كيف تمنع الذكاء الاصطناعي من الاستحواذ على محتواك؟
استراتيجيات فعّالة للحفاظ على سيطرتك على محتواك الإبداعي وحماية أعمالك في ظل تطور التكنولوجيا
من ضمن السَّلبيَّات التي تُؤخذ على الذكاء الاصطناعي أنَّه يستحوذ على المحتوى الذي نصنعه، وإذا كنت مبدعاً في مجالك -كاتباً مثلاً، أو مصوِّرَ فيديو، أو فنّاناً، أو موسيقيّاً- فقد يكون الذكاء الاصطناعي قد استعمل محتواك بالفعل؛ لذلك تُقاضي شركات بحجم Getty Images وUniversal Music Group وGeorge R.R. Martin وSarah Silverman وصحيفة New York Times مطوّري هذه التّقنيَّات لانتهاكهم حقوق الملكيَّة الفكريَّة، ومن ناحيةٍ أُخرى، في عالم الأعمال، من لا يستفيد من الذكاء الاصطناعي يُخاطر بالتَّخلُّف عن الرَّكب أو بإنجاز العمل بوتيرةٍ بطيئةٍ جدَّاً، بحيث لا يمكنه مجاراة التَّطلُّعات والمتطلَّبات الجديدة، وهكذا تبرز المفارقة بوضوحٍ للمبدعين. [1]
ولن يزول الذكاء الاصطناعي عن السَّاحة؛ إذ نجد أنَّ النَّماذج اللُّغويَّة الذَّكيَّة مثل ChatGPT وClaude قد ثبّتت أقدامها ضمن دورة العمل الإبداعيّ، وقد استخدمت أدوات توليد الصُّور بواسطة الذكاء الاصطناعي -مثل Dall-E وMidjourney- في الإعلانات لشركاتٍ كبيرةٍ مثل Burger King وProgressive، والبحث عن "موسيقى الذكاء الاصطناعي" يُظهر صفحاتٍ من الأدوات التي يُمكن لأيّ شخصٍ استخدامها لتوليد موسيقى بواسطة الذكاء الاصطناعي، وفعليّاً أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي شائعاً لدرجة أنَّ الخبراء يتوقَّعون أن تبلغَ إيرادات السُّوق العالميَّة من استخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق وحده 36 مليار دولار هذا العام.
ومن شأن الذكاء الاصطناعي أن يُحدِث اضطراباً في مختلف الصّناعات، وفي تدوينةٍ نشرها Bill Gates شرح فيها كيف سيغيُّر الذكاء الاصطناعي طريقتنا في استخدام الحواسيب، مبيِّناً أنَّ الأفراد والشَّركات سيحصلون في النِّهاية على "وكلاء ذكاء اصطناعي" شخصيين قادرين على أداء كلِّ مهمَّةٍ يُمكن تصوُّرها تقريباً، من جدولة المواعيد إلى تصميم التَّطبيقات.
لكن ماذا عن الإيجابيَّات؟ ألا يوجد جانبٌ مشرقٌ لهذا الموضوع؟ حسناً، الأمر الإيجابيُّ أنَّك لا تستطيع فقط استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين سير العمل لديك (بشكلٍ أخلاقيٍّ)، بل يمكنك أيضاً استخدامه لصدِّ الهجمات الموجَّهة لإفساد أعمالك وسرقتها، ويتحقَّق ذلك عن طريق تطبيق عددٍ من الاستراتيجيَّات الفعَّالة، ومنها:
الاستراتيجية الأولى: إنشاء وكيل ذكاء اصطناعي خاص بك
من الفوائد العظيمة للنَّماذج اللُّغويَّة الذَّكيَّة أنَّه بإمكانك تدريب معظمها لتُحاكي نبرتك الشَّخصيَّة، إذ يُمكن لمبادراتٍ مثل Coachvox AI، التي أسَّستها Jodie Cook، أن تتيح للمبدعين والكتَّاب والمدرِّبين والمستشارين تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام محتواهم الأصليّ، ما يضمن الحفاظ على أسلوبهم الفريد وآرائهم، ويحمي ملكيَّتهم الفكريَّة.
يستطيع هذا الوكيل للذكاء الاصطناعي الممثَّل بالصُّورة الرَّمزيَّة التَّفاعل مع جمهورك، وتقديم الإرشاد والتَّوجيه استناداً إلى أطر عملك ورؤاك الخاصَّة، ويمكنك أيضاً استغلال صورتك الرَّمزيَّة المولَّدة بالذكاء الاصطناعي في تبادل الأفكار مع "نفسك"، ممَّا يسرِّع عمليَّة الإبداع لديك، بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للمبدعين تحقيق دخلٍ عبر فرض رسومٍ شهريَّةٍ مقابل الوصول إلى الإرشاد الشَّخصيّ، والدَّعم الذي تقدِّمه صورهم الرَّمزيَّة تلك، وتُعدُّ هذه طريقةُ ممتازةً وأخلاقيَّةً لتوسيع نطاق التَّأثير دون التَّضحية بجودة أو أصالة العلامة التجارية.
شاهد أيضاً: ChatGPT 4 أدوات ذكاء اصطناعي قوية للمسوقين في مجال المحتوى
الاستراتيجية الثانية: نَشرُ معطلات الذكاء الاصطناعي وأكواد الحظر
أطلق عالِما الكمبيوتر، Ben Zhao وHeather Zheng من جامعة شيكاغو، مؤخَّراً، أداتين مبتكرتين، هما Glaze وNightshade، لحماية الأعمال الإبداعيَّة المرئيَّة من الاستخدام غير المصرَّح به بوساطة نماذج الذكاء الاصطناعي. إذ تعمل كلتا الأداتين على "تعطيل" مخرجات الذكاء الاصطناعي من خلال إدخال تغييراتٍ على المحتوى الرَّقميّ التي لا تُرى بالعين المجرَّدة، ولكنَّها تعطِّل بشكلٍ فعَّالٍ عمليَّات تدريب النماذج واستخراج البيانات بواسطة الذكاء الاصطناعي.
تهدف أداة Glaze إلى حماية الأساليب الفنيَّة الخاصَّة بالفنانين من أن تُقلَّد عبر الذكاء الاصطناعي، إذ تُجري هذه الأداة تغييراتٍ طفيفةٍ على بكسلات الصُّور بطرقٍ لا تلاحظها العين البشريَّة، لكنَّها تدمِّر بشكلٍ أساسيٍّ قدرة الذكاء الاصطناعي على فهم وتقليد هذه الصُّور، على سبيل المثال قد تُعطي صورة مُعالجة لجروٍ كرتونيٍّ الانطباع للذكاء الاصطناعي أنَّها قطعةٌ من الكعكة بأسلوب Van Gogh.
أمَّا Nightshade فقد تقدَّمت بخطوةٍ على نظيرتها في عمليَّة تعطيل الذكاء الاصطناعي، بينما تتَّبع Glaze نهجاً دفاعيّاً، وتُعدُّ Nightshade أداةً هجوميَّةً تعمل بنشاطٍ على تخريب ما ستُنتجه نماذج الذكاء الاصطناعي في الجلسات المستقبليَّة، وتضيف Nightshade تغييراتٍ دقيقةً على البكسلات في الأعمال الفنيَّة التي تُفسد بيانات التَّدريب لنماذج الذكاء الاصطناعي؛ ممَّا يؤدِّي إلى تعلُّم الذَّكاء الاصطناعيِّ لأنماطٍ غير صحيحةٍ بشكلٍ كبيرٍ وإنتاج نتائجَ غير متوقَّعةٍ وغير صحيحةٍ.
وعلى الرَّغم من عدم وجود "معطّلات" للمحتوى المكتوب الذي يستخرجه الذكاء الاصطناعي حتَّى الآن، يمكنك إضافة أكواد حظرٍ على موقعك الإلكترونيِّ -مثل تلك التي نفَّذها Tony Stubblebine، الرَّئيس التَّنفيذيُّ لموقع Medium- لمنع المحتوى من أن يكون مرئيّاً لبرامج "الزَّحف" والمعروفة أيضاً بـ"روبوتات الويب" أو "العناكب" [برامج تعمل على جمع البيانات والمعلومات واستخلاصها من الويب بشكلٍ تلقائيٍّ].
شاهد أيضاً: دبي تُبرز الإبداع البشري المُعزّز بالذكاء الصناعي التوليدي
الاستراتيجية الثالثة: إنشاء المحتوى ومشاركته على الشبكات الاجتماعية الخفية
أكثر من أيٍّ وقتٍ مضى، يستهلك النَّاس المحتوى علانيَّةً ولكنَّهم يشاركونه بشكلٍ خاصٍّ من خلال الرَّسائل النَّصيَّة، وقنوات Discord، ودردشات WhatsApp، ورسائل البريد الإلكتروني، وغيرها.
بشكلٍ أساسيٍّ، إذا كانت المنصَّة تحتوي على خاصيَّة الرَّسائل المباشرة، فمن المتوقَّع أن يتمَّ تداول المحتوى من خلالها، الذي يخلق ما يعرف بـ "التَّواصل الاجتماعيّ الخفي"؛ حيث لا يمكن للمسوّقين والمتتبِّعين -وحتَّى الذكاء الاصطناعي- رصد ما يتمُّ مشاركته، وعلى الرَّغم من أنَّ ذلك قد لا يكون حلّاً شاملاً (قد يتمكَّن المستخدمون الأفراد من نسخ ولصق المحتوى الخاصِّ بك على مختلف نماذج الذَّكاء الاصطناعيّ)، إلَّا أنَّه يعدُّ طريقةً لمكافحة نماذج استخراج البيانات من البحث على الإنترنت مثل ChatGPT وGoogle Gemini التي تتمتَّع بقدراتٍ متقدِّمةٍ.
ويوجد جانبٌ آخر مهمٌّ: لا يمكن للذكاء الاصطناعي الوصول إلى المعلومات المحميَّة بكلمة مرورٍ؛ لذلك إذا نشرت محتواك على موقعٍ يتطلَّب المصادقة للوصول -مثل Patreon، ومجموعات Facebook الخاصة، وأمثالها- فلن يتمكَّن الذكاء الاصطناعي من رؤيته (على الأقلّ، حتَّى الآن).
لذلك، على الرَّغم من التَّحدّيات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي لمنشئي المحتوى، فإنَّ المبدعين ليسوا بلا حولٍ ولا قوَّةٍ، فمن خلال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز عمليَّاتهم الإبداعيَّة، وتبنِّي التّقنيَّات النَّاشئة لحماية أعمالهم، والاهتمام بالمكان والطَّريقة التي يشاركون بها المحتوى، يمكن للمبدعين والمبتكرين تسخير قوَّة الذكاء الاصطناعي بدلاً من أن يتمَّ سحقهم بها.