنت لوحدك، ولقد تسبَّبت المؤسَّسات بأن تتقطَّع السُّبل بموظَّفيها في برّيَّةٍ رقميَّةٍ دون بوصلةٍ، ممّا أدَّى إلى عدم الكفاءة والإحباط، ولقد ترك العديد منهم موظَّفيهم ليتدبَّروا أمرهم بأنفسهم، ويكتشفوا كيفيَّة استخدام الأدوات الرَّقميَّة المعقَّدة من خلال التَّجربة والخطأ، دون وجود دليلٍ واضحٍ حول الأداة التي تناسب المهمَّة بشكلٍ أفضل.
يتطلَّب سدَّ هذه الفجوة إعادة تقييم علاقتنا بالأدوات الرَّقميَّة والتَّدريب، وبينما ندمج المزيد من أدوات الذكاء الاصطناعي في سير العمل لدينا، تصبح المعرفة الرَّقميَّة مفتاحاً حاسماً للتَّحوِّل الذَّكي، وهذا يعني تعليم الموظَّفين متى يستخدمون الأدوات وكيفيّة استخدامها بفعاليَّةٍ، مثل: فهم كيفيَّة تجنُّب استخدام الأدوات غير المتزامنة بشكلٍ متزامنٍ، ومعرفة متى يجب تشغيل وضع "عدم الإزعاج"، وتعلَّم كيفيَّة التَّدقيق في المخرجات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي.
شاهد أيضاً: ستصبح آلة إبداعية مع هذه الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي
اليأس الرقمي
وكانت أخطر عواقب التَّحوِّلات الرَّقميَّة غير الذَّكيَّة هي العجز المكتسب الذي غرسته في العاملين، وكشفت دراسة "تنقيَّة التَّعاون" التي أجريناها بالتَّعاون مع البروفيسور في جامعة ستانفورد بوب ساتون Bob Sutton، وأستاذ جامعة سانتا باربرا في كاليفورنيا بول ليوناردي Paul Leonardi، وفيديريكو توريتي Federico Torreti من خدمة أمازون ويب، عن حقيقةٍ صارخةٍ: لقد تقدَّم الموظَّفون من مجرَّد الإحباط بسبب الأدوات الرَّقميَّة غير الفعَّالة إلى شعورٍ ساحقٍ باليأس، وعندما سُمح لهم بالتَّوقُّف والتَّأمُّل، أدركوا مدى تشابكهم في شبكة الأدوات الرَّقميَّة الإلزاميَّة، كما أدركوا أنَّ محاولاتهم المنفردة لتبسيط أدواتهم كانت في كثيرٍ من الحالات عديمة الجدوى، ولقد أرادوا أن يلعب قادتُهم دوراً أكثر فعاليَّةٍ في التَّدخُّل وتوجيه التَّغيير الهادف.
دعوة إلى اتّخاذ إجراءٍ
إنَّ الرِّحلة نحو التَّحوُّل الذَّكيّ هي مسعى جماعيٍّ يتطلَّب الالتزام من كلِّ ركنٍ من أركان مؤسَّستك، مع وجود مدراء أنظمة المعلومات (CIO) على رأس القيادة، ولم يعد مدراء أنظمة المعلومات مجرَّد مشرفين تقنيّين، فهُم الآن مهندسو المستقبل حيث تتغلَّب التُّكنولوجيا على الفوضى، وتنسج اتّصالاتٍ متعدِّدة الوظائف، وتضع الأساس لمعرفةٍ رقميَّةٍ معتمدةٍ على الذكاء الاصطناعي، إذ في عصر التَّحوِّل هذا، يعدُّ مدير أنظمة المعلومات هو العامل المحفِّز، بحيث يتحدَّانا ليس فقط لإعادة النَّظر في كيفيّة استخدامنا للتُّكنولوجيا، ولكن أيضاً في كيفيَّة السَّماح للتُّكنولوجيا بإعادة تعريف نسيج الحمض النَّووي التَّنظيميّ لدينا.