كيف تُسهم المعايير المزدوجة في مكان العمل بتدمير صحة النساء الجسديّة؟
نتائج دراساتٍ مُقلقةٍ للنساء في المناصب القياديّة؛ الاهتمام المفرط بإرضاء الآخرين يسبّب لك أمراضاً جسديّة قد تقود للموت المبكر.
عند البدءِ في قراءةِ العديدِ من الدّراساتِ التي أُجريت حول النّساء في مكانِ العملِ، سيبرزُ فوراً موضوعٌ مُلفتٌ: الحياةُ المهنيّة بالنّسبة للنّساء هي مشيٌ على حبلٍ مُشدودٍ. [1]
كوني قاسيةً أو صارمةَ الرّأي، سيُنظر إليكِ كمخالفةٍ للأعراف الثّقافيةِ الّتي تقول إنّ المرأةَ يجبُ أن تكونَ دافئةً ومُربيّةً. كوني مُتعاطفةً وحنونةً أكثر من اللّازم، سيُنظر إليكِ على أنّكِ ضعيفةٌ وأقلّ كفاءةً. في كلتا الحالتين، أنتِ الخاسرةُ. الطّريقة الوحيدة للنّجاح هي إيجادُ التّوازن المثاليّ بين هذين المَطلبين الظّالمين.
هذه الرّسالة واضحةٌ لدرجة أنّ النّصائح حول كيفيّة التّعامل مع هذا الاختبار الصّعب متوفّرةٌ بكثرةِ (فقد بنت شيريل ساندبرج جزءاً كبيراً من مسيرتها المهنيّة على تقديمها، على سبيل المثال). العديدُ من هذه النّصائح والاقتراحات مفيدةٌ للغاية، لكنّها غالباً ما تتجاهلُ اعتباراً مهمّاً بالنّسبة للنّساء: ما هو ثمن محاولة إيجادِ هذا التّوازن المستحيلِ؟
وفقاً لمقالةٍ حديثةٍ مُثيرةٍ للقلقِ في مجلة Time من قِبل عالمةِ النّفس ميتال إيال، فإنّ الإجابة غالباً ما تكون صحتك.
إحصائياتٌ مُخيفة حول صمتِ النّساء عن ذواتهنّ وصحتهنّ
كعالمة نفسٍ ممارسةٍ، تتناولُ إيال الموضوع من منظورٍ شخصيٍّ بدلاً من المهنيّ، لكنّ العديد من الضّغوطات التي تقول إنّ النّساء يواجهنها في المنزلِ تنطبقُ أيضاً في العملِ.
"ثقافتنا تُكافئ النّساء على كونهنّ لطيفاتٍ دائماً، مُضحّياتٍ بالذّات، ومتحكّماتٍ في عواطفهنّ، ويُمكن أن يكونَ من غير البديهيّ لعميلاتي أن يقلن "لا"، أو أن يُعبّرن بشكلٍ حازمٍ عن رغباتهنّ واحتياجاتهنّ"، كتبت. هذا صحيحٌ في المكتبِ أيضاً، مع الضّغط الإضافي الذي يأتي إذا فقدتِ أعصابكِ أو قلتِ لا، هناك، حيث يُمكن أن يُعطّل ذلك مسيرتكِ المهنيّة بسهولةٍ.
نتيجةً لذلك، تسعى العديدُ من الّنساء بجهدٍ ليكنّ مرضياتٍ ومُتعاوناتٍ دائماً مع من حولهنّ. ربما لا أحتاجُ إلى إخبارِ النّساء، اللاتي يقرأن المقالَ الآن، بأنّ ذلك غالباً ما يكون مُحبطاً ومُرهقاً. لكن إيال تقدّم أخباراً سيئةً أخرى، فهو أيضاً مُدمّرٌ لصحتكِ الجسديّة.
تبدأ حجّتها بسردِ قائمةٍ مُرعبةٍ من الإحصائيات: "تمثّل النّساء اليوم ما يقرب من 80٪ من حالاتِ الأمراضِ المناعيّة الذّاتية، وهنّ أكثر عرضةً للإصابةِ بالألمِ المزمنِ، الأرق، الألم العضليّ اللّيفي، كوفيد الطّويل، متلازمة القولون العصبيّ، والصّداع النّصفيّ، وهنّ أكثر عرضةً مرتين من الرّجال للوفاةِ بعد نوبةٍ قلبيّةٍ، كما تُعاني النّساء من الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصّدمة بضعفِ معدّل الرّجال".
هل يلعبُ التّركيب البيولوجيّ للمرأة دوراً في ذلك؟ على الأرجح. قد تساهم الجينات والهرمونات في زيادةِ خطر إصابتنا يبعض الأمراضِ. ولكن وفقاً لإيال، من المحتملِ أن يلعبَ كل هذا الإرضاء للآخرين الذي نقوم به دوراً كبيراً في الموضوع. "قد تُهيّئ الفضائل التي تُكافئها ثقافتنا في النّساء، القابليّة للموافقة، التّضحية الذّاتية المُتطرّفة، وكبت الغضب، الطّريق لأمراضٍ مزمنةٍ وحالاتٍ مرضيّة". تؤكد.
إذا كنتِ تريدين دليلاً قويّاً لدعم هذا الادّعاء، فمقالةُ إيال مليئةٌ بالدّراسات، بما في ذلك دراسة من جامعة هارفارد تُظهر وجود صلةٍ بين كبت الذّات والاكتئاب، ودراسة حديثة من جامعة بيتسبرغ أظهرت أنّ كبت الغضب يزيدُ من خطر الإصابة بأمراضِ القلب، وحتى أبحاث مُقلقة تربط تجنّب الصّراع بزيادةِ خطر الوفاة المبكر. تحقّق من المقالِ الكامل إذا كنت تريد مزيداً من التّفاصيل.
ما الذي ينبغي على النساء فعله؟
لكنّ الخلاصة بالنّسبة لرائدات الأعمال من النّساء هي أنّ كبت المشاعرِ في العملِ ومحاولةَ إرضاءِ الجميع يُمكن أن يكون قاسياً ليس فقط على العقلِ، ولكن أيضاً على الجسمِ. هذا يثيرُ السّؤال المعقّد حول ما يجبُ فعله في ظلّ الحكم الشّديد الذي غالباً ما تتعرّضُ له النّساء عندما يكنّ أكثر صراحةً بشأن احتياجاتهنّ ومشاعرهنّ.
هناك تقنياتٌ لتحديدِ حدودٍ أفضل والتّحدث عن النّفس بطريقةٍ يُمكن أن تساعدَ في تخفيفِ ردّ الفعل العكسيّ، ولكن نصائح إيال تُركّز أكثر على عقليّة النّساء حول مشاعرهنّ.
"بدلاً من أنّ تعاملَ النّساء مشاعرهنّ كأعطالٍ جسديّة غير مرغوبٍ فيها يُفضّل كتمها وتجاهلها، يمكننا أن نعلّمَ أنفسنا أن ننظرَ إليها كمؤشراتٍ لنفهم ذواتنا. إذ بدلاً من رفض غضبنا، يُمكننا طرح سؤالٍ ثمينٍ على أنفسنا في لحظاتِ الإحباطِ هو: ماذا أحتاج الآن؟"، تقترحُ الكاتبةُ.
الحقيقةُ المحزنةُ هي أنّ ما يحتاج إلى التّغيير حقّاً هو التّوقّعات المجتمعيّة حول النّساء ومشاعرهنّ، لكن هذا لا يبدو أنّه سيخضعُ لتغييرٍ شاملٍ في أيّ وقتٍ قريبٍ (على الرّغم من أنّ حقيقةَ مناقشةِ المنشوراتِ الكبرى للموضوعِ بشكلٍ أكثر تكراراً تبدو كخطوةٍ في الاتّجاه الصّحيح).
في الوقت الحالي، يتعيّن على النّساء أن يحسبن لأنفسهنّ كيف ومتى يتحدّثن ويقلن لا، على الرّغم من أنّه ينبغي أن يكنّ على علمٍ بجميع الحقائقِ عندما يفعلن ذلك. والأدّلة واضحةٌ على أنّ تجاهلَ مشاعرك وإرضاء الآخرين باستمرارٍ يضرّ ليس بسلامك النّفسي فحسب، بل بصحتك الجسديّة أيضاً.