كيف تختار المستثمر المناسب لنجاح مشروعك؟
لا تبدأ بعرض فكرتك قبل أن تدرك قيمتك الحقيقيّة وتجد المستثمر الذي يشاركك الشّغف والهدف؛ لأنّ الرّحلة تحتاج إلى شريكٍ يؤمن بك بقدر إيمانك بفكرتك

لن أنسى أبداً اليوم الّذي جاءني فيه صديقٌ قديمٌ ليقدّم عرض شراكةٍ. حين كان سلوكه غامضاً وسريّاً، حيث أخبرني أنّ اكتشاف فكرةٍ تتعلّق بمنتجٍ من المتوقّع أن يحدث ثورةً في صناعةٍ معيّنةٍ. لكنّه أضاف أنّه إذا أردت معرفة التّفاصيل، يجب عليّ توقيع اتّفاقيّة عدم إفشاءٍ (NDA).
شرحتُ له بأدبٍ أنّ الأمور لا تعمل بهذه الطّريقة. ربّما كان يملك فكرته من النّاحية النّظريّة، لكن كان أمامه الكثير من العمل قبل أن يفكّر أيّ مستثمرٍ في الالتزام بالسّريّة نيابةً عنه. بعد أن أدرك صحّة حجّتي، وافق أخيراً وشاركني بعض التّفاصيل، الّتي زادت الوضع تعقيداً. على سبيل المثال، كان يحتاج إلى توظيف مهندسٍ لتحويل فكرته إلى منتجٍ عمليٍّ، ومصنعٍ لإنتاج نموذجٍ أوّليٍّ. وكان عليه أن يثبت بشكلٍ مقنعٍ وجود طلبٍ غير مُلبّى في السّوق، وأن هناك مشكلةً لم يحلّها بعد. والأهمّ من ذٰلك، كان يجب أن يبرهن أنّه الشّخص المناسب لتغيير العالم.
منذ تلك اللّحظة الّتي قدّم لي فيها عرضاً عفويّاً، أصبحت الرّئيس التّنفيذيّ بدوامٍ كاملٍ لشركةٍ كبيرةٍ تنمو بسرعةٍ، بالإضافة إلى كوني مستثمراً جادّاً. بمعنىٰ آخر، أصبحت لديّ خبرةٌ واسعةٌ في كلا الجانبين من العمليّة، فقد كنت في السّابق الشّخص الّذي يقدّم العروض، واليوم أصبحت الشّخص الّذي يستمع إليها. وإذا كان عليّ تلخيص المبدأين الأساسيّين الّذين يجب أن يفهمهما كلّ شخصٍ يسعى لجذب استثمارٍ قبل أن يبدأ رحلة جمع الأموال الطّويلة والشّاقّة، فسيكونان كالتّالي:
1. اكتشف من أنت حقّاً
بصفتي مستثمراً، ألتقي كثيراً بشبابٍ وشابّاتٍ ذوي أفكارٍ مبدعةٍ ولامعةٍ، أجد العديد منهم يشعرون بالدّهشة عندما يكتشفون أنّني مهتمٌّ بما هم عليه بقدر اهتمامي بما يحاولون بيعه، فهم غالباً ما يظنّون أنّ الفكرة هي الأهمّ، لكنّ في الحقيقة، من المهمّ بالنّسبة لي أن أعرف من هو الشّخص الّذي يقف وراء هذه الفكرة.
غالباً ما أطلب منهم أن يكشفوا عن أنفسهم بصدقٍ، وأن يكونوا عرضةً للضّعف أمامي، فأسألهم: ما أسوأ شيءٍ مرّوا به في حياتهم؟ ما هي أكبر التّحدّيات الّتي واجهوها والّتي شكّلت شخصيّاتهم؟ تساعدني هذه الأسئلة على فهم الشّخصيّة الّتي تقف وراء الفكرة. كما أسألهم أيضاً: ما الّذي يدفعهم للاستيقاظ في الصّباح كلّ يومٍ؟ ما هو الدّافع الدّاخليّ الّذي جعلهم يواصلون العمل على فكرتهم؟ كيف يصفون القوّة الّتي تجعلهم مستمرّين رغم التّحدّيات؟
قد تكون القدرة على إخبار المستثمر من أنت شخصيّاً أهمّ من الفكرة الّتي تعرضها، إذ لا يقتصر اهتمام المستثمرين على الفكرة وحدها. بل إنّك، كفردٍ، لا يمكن فصل نفسك عن تلك الفكرة، إذ إنّك تروّج لنفسك بقدر ما تروّج لمنتجك أو مشروعك. في النّهاية، لا يشتري المستثمر فقط فكرةً، بل يشتري الشّخص الّذي يقف وراء هذه الفكرة، ويريد أن يعرف إذا كنت أنت الشّخص القادر على تحقيق النّجاح.
2. اكتشف من هو مستثمرك
يجب أن تصدّق ما يلي ليس فقط لأنّه صحيحٌ، ولكنّ لأنّه سيؤتي ثماره طالما أنّك تؤمن به حقّاً: عندما تجد المستثمر المناسب، سيكون محظوظاً بوجودك كما أنّك محظوظٌ بوجوده. ولكن هذا التّوجه لن يتحقّق إلّا إذا بحثت جيّداً قبل اختيار المستثمر، فأنت لست فقط في حاجةٍ إلى شخصٍ لديه المال، أنت في حاجةٍ إلى مستثمرٍ يتناسب معك ومع رؤيتك.
من المهمّ أن تقوم بأبحاثٍ دقيقةٍ عن المستثمرين المحتملين: هل هناك فجوةٌ في محفظة هذا المستثمر يمكن أن تملأها فكرتك أو مشروعك؟ هل دعموا من قبل مشاريع مماثلةً لما تقترحه؟ هذه أسئلةٌ أساسيّةٌ يجب أن تطرحها قبل التّقدّم لهم.
تخيّل الأمر كما لو كان موعداً، وهو بالطّبع ليس طريقاً باتّجاهٍ واحدٍ، فلا تكتف بسؤال نفسك إذا كانوا يريدون الاستثمار فيك، بل سِل نفسك أيضاً إذا كنت أنت ترغب في التّعاون معهم، فهل يشعرون بالحماس لعملك؟ هل لديهم القيم والرّؤية الّتي تتماشى مع قيمك؟ هذا سيحدّد ما إذا كانت العلاقة بينكما ستكون مثمرةً على المدى الطّويل.
إذا انتهت بك الأمور إلى بناء شركةٍ تستحقّ مليار دولارٍ، فاعلم أنّ الضّمان الوحيد لك هو أنّك ستخوض تجارب صعبةً جدّاً في الطّريق. بغضّ النّظر عن مدى ذكائك أو موهبتك، ستواجه تحدّياتٍ عظيمةً، ولن تكون هذه التّحدّيات مرّةً أو مرّتين، بل عشراتٍ من المرّات، كما ستواجه لحظاتٍ تشعر فيها أنّ كلّ شيءٍ ينهار حولك، وأنّه من المستحيل الاستمرار في الطّريق. كذلك، ستجد نفسك أمام عقباتٍ تبدو غير قابلةٍ للتّجاوز، حتّى أنّ النّاس من حولك، الّذين لا يملكون الحماس والدّافع نفسه الّذي لديك، سيرونك مجنوناً لمحاولتك الاستمرار، وقد يظهر لك الطّريق مستحيلاً في كثيرٍ من الأحيان.
لكن إذا أتقنت المبدأين السّابقين –معرفة من أنت حقّاً ومعرفة من هو المستثمر الّذي تحتاجه– فإنّ ذلك سيمنحك الشّجاعة الّتي تحتاجها لتجاوز هذه العقبات. في تلك اللّحظات الصّعبة، ستكون على يقينٍ أنّك الشّخص المناسب لهذا التّحدّي، وأنّك ولدت لتكون هنا. كما ستعلم أنّ مستثمرك هو الشّخص المناسب لدعمك في هذه الرّحلة، وأنّك لست وحيداً في هذا السّعي، مثل: فرودو وسام في "سيد الخواتم" الّذين كانا يكافحان معاً صعوداً إلى جبل الدوم، ستكون أنت ومستثمرك فريقاً واحداً، يعمل كلّ منكما على المساهمة في تحقيق الهدف المشترك.
شاهد أيضاً: أفضل 3 طرق لجذب المستثمرين والحصول على التمويل