حين تعجز عن التفوّق بميزانيّتك، تفوّق بغرابتك!
الهويّة المميّزة تُبرز العلامات التّجارية وسط المنافسين
في عالمٍ يتّسم بالمنافسة الشّديدة والابتكار المتسارع، لم يعد النّجاح مرهوناً فقط بقدرة الشّركات على الإنفاق الكبير في الإعلان أو التّسويق، بل أصبحت الأصالة والتّفرّد في العلامة التّجاريّة هما العاملان الأساسيّان للتّميّز. هذه هي الرّسالة الّتي قدّمها كريج دوبيتسكي، المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "هابي" (Happy) للقهوة، وجين زيزوت، المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "جودلز" (Goodles) للمعكرونة والجبن المعلّبة، في حديثهما خلال مؤتمر "Inc. 5000" في بالم ديزرت، كاليفورنيا.
في عصرنا الحاضر، حيث تغمر الأسواق منتجاتٌ متشابهةٌ، يقف السّؤال: هل نحن بحاجةٍ حقّاً إلى المزيد من العلامات التّجاريّة للقهوة أو المعكرونة؟ الجواب قد يكون بالنّفي، ولكنّ هذا لم يمنع دوبيتسكي وزيزوت من دخول السّوق والتّنافس بقوّةٍ مع العلامات التّجاريّة التّقليديّة ذات الإنفاق الضّخم. ما يميّزهم عن غيرهم ليس الإنفاق الكبير، بل التّركيز على ما يسمّيانه "الغرابة والمرح".
فيقول زيزوت: "نحن لا نستطيع التّفوّق على منافسينا من حيث الميزانيّة، لذا نتميّز عنهم بالغرابة". هذا النّهج الّذي يركّز على إدخال لمسةٍ من المرح والغرابة في كلّ تفصيلةٍ من العلامة التّجاريّة يعدّ سلاحاً قويّاً لجذب الانتباه في سوقٍ مشبعٍ بالمنتجات المألوفة. إنّ هذه الاستراتيجيّة ليست مجرّد وسيلةٍ للتّسلية، بل طريقةٌ فعّالةٌ لجذب العملاء الّذين يبحثون عن شيءٍ مميّزٍ.
ومن خلال طرح سؤالٍ بسيطٍ على الحاضرين، "ما هو الشّيء الغريب الّذي يميّزكم؟"، أوضح زيزوت أنّ سرّ النّجاح يكمن في الأصالة. أيّ يجب على العلامات التّجاريّة أن تكون جريئةً ومختلفةً، وأن تعتمد على ما يجعلها فريدةً من نوعها، مع الحفاظ على هذه الهويّة بصدقٍ ودون تزييفٍ. فهذا النّهج، كما يقول زيزوت، يمكنه أن يجعل أيّ شركةٍ تبرز من بين الآخرين.
أما بالنّسبة لشركة "جودلز"، لم يقتصر الابتكار على مجرّد تطوير منتجٍ صحّيٍّ، بل كان يشمل أيضاً التّفكير في كيفيّة تقديم المنتج بطريقةٍ غير تقليديّةٍ. فبدلاً من استخدام التّغليف النّموذجيّ للأطعمة الصّحّيّة (البنّيّ أو الأخضر)، قامت الشّركة بتصميم صناديق ملوّنةٍ وجذّابةٍ أشبه بصفحةٍ من كتابٍ هزليٍّ. حتّى في المناسبات، مثل يوم كذبة أبريل، تجدّد الشّركة نفسها من خلال تقديم نكهاتٍ بأسماءٍ غريبةٍ، ممّا ساعدها على رفع المبيعات بنسبة 20٪ في هذا اليوم.
على صعيدٍ آخر، اتّبعت شركة "هابي" نهجاً مختلفاً في تقديم منتجات القهوة، حيث قرّرت عدم ذكر كلمة "قهوةٍ" على تغليف المنتج، في محاولةٍ لجذب انتباه المستهلك بطرقٍ غير تقليديّةٍ. كما ركّزت الشّركة على تقديم تغليفٍ بسيطٍ قابلٍ للإعادة والاستخدام، ممّا يساهم في تعزيز استدامة البيئة وجذب انتباه العملاء الّذين يهتمّون بالقضايا البيئيّة.
وعلى الرغم من كلّ هذا التّجديد والغرابة، يشدّد دوبيتسكي على أهمّيّة الصّدق في كلّ خطوةٍ. فالعملاء اليوم يمتلكون "حاسّةً لكشف الكذب"، ويمكنهم التّمييز بسهولةٍ بين العلامات التّجاريّة الّتي تتصرّف بصدقٍ، وتلك الّتي تحاول فقط التّلاعب بالمشاعر. لذلك، يرى دوبيتسكي أنّ النّجاح لا يتوقّف على استراتيجيّات التّسويق فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى منتجٍ قويٍّ وأساسيّات عملٍ سليمةٍ تدعمه.
العمل الجادّ والدّقّة في التّفاصيل
في نهاية المطاف، النّجاح في عالم الأعمال لا يتعلّق فقط بالأفكار الغريبة أو التّسويق الإبداعيّ، بل يجب أن يكون المنتج نفسه قويّاً، ويستند إلى أساسيّاتٍ صلبةٍ. كما ينصح دوبيتسكي روّاد الأعمال بعدم الانشغال بالتّفاصيل الصّغيرة إن لم يكن لديهم القدرة على تنفيذ الفكرة بجودةٍ عاليةٍ ودقّةٍ.
باختصارٍ، تميّز العلامة التّجاريّة اليوم لا يعتمد على الإنفاق الكبير أو الحملات الدّعائيّة الضّخمة، بل على القدرة على تقديم شيءٍ فريدٍ وأصيلٍ يعبّر عن هويّة العلامة بصدقٍ. فالشّركات الّتي تجرؤ على أن تكون مختلفةً، وتمزج بين الغرابة والجودة، يمكنها أن تبرز في الأسواق المزدحمة، وتجذب انتباه المستهلكين بطريقةٍ تجعلهم يعودون مراراً وتكراراً.