كيف تساعد الفوضى في تنمية مهارات القيادة لدى الأطفال؟
البيئات الفوضوية تُعزّز روح الابتكار لدى الأطفال، وتساعدهم في اكتساب مهارات القيادة
بقلم نيك هوبسون Nick Hobson، المدير الإداري في أمريكا الشمالية لـ Influence At Work وهي شركة استشارية في العلم السلوكي
يقول نيل ديغراس تايسون Neil deGrasse Tyson: "الأطفال مصدرٌ للفوضى والشّغب، تقبّلوا هذه الحقيقة". كوالدٍ لطفلين صغيرين، أستطيع أن أشهد أنّه لم يقل أحدٌ شيئاً أصدق من ذلك، منزلي في حالةٍ دائمةٍ من التّراجع في النّظام، وأيّ محاولةٍ لزرع النّظام والتّحكم تقابل بجدرانٍ مرسومةٍ بالألوان وصلصة الباستا على الأرض، وهو أمرٌ مألوفٌ ومتوقّعٌ. [1]
إنّه ما أحبّ أن أسميه "قاعدة الفوضى"، مفهومٌ قد يكون مكوّناً سريّاً في تربية الأطفال المتوجّهين نحو أدوارٍ قياديّةٍ ناجحةٍ. تتجاوز رؤى تايسون حدود التّربية التّقليدية، مقدمةً مقارنةً مقنعةً مع القيادة الفعّالة في عالم الأعمال.
تدور قاعدة الفوضى حول فكرةٍ بسيطةٍ ولكنّها عميقةٌ: يزدهر الأطفال في بيئاتٍ لا تسمح فقط بوجود درجةٍ معيّنةٍ من الفوضى، بل تشّجع عليها أيضاً. لا تتعلق هذه الفوضى بالإهمال أو نقص التّنظيم، بل تتعلّق بمنح مساحةٍ للتّجربة والاستكشاف. يؤكد تايسون أنّ الأطفال بحاجةٍ إلى التّفاعل مع محيطهم، وارتكاب الأخطاء، والتّعلّم منها، دون الظلّ المستبدّ لتحكّم الكبار.
لماذا تعتبر الفوضى مهمّةً في نمو الطفل
في مقابلاته، أبرز تايسون كيف تعدّ البيئة الفوضويّة أرضاً خصبةً للإبداع والابتكار؛ عندما يكون للأطفال حريّة الاستكشاف، يتعلّمون التّكيف، وحلّ المشكلات، والتّفكير النّقديّ؛ وهي مهارات أساسيّةٌ للقيادة. إذ من خلال السّماح للأطفال باللّعب بعناصر بيئتهم، لا نقوم فقط بتسليتهم؛ بل نقوم بتعليمهم عن قوانين الطّبيعة والفيزياء، في كثيرٍ من الأحيان دون أن يدركوا ذلك.
التّحدي الذي يواجه الآباء، إذاً، هو تحقيق توازنٍ بين هذه الفوضى والسّلامة والتّوجيه، إنّها تتعلق بخلق نظامٍ يتمكّن فيه الأطفال من دفع وتوسيع حدودهم دون مواجهة مخاطر غير ضرورية. هذه الفوضى المدروسة هي أداة قويّة لتطوير أفرادٍ مستقلّين وواثقين لا يخافون من الاستفسار والتّحديّ والابتكار.
شاهد أيضاً: كيف تكون قائداً ناجحاً؟ إليك طرق مبتكرة لتحقيق ذلك
من الملاعب إلى قاعات الاجتماعات
يمكن للقادة الحاليين أن يتعلّموا من قاعدة الفوضى من خلال تعزيز بيئاتٍ، حيث لا يسمح فقط بالتّجربة والإبداع ولكن يحتفى بها أيضاً، تماماً كما يستفيد الأطفال من التّجربة داخل ملعبٍ فوضويٍّ، يمكن للموظفين الازدهار في مكان عملٍ يقدّر الاستقلاليّة والتّفكير الابتكاريّ بحريّةٍ من دون عواقب سلبيّةً.
في عالم الأعمال، كما في التّربية، هناك خطٌ رفيعٌ بين الفوضى الإنتاجيّة والانفلات. المفتاح هو إنشاء هيكلٍ يدعم النّمو والتّعلم، دون إخماد الدّيناميكية الطّبيعيّة لروح الإنسان، القادة الذين يتقنون هذا التّوازن يمكنهم بناء فرقٍ مرنةٍ ومتكيّفةٍ وجاهزةٍ للنّجاح.
توفّر آراء نيل ديغراس تايسون حول التّربية ونموّ الأطفال منظوراً جديداً حول القيادة، من خلال تشجيع الاستكشاف وتقبّل درجةٍ من الفوضى، يمكنّنا تربية جيلٍ من القادة الذين يكونون مجهّزين للإبحار عبر تعقيدات عالمنا المتغيّر باستمرارٍ. إذ يتماشى هذا النّهج مع الإدراك المتزايد بأنّ المهارات النّاعمة -مثل: القدرة على التّكيف، وحلّ المشكلات بطرقٍ إبداعيّةٍ، والذّكاء العاطفيّ- لها نفس أهميّة الخبرة التّقنيّة في أدوار القيادة في عصرنا الحاليّ.