كيف تقول "لا" للرئيس التنفيذي بطريقة دبلوماسية وفعّالة؟
احترامُ السلطة والخضوعُ لتوجيهاتِها جزءٌ من الثقافةِ العامة، لكن في بيئةِ العملِ الاحترافية، من الضّروريِّ تجاوزُ هذا النهجِ الأبويّ واعتمادُ طريقةٍ أكثر توازناً في التّعاملِ مع الرّؤساء التنفيذيين
في عالمِ الشّركاتِ اليوم، يُنظرُ إلى الرئيسِ التنفيذيِّ باعتبارهِ القائد الأعلى الذي يتّخذُ القراراتِ الحاسمة، ويوجّهُ السفينة نحو النّجاح. ولكن، كما يُقالُ، "يدٌ واحدةٌ لا تُصفِّقُ". فالرّئيسُ التنفيذيُّ، مهما كانت خبرتُهُ واسعةً ورؤيتُهُ ثاقبةً، يحتاجُ إلى آراءٍ متباينةٍ ووجهاتِ نظرٍ متعدّدةٍ لضمانِ أنّ القراراتِ تُتخّذُ بناءً على رؤيةٍ شاملةٍ.
إلّا أنّ الواقع يشيرُ إلى أنّ العديد من الموظفين، خاصةً أولئك الذين يعملون تحت ضغطٍ مباشرٍ من الرئيسِ التنفيذيِّ، يشعرون بواجبِ تنفيذِ كلِّ ما يقولُهُ الرئيسُ دون تفكيرٍ أو ترددٍ. هذا النوعُ من الانصياعِ التلقائيِّ قد يؤدي في بعض الأحيانِ إلى تنفيذِ قراراتٍ غيرِ مدروسةٍ بشكلٍ كافٍ، ممّا قد يؤثّرُ سلباً على مسارِ الشركةِ.
التغلبُ على العاداتِ البشرية
لطالما اعتُبِر احترامُ السلطةِ والخضوعُ لتوجيهاتِها جزءاً من الثقافةِ العامةِ، حيثُ يُتوقّعُ من الجميعِ الالتزامُ بتوجيهاتِ القيادةِ دون نقاشٍ. لكن في بيئةِ العملِ الاحترافيةِ، من الضّروريِّ تجاوزُ هذا النهجِ الأبويِّ واعتمادُ طريقةٍ أكثر توازناً في التّعاملِ مع الرّؤساءِ التنفيذيين.
في واقعِ الأمرِ، يشغلُ الرئيسُ التنفيذيُّ منصباً يتطلّبُ منهُ اتخاذ قراراتٍ سريعةٍ وحاسمةٍ. وهذا الأمرُ غالباً ما يدفعُهُ إلى تبنّي أسلوبِ تواصلٍ مباشرٍ وغيرِ معقّدٍ. لكنّ هذا الأسلوب، وإن كان فعّالاً في بعض الأحيانِ، قد يؤدّي إلى خلقِ بيئةِ عملٍ مشحونةٍ بالضغوطِ والمخاوفِ بين الموظفين. إنّ تلقّي بريدٍ إلكترونيٍّ أو رسالةٍ على Slack من الرئيسِ التّنفيذيِّ يمكنُ أن يكون تجربةً مقلقةً لأيِّ موظفٍ، حيثُ يُثيرُ هذا الاتصالُ شعوراً بالحاجةِ الملحّةِ إلى الاستجابةِ الفوريةِ، بغضِّ النظرِ عن جدوى الفكرةِ المطروحةِ.
لكن من المهمِّ أن نتذكّر أنّ دور الرئيسِ التنفيذيِّ هو التّفويضُ، أي توزيعُ المهامِ على الأفرادِ المناسبين. إذا تلقّى الرئيسُ التنفيذيُّ بريداً إلكترونياً يتعلّقُ بحدثٍ ما أو شراكةٍ محتملةٍ، فعليهِ أن يحيلهُ إلى المديرِ أو الموظفِ الأنسبِ. هؤلاءِ الأشخاصُ يكونون أكثر درايةً بتفاصيلِ العملِ اليوميِّ لكلِّ قسمٍ، ممّا يعني أنّ فكرة الرّئيسِ التنفيذيِّ قد لا تتماشى دائماً مع الخطةِ المدروسةِ التي وضعها الفريقُ بناءً على استراتيجياتٍ محكمةٍ.
فنُّ الإدارةِ للأعلى
قولُ "لا" لأيِّ شخصٍ في موقعِ سلطةٍ، خاصةً الرئيسِ التنفيذيِّ، قد يبدو أمراً صعباً، بل وحتى محفوفاً بالمخاطرِ. ومع ذلك، فإنّ القدرة على قولِ "لا" في الوقتِ المناسبِ وبالطّريقةِ المناسبةِ تعدُّ مهارةً ضروريّةً لأيِّ محترفٍ يرغبُ في تحقيقِ النجاحِ في مسيرتهِ المهنيةِ. لا تدع متلازمة الدّجالِ تقنعك بأنّك لست مؤهلاً لإبداءِ رأيك. تذكّر أنّك الخبيرُ في مجالِك، وأنّ رأيك ليس فقط مسموحاً به، بل هو مطلوبٌ.
التركيزُ على الحلولِ بدلاً من المشكلاتِ
الرّؤساءُ التنفيذيون غالباً ما يقدّرون وجهاتِ النظرِ المختلفةِ والنّقد البناء الذي يساعدُ في تحسينِ أفكارهم. لذلك، عندما تجدُ نفسك في موقفٍ يستدعي قول "لا" للرّئيسِ التنفيذيِّ، حاول أن تقدّم بدائل وحلولاً بنّاءةً بدلاً من مجردِ الرّفضِ. هذا النّهجُ يعززُ بيئة عملٍ تعاونيّةً، ويضمنُ أنّ القراراتِ تُتّخذُ بناءً على تحليلٍ متأنٍّ ووجهاتِ نظرٍ متنوعةٍ.
لا تتردّد في تأجيلِ الأفكار
من الطبيعيِّ أن يكون لديك أولوياتٌ تحدّدُ مسار عملك، ولا يمكنُ دائماً الاستجابةُ لكلِّ فكرةٍ جديدةٍ على الفورِ. لذلك، لا تتردّد في قولِ "لاحقاً" إذا كانت الفكرةُ المطروحةُ جيّدةً، ولكنّ توقيتَ تنفيذِها غيرُ مناسبٍ. يمكنك ببساطةٍ إخبارُ الرئيسِ التنفيذيِّ بأنّك ستعودُ لمناقشةِ الفكرةِ في الرّبعِ المقبلِ، مع تذكيرِه بالأولوياتِ الحاليّةِ. هذا الأسلوبُ يضمنُ بقاء الشركةِ على المسارِ الصحيحِ دون التّضحيةِ بالفرصِ المستقبليةِ.
دعمُ موقفك بالحججِ المنطقية
عند قولِ "لا"، من المهمِّ أن تدعم موقفك بحججٍ منطقيّةٍ تستندُ إلى التّجاربِ السابقةِ أو البياناتِ المتاحةِ. إذا كنت قد جرّبت شيئاً مشابهاً في الماضيِ ولم ينجح، فأوضح ذلك وادعم رأيك بالإحصاءاتِ إذا أمكن. تذكر أنّ قول "لا" للرئيسِ التنفيذيِّ ليس بهدفِ المعارضةِ، بل للمساهمةِ في نجاحِ المنظمةِ وضمانِ اتخاذِ قراراتٍ مدروسةٍ. تعامل مع المحادثةِ بروحِ التّعاونِ والاحترامِ المتبادلِ لتحقيقِ أفضلِ نتيجةٍ ممكنةٍ.
نصيحةٌ للرؤساءِ التنفيذيين
أعتقدُ أنّ أفضل الشركاتِ هي تلك التي لا تقدِّرُ فقط التنوع في الآراءِ، بل تبني عليهِ نموذج عملٍ متينٍ. فتنوّعُ وجهاتِ النّظرِ يقلّلُ من الانحيازِ، ويزيدُ من شموليةِ القراراتِ المتّخذةِ، ما يعزّزُ من قوّةِ نموذجِ العملِ، ويجعلهُ أكثر تكاملاً.
كرؤساءٍ تنفيذيين، تقعُ علينا مسؤوليةُ تطويرِ أسلوبِ تواصلٍ يشجّعُ الموظفين على مشاركةِ أفكارِهم بحريّةٍ ودون خوفٍ. يجبُ أن نكون واضحين في تفريقِنا بين الأفكارِ التي نطرحُها للمناقشةِ والأوامرِ التي نريدُ تنفيذها. عندما نتلقّى ردود فعلٍ، أو نسمعُ آراءً مختلفةً، يجبُ أن ننظر إليها كفرصٍ لتحسينِ أفكارِنا واتّخاذِ قراراتٍ أفضل.
إنّ إرسال بريدٍ إلكترونيٍّ دون أيِّ سياقٍ واضحٍ يمكنُ أن يُثير القلق لدى الموظفين، لذا من المهمِّ أن نكون واضحين بشأنِ ما نتوقّعُهُ. إذا كان الغرضُ من الرّسالةِ هو المشاركةُ في فكرةٍ أو الحصولُ على آراءٍ، فلنكن واضحين بذلك من البدايةِ، ونتأكّد من أنّنا نشجعُ على الحوارِ المفتوحِ.
الرّئيسُ التنفيذيُّ يعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الفريقِ الذي يقفُ خلفهُ. نحنُ بشرٌ في النهايةِ، ولسنا معصومين من الخطأِ، ولن تكون أفكارُنا دائماً الأفضل في الغرفةِ. لذلك، يجبُ أن نحرص على الاستماعِ والتّفاعلِ مع فريقِنا بروحِ الفريقِ الواحدِ.
في نهايةِ المطافِ، يتساءلُ كلُّ موظفٍ عمّا إذا كانت وظيفتُهُ تمنحُهُ صوتاً مسموعاً. وعلى عاتقِ القادةِ أن يوفّروا تلك البيئةَ التي يشعرُ فيها الجميعُ بأنّ آراءَهم مهمةٌ، وأنّ لوجهاتِ نظرهم وزنٌ في اتّخاذِ القراراتِ. عندما يشعرُ الموظّفون بأنّهم يستطيعون التّعبير عن آرائِهم بحريةٍ، سيجدون غايةً أكبر في حياتِهم المهنيةِ، وسيقدّمون قيمةً أكبر للمؤسسةِ.