بين الضرورة والاحترام: كيف تسرّح الموظفين بإنسانية؟
تحافظ المعاملة العادلة عند التّسريح على كرامة الموظّفين، وتساعد الفريق المتبقّي على الشّعور بالأمان والاستقرار

عندما تفرض الظّروف على المؤسّسات اتّخاذ قرارٍ بتسريح الموظّفين، لا بدّ أن يتمّ ذلك بروحٍ من التّعاطف والاحترام. إذ لا يقتصر دور القادة هنا على تنفيذ القرار، بل يشمل أيضاً دعم الموظّفين المتأثّرين بأفضل صورةٍ ممكنةٍ، مع الحفاظ على المعنويّات داخل الفريق المتبقّي.
تعكس الطّريقة الّتي تُدار بها عملية التسريح -سواء كانت إنسانيّةً أم لا- رسالةً قويّةً للجميع، ليس فقط داخل المؤسّسة، بل في المجتمع أيضاً؛ فهي تُظهر بوضوحٍ ما إذا كانت الشّركة تضع القيم الإنسانيّة ضمن أولويّاتها، وتشمل هذه الرّسالة الموظّفين الّذين لم تشملهم التّسريحات أيضاً؛ فعندما يعامل الموظّفون الّذين يغادرون الشّركة باحترامٍ وكرامةٍ، يمكن للموظّفين الّذين سيبقون أن يشعروا بالفخر بالانتماء إلى هذه المؤسّسة. أمّا إذا كانت المعاملة قاسيةً، أو تفتقر إلى التّعاطف، فقد يشعر الآخرون بعدم الأمان أو عدم التّقدير، ما يدفعهم للتّفكير في المغادرة بأنفسهم قبل أن يأتي دورهم. وإليك خطواتٌ عمليّةٌ تضمن تنفيذ قرارات التّسريح بشكلٍ إنسانيٍّ:
1. وضع خطة واضحة للتسريح
ابدأ بتحديد الموظّفين الّذين ستشملهم عمليّة التّسريح، وضع جدولاً زمنيّاً دقيقاً للإجراءات يشمل: توقيت الإعلان، ومتى سيغادر الموظّفون، والمزايا أو التّعويضات الّتي سيحصلون عليها. بعد ذلك، صمّم خطّة تواصلٍ مدروسةً لتوصيل هذه الأخبار بطريقةٍ محترمةٍ وواضحةٍ، وتأكّد كذلك من التّزامك بالقوانين واللّوائح العمّاليّة، واطلب الدّعم من قسم الموارد البشرية لضمان تحقيق العدالة في التّعامل مع جميع الأطراف.
2. التواصل الفردي بتعاطف وصدق
يجب أن تكون المحادثات حول التّسريح فرديّةً وخاصّةً، وتتمّ بنبرةٍ إنسانيّةٍ تظهر الاحترام والاهتمام بمشاعر الموظّف. في الوقت نفسه، لا بدّ أن تكون واضحةً ومباشرةً في شرح الأسباب الّتي دفعت الشّركة لاتّخاذ هذا القرار. وتجنّب إلقاء اللّوم على الموظّف أو ربط التّسريح بأيّ فشلٍ شخصيٍّ، بل اجعل الحديث منصوباً على الظّروف العامّة، وامنح الموظّف فرصةً لطرح الأسئلة والتّعبير عن مشاعره.
3. منح الوقت للتفكير وطرح الأسئلة
من الطّبيعيّ أن يشعر الموظّفون بالقلق حول مستحقّاتهم، والتّأمين الصّحّيّ، وتأثير ذلك على مستقبلهم الوظيفيّ. لذلك، لا تتوقّع منهم التّفاعل أو طرح الأسئلة فوراً، بل امنحهم مساحةً للتّفكير واستيعاب الموقف، وكن متاحاً لاحقاً للرّدّ على استفساراتهم.
4. تقديم الدعم والموارد المناسبة
إذا كانت إمكانيّات الشّركة تسمح، قدّم للموظّفين المتأثّرين تعويضاتٍ ماليّةً، مع استمرار التّغطية الصّحّيّة لفترةٍ معيّنةٍ، بالإضافة إلى خدمات دعم انتقالٍ وظيفيٍّ. ساعدهم في التّواصل مع مسؤولي التّوظيف في السّوق، ووفّر لهم خطابات توصيةٍ، وورش عملٍ لتحديث السّير الذّاتيّة والاستعداد للمقابلات. وإذا أمكن، اسمح لهم بإتمام عملهم بشكلٍ لائقٍ وتوديع زملائهم، بدلاً من إخراجهم المفاجئ أو المهين.
5. الاعتراف بمساهماتهم والحفاظ على كرامتهم
واحدةٌ من أهمّ خطوات التّسريح الإنسانيّ هي التّعبير عن التّقدير لجهود الموظّف، سواءً بشكلٍ علنيٍّ أم في جلساتٍ خاصّةٍ. أخبرهم بوضوحٍ أنّهم كانوا محلّ تقديرٍ، وأعلمهم أنّه إذا توفّرت فرصٌ مستقبليّةٌ، فسيكون من الممكن النّظر في إعادتهم للعمل، إذ يترك هذا النّوع من الاعتراف انطباعاً إيجابيّاً، ويشعر الموظّف بأنّ خروجه لا يعني أنّه لم يكن ذا قيمةٍ.
6. دعم الموظفين المتبقين
بعد انتهاء عمليّة التّسريح، من المهمّ جدّاً التّواصل مع الموظّفين الّذين بقوا في المؤسّسة؛ فهم غالباً ما يعانون من مشاعر الذّنب أو التّوتّر، ويحتاجون لفهم الخطط المستقبليّة للشّركة. أصغِ لمخاوفهم، وكن واضحاً بشأن المرحلة القادمة، ولا تحمّلهم عبء عملٍ إضافيّاً نتيجة فقدان زملائهم. كذلك، واصل تقديم التّقدير لهم لبناء الثّقة من جديدٍ واستعادة الرّوح الإيجابيّة داخل الفريق.
تجربة واقعيّة عن التسريح الإنساني
شاهدت عن قربٍ نموذجاً رائعاً للتّسريح الإنسانيّ عندما نقلت شركة "هيوليت باكارد" (Hewlett-Packard) القسم الّذي كانت تعمل به زوجتي من سان دييغو إلى دنفر. في ذلك الوقت، صعد رئيس القسم أمام الفريق وقال: "لن أرتاح حتّى أتأكّد أنّ كلّ شخصٍ هنا يجد مكاناً مناسباً، سواءً بالانتقال معنا، أو بالعثور على فرصةٍ أخرى داخل الشّركة أو حتّى خارجها".
في البداية، لم يصدّق أحدٌ هذه الكلمات، واعتقدوا أنّها مجرّد شعاراتٍ. ولكن المفاجأة أنّ القائد وفى بوعده بالفعل! لم ننتقل إلى دنفر، لكن الشّركة تواصلت مع زوجتي عدّة مرّاتٍ لعرض فرص عملٍ بديلةٍ داخل المؤسّسة، كما تلقّت عروضاً من عدّة جهات توظيفٍ بفضل جهود الشّركة.
الخلاصة: قد تكون عمليّات التّسريح أمراً لا مفرّ منه أحياناً، ولكن الطّريقة الّتي تُدار بها تصنع كلّ الفرق؛ فإذا تمّ تنفيذها بروحٍ من الرّحمة والشّفافيّة، يمكن للشّركة أن تحافظ على سمعتها، وتكسب احترام موظّفيها، سواءً من رحلوا أو من بقوا. الأمر كلّه يعود إلى اختيارك كقائدٍ: هل ستكون إنسانيّاً في لحظةٍ صعبةٍ، أم تجعلها أكثر قسوةً ممّا يجب؟
شاهد أيضاً: كيف يمكن تجنّب أخطاء التسريح بخطوات مدروسة؟