كيف تبني مرونة أطفالك وتحسّن صحتهم العاطفية؟
أظهرت الأبحاث أنّ الطّريقة الّتي تتعامل بها مع ألم أطفالك تمنحهم القدرة على التّغلب على التّحديات في المستقبل
تتطلّب تربية الأطفال -ليكون لديهم مرونةٌ وصحّةٌ عاطفيّةٌ- استجابةً متأنيّةً ومدروسةً لآلامهم وأمراضهم، إذ تُشير الأبحاث إلى أنّ الطّريقة الّتي يتفاعل بها الأهل مع آلام أطفالهم تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على قدرتهم على الصّمود في مواجهة تحديّات الحياة في المستقبل.
في أحد المقالات المنشورة في مجلة .Inc، كتب بيل مورفي عن نقطةٍ مهمةٍ في حياة الوالدين: "عندما تتجاوز تطلّعات الأهل لأبنائهم طموحاتهم الشخصيّة، يشعر الكثير منهم بالتّوازن في حياتهم عندما يرون أطفالهم يكبرون بسعادةٍ واستقلاليّةٍ ونجاحٍ. لهذا السّبب، من المهمّ أن يفكّر الأهل في الطّرق الّتي يمكنهم بها دعم الصّحّة العاطفيّة لأطفالهم".
تأثير التجارب الشخصيّة على التّربيّة
من واقع تجربتي الشّخصيّة، أذكر حادثةً حدثت لي عندما كنت في الثانيّة عشرة من عمري، كنت أركب الخيل مع جدي، وانزلقت عن السّرج، فوجدت نفسي تحت الحصان. بدلاً من الإسراع لمساعدتي، اكتفى جدّي بقول: "كلّما طالت مدّة استلقائك هناك، استغرق الأمر وقتاً أطول للإمساك بحصانك". وبالمثل، حين سقطت عن سلمٍ أثناء طلاء المرآب، كانت والدتي تُراقبني من النّافذة وقالت ببساطة: "لقد هبطت على العشب. أنت بخير". كان الهدف من تلك الرّدود تعزيز قدرتي على التّحمّل.
على الرّغم من أنّ تلك المواقف علّمتني الصّمود في وجه المصاعب، إلّا أنّني اليوم أدرك أنّ هناك نهجاً أفضل، فوفقاً لدراسةٍ نُشرت في "مجلة الألم" (The Journal of pain)، فإنّ التّعاطف مع آلام الأطفال والاستجابة لها بطريقةٍ مدروسةٍ تجعلهم أكثر قدرةً على تحمّل الألم في المستقبل، وهذا يتناقض مع النّهج التّقليديّ الّذي يُستهين بالألم بهدف تقوية الطفل.
قيمة الاعتراف بالألم
تُشير الأبحاث إلى أنّ الأطفال الّذين يعترف الأهل بآلامهم يكونون أقلَّ عرضةً للشّعور بالقلق، ويعانون من ألمٍ أقلّ مقارنةً بالأطفال الّذين تُقلّل أهميّة آلامهم أو يتمّ تجاهلها، فعندما تقول للطّفل: "أعلم أنّ الألم يؤلمك"، فإنّك تُساعده على الشّعور بأنّه مفهومٌ، وهذا يُعزّز صحّته العاطفيّة، ويُقلّل من شعوره بالرّفض أو التّجاهل.
كما أظهرت الدّراسات أنّ مشاعر الألم ليست محض فيزيائيّةٍ، بل إنّها تتأثّر بالبيئة والمواقف المحيطة. على سبيل المثال، قد تؤدّي نفس الإصابة إلى مستوياتٍ مختلفةٍ من الألم بناءً على ما إذا كان الطّفل يشعر بالدّعم أو التّجاهل من الآخرين. ومن الضّروري أيضاً أن يكون الوالدان صادقين مع أطفالهم فيما يتعلّق بالتّحديّات. وفي دراسةٍ نُشرت في المجلة الأمريكيّة للتّغذية السّريريّة وجدت أنّ وضوح الأهل حول الصّعوبات المحتملة يُساعد الطّفل على المثابرة وتطوير قدرةٍ أعلى على ضبط النفس، فبدلاً من تقديم وعودٍ غير واقعيّةٍ بأنّ الأمور ستكون سهلةً، يجب تحضير الطّفل للواقع الصّعب، ممّا يجعله أكثر استعداداً للتّعامل مع العقبات.
عندما يُقال للشّخص إنّ فقدان الوزن أو أيّ هدفٍ آخر سيكون صعباً، سيتعامل مع التّحديات بواقعيّةٍ أكبر، وبالتّالي يكون لديه القدرة على الاستمرار رغم الصّعوبات. وفي التّربية، ينطبق الأمر نفسه: يجب أن يكون الأهل داعمين ولكن صريحين، ممّا يُساعد الطّفل على فهم أنّ الإخفاقات ليست عوائق دائمةً، بل هي جزءٌ من رحلة النّموّ.
في النّهاية، فإنّ تعزيز قدرة الأطفال على الصّمود والتّعامل مع الألم لا يتطلّب تجاهل مشاعرهم، بل يتطلّب الاعتراف بتلك المشاعر والتّعاطف معها، فالطّفل الّذي يشعر بالدّعم والتّفهم من أهله سيكون أكثر قدرةً على مواجهة تحديّات الحياة بنجاحٍ، كما أنَّ تربية طفلٍ يتمتّع بالمرونة العاطفيّة ليست فقط مفيدةً له في المستقبل، بل تساهم أيضاً في تعزيز شعور الوالدين بالنّجاح في دورهم التّربوي، فالأمر لا يتعلّق بجعل الأطفال أكثر صلابةً فقط، بل بتعزيز قدرتهم على التّعامل مع الصّعوبات بتوازنٍ ومرونةٍ.