تجارب الفقدان: كيف تتعامل مع الحزن من منظور العلم؟
دروس من علم الأعصاب لاستخدام التعاطف في التغلب على الألم
عندما نفقدُ شخصاً أو حيواناً أو ممتلكاتٍ، يتأثّر جوهرنا بشكلٍ دائمٍ، ويتردّد صداه في أرواحنا ويطبع ذكرى الخسارة في ذاكرتنا العميقة إلى الأبد. ومع ذلك، فإنّ تجربة الفقدان شخصيّةٌ للغاية وفريدةٌ من نوعها لكلّ فردٍ.
قد تكشف التّطورات الحديثة في علم الأعصاب لغز كيفيّة معالجة أدمغتنا للحزن وتلقي الضّوء على تنوّع التّجارب التي يمرّ بها النّاس في الحداد. وبفضل هذه الرّؤية، يُمكننا أن نقدّم المزيد من التعاطف مع الزّملاء والأصدقاء والعائلة وحتّى الغرباء أثناء سيرهم في مختلف مراحل الحزن. والأهم من ذلك، يُمكن أن يمنحنا هذا الوعي، الإذن والتّعاطف لنطلبَ لأنفسنا الدّعم والموارد التي نحتاجها للتّعامل مع حزننا.
عندما لا نستطيع تجاوز الأمر
لماذا يستطيعُ بعض الأشخاص تجاوز حزنهم بسرعةٍ، بينما يُعاني آخرون؟ قد نميلُ إلى الحكم على كيفيّة مرور الأفراد بتجربة الحزن، لكن هذا قد يؤدّي إلى تصدّعاتٍ داخل العائلات وانهيار الصّداقات. وبدلاً من ذلك، يجب أن ننظرَ إلى كيفيّة ارتباط الحزن ارتباطاً وثيقاً بالمواد الكيميائيّة والمسارات العصبيّة في الدّماغ.
تصف ماري فرانسيس أوكونور، الأستاذة المساعدة في جامعة أريزونا، الحزن بأنه شكلٌ من أشكال التّعلّم الذي يبقى معنا إلى الأبد. ويمكن أن يساعدنا فهم هذا الارتباط على فهمٍ أفضل للعمليّات الدّاخلية للعقل خلال فترة الفقدان. كما يساعدنا هذا الفهم في التّخلي عن الأحكام، على سبيل المثال، إنّ الأشخاص المختلفين في نفس العائلة يحزنون بطرقٍ مختلفةٍ عندما يفقدون والديهم. وتصف إليزابيث كوبلر روس عمليّة الحزن في نموذجٍ من خمس مراحل: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول. ومع ذلك، أظهرت دراساتٌ أخرى أنّ الحزن ليس نمطاً خطّياً، ويمكن أن يشملَ الحنين إلى الماضي والخدر العاطفيّ واليأس.
الترابط ثلاثي الأبعاد
طوال حياتنا، نكوّن روابط مع الأشخاص والحيوانات والممتلكات، ممّا يخلق العديد من الاتّصالات والتّرابطات العصبيّة في الدّماغ. وتتأثّر هذه الشّبكة من البنى العصبيّة بالحزن. ويصنّف علماء الأعصاب هذه الرّوابط على ثلاثة أبعاد: المكان والزّمان وعمق الاتّصال. ويحتفظ دماغك بخريطةٍ للمكان الذي يوجد فيه الشّخص أو الحيوان أو الممتلكات التي فقدتها جسديّاً، كذلك متى رأيت أو تحدّثت آخر مرّةٍ مع المفقود، ومدى شعورك بالولع اتّجاهه.
قد تفسّر قوّة هذه الرّوابط عبر أبعادٍ مثل المكان والزمان وعمق الاتصال، سبب شعورك ببعض الخسائر بشكلٍ أعمق من غيرها. على سبيل المثال، إذا كان آخر اتّصال لك مع زوجك (عمق الاتصال) في اللّيلة السّابقة لوفاته أثناء نومه (الزّمان) وكان نائماً بجوارك (المكان)، فقد تؤدّي فجائيّة الحدث إلى ما يُسمّى بالحزن المعقّد؛ لأنّ الحزن يتداخل مع الأداء الطّبيعيّ للشّخص.
يُمكن لهذا الارتباط العاطفي، بالإضافة إلى النّاقلات العصبيّة المحدّدة الموجودة في الدّماغ قبل حدوث الحزن، مثل الدوبامين والكورتيزول، أن يغير بشكلٍ كبيرٍ الاستجابة للحزن عندما تكون مستويات التّوتر موجودةً أيضاً. وقد تفسّر هذه الدّيناميكيّة سبب معاناة مقدّمي الرّعاية الذين يدركون احتمال وفاة أحد أحبائهم، فيسارعون لمعالجة حزنهم. ويمكن أن يؤثّر الإجهاد النّاجم عن الرّعاية الطّبية على مستويات الكورتيزول الموجودة في وقت وفاة شخصٍ عزيزٍ، ممّا قد يُؤثّر على قدرة الفرد على التّحكم في الأفكار والعواطف أثناء عمليّة الحداد، ولا توفّر رؤية شخصٍ ما في ذروة حزنه نظرةً ثاقبةً لما كان يُفكّر فيه وقت الفقدان؛ لذلك يجب تجنّب الحكم على سرعة حزن شخصٍ آخر.
يساعد التّعامل مع الحزن من منظور التّعلم على إدراك دور الدّماغ والجسم في هذه العمليّة. في الواقع، غالباً ما يوصي الأطباء وعلماء النّفس بالعديد من العلاجات لمساعدة الأشخاص على معالجة الخسارة في سياق المكان والزمان. وغالباً ما تلعبُ هذه العلاجات دوراً مهمّاً في مساعدة الشّخص الحزين على دمج الخسارة في الذّات الجديدة؛ لذا في المرّة القادمة التي تشكّك فيها في قدرة شخصٍ ما على التّخلص من حزنه بسرعةٍ، أو ربّما ليس بالسّرعة الكافية، تذكّر أن طريقَ الشّفاء مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بأدمغتنا.