عندما يصبح عملك هويتك: كيف تستعيد التّوازن؟
العمل شغف، لكنّه لا يجب أن يستهلك كلّ ملامحك، بل أن يكون جزءاً من قصّة أكبر
بدء مشروعٍ تجاريٍّ مغامرةٌ طموحةٌ ملئيّةٌ بالحماس والإصرار وإحساسٍ عميقٍ بالهدف. ومع ذلك، من السّهل أن يتحوّل عملك إلى أكثر من مجرّد وظيفةٍ؛ فقد يصبح جزءاً من هويّتك الشّخصيّة. وبينما يُعتبر الشّغف محرّكاً أساسيّاً للنّموّ، فإنّ التّعلّق المفرط بمشروعك قد يخلق تحدّياتٍ كبيرةً. وفيما يلي نظرةٌ فاحصةٌ على المخاطر المترتّبة على جعل العمل جزءاً أساسيّاً من هويّتك وكيفيّة استعادة التّوازن الصّحيح بين حياتك الشّخصيّة والمهنيّة.
الحدّ الفاصل بين الشّغف والارتباط المفرط بالهويّة
يضع صاحب العمل قلبه وروحه في مشروعه، ممّا يجعله غالباً مصدراً للفخر. ويمكّن أن يكون هذا الشّعور بالامتلاك مفيداً، إذ يحفّز صاحبه على العمل بجدّيّةٍ أكبر، ومواجهة التّحدّيات، وبناء علاقاتٍ مستدامةٍ مع العملاء. ومع ذلك، يوجد خطٌّ رفيعٌ بين الشّغف والارتباط الكامل بالهويّة.
وعند بدء تقييم القيمة الشّخصيّة فقط من خلال نجاح العمل، يصبح شعور الفرد بذاته هشّاً، ومعرّضاً للتّقلّبات بناءً على صعودٍ وهبوطٍ في دورة حياة العمل. يؤدّي هذا الارتباط المفرط إلى الإرهاق وفقدان الشّعور بالذّات، ويولّد شعوراً بأنّ القيمة الشّخصيّة مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بأداء العمل.
التّأثير على العلاقات الشّخصيّة
يؤثّر النّظر إلى العمل كهويّةٍ شخصيّةٍ وحيدةٍ بشكلٍ عميقٍ على العلاقات الشّخصيّة. قد يشعر الأصدقاء والعائلة بالإهمال عندما توجّه وقتك وطاقتك نحو العمل. لتجد أنّ العمل يهيمن على محادثاتك وأفكارك حتّى خارج ساعات العمل. ومع مرور الوقت، يؤدّي هذا التّحوّل إلى تآكل أساس العلاقات الشّخصيّة، ممّا يجعل من الصّعب التّواصل بشكلٍ هادفٍ مع من يهمّهم أمرك. بينما يعدّ التّوازن بين العمل والحياة تحدّياً شائعاً للعديد من أصحاب العمال، قد يجعل العبء الإضافيّ المرتبط بهويّة العمل هذه التّضحيات أكثر تأثيراً على المستوى الشّخصيّ، وربّما أكثر ضرراً.
فقدان التّركيز على الأهداف الشخصية
مع نموّ عملك، قد يؤدّي التّشويق الّذي تشعر به عند تحقيق الكثير من الإنجازات إلى خلق رؤيةٍ ضيّقة الأفق تطمس الخطّ الفاصل بين الإنجازات المهنيّة والإنجاز الشّخصيّ. وقد تبدأ في التّضحية بالهوايات والطّموحات الشّخصيّة وغيرها من الهوايات الّتي كانت تحدّد هويّتك ذات يومٍ. ومن الشّائع أن يقول روّاد الأعمال لأنفسهم إنّهم سيعودون إلى أهدافهم الشّخصيّة "بمجرّد أن تستقرّ الأمور". ولكن في الشّركات الصّغيرة، نادراً ما يحدث هذا.
قد يجعلك تشعر هذا التّأجيل بالانفصال عن حياتك الشّخصيّة خارج العمل، مع عدم الشّعور بالإنجاز خارج نموّ عملك. ونتيجةً لذلك، عندما تواجه أيّ وقتٍ فراغٍ شخصيٍّ، قد تجد صعوبةً في الاسترخاء أو الشّعور بالرّضا الحقيقيّ..
ارجع خطو إلى الوراء وتنفّس
ليس بالأمر السّهل الاعتراف بأنّ عملك قد استحوذ على حياتك. ومع ذلك، يعدّ التّعرّف على علامات التّحذير الخطوة الأولى للاستعادة التّوازن. إذا شعرت بالتّوتّر بسبب انتكاساتٍ بسيطةٍ، أو وجدت صعوبةً في المشاركة في محادثاتٍ غير متعلّقةٍ بالعمل، أو لم تستطع الشعور بالفرح خارج العمل، فقد حان الوقت للتّراجع خطوةً إلى وراء.
يمكن أن يساعدك التّأمّل على استعادة ذاتك، فكّر فيما دفعك في البداية لبدء عملك والأهداف الحياتيّة الأوسع الّتي كنت تسعى لتحقيقها إلى جانبه. إذ يمكن أن يساعدك إعادة التّوافق مع هذه الطّموحات في تذكير نفسك بأنّك لست معروفاً فقط من خلال دورك المهنيّ.
كما يعدّ إنشاء حدودٍ صحّيّةٍ بين عملك وهويّتك الشّخصيّة أمراً ضروريّاً. إذ يساعد تنوّع هويّتك في تقليل التّوتّر المرتبط بريادة الأعمال ويمنع الإرهاق. عد إلى هواياتك، تواصل مع الأصدقاء والعائلة، دون أن يهيمن عليك الحديث عن العمل، وشارك في الأنشطة الّتي كانت تجلب لك الفرح في الماضي.
بأخذ وقتٍ بعيداً عن عملك، لا تحمي صحّتك النّفسيّة والعقليّة فقط، بل تجلب أيضاً آفاقاً جديدةً للعمل. ومع مرور الوقت، يمكن لهذا النّهج أن يثري حياتك ومشروعك، ممّا يضمن أن يظلّ عملك جزءاً من هويّتك بدلاً من أن يكون كلّ هويّتك.
وأخيراً، تحقيق التّوازن هو رحلةٌ مستمرّةٌ. من خلال التّعرّف على علامات الارتباط المفرط بالهويّة واتّخاذ خطواتٍ متعمّدةٍ، يمكنك حماية شعورك بالذّات وضمان الاستدامة لعملك.
شاهد أيضاً: الأنا: توازن الشخصية بين الذات والواقع