كيف تُعزِّز معنويات موظفيك، وتُقلِّل من "العُطلات الصامتة"؟
"العُطلات الصامتة" ليست مجرد ظاهرةٍ مؤقتة، بل هي إشارةٌ إلى أنّ الموظفين يشعرون بالضّغط، وأنّ معنوياتهم منخفضة
في عالمنا المُعاصر، حيثُ أصبحت ثقافة العمل المُتواصل والمعروفة بـ"ثقافة العمل المُفرط" هي السّائدة، نجدُ الكثير من الموظفين يشعرون بالضّغط المُستمرِّ للبقاء مُنتجين طوال الوقت. في هذا السّياق، ظهرت ظاهرة جديدة تُعرَف بـ"العُطلات الصّامتة"، وهي الحالة التي يأخذ فيها الموظّف يوماً من الراحة دون إعلام مديره، مُستخدماً حِيَلاً تقنيّةً مثل تحريك المؤشر تلقائيّاً أو جدولة رسائل البريد الإلكتروني، ليبدو وكأنّه لا يزال على رأس عمله. ولكن خلف هذا السّلوك، يكمن شعورٌ بالضّغط النفسي والحاجة إلى التّوازن بين العمل والحياة الشخصية.
استطلاعُ رأي حديثٌ أجراه Harris Poll أظهر أن 83% من الأمريكيين راضون عن سياسات العُطلات في أماكن عملهم، ولكن المُفارقة تكمنُ في أن 78% من الموظفين لا يستفيدون من إجازاتهم المدفوعة بالكامل، و75% منهم يتمنّون لو كان بإمكانهم ذلك. فما الذي يدفعُ هؤلاء الموظّفين إلى اللجوء لهذه "العُطلات الصامتة"؟ الجواب بسيط: إنّه الضغط النّاتج عن ثقافة العمل المُفرط.
ثقافة العمل المُفرط وتأثيرها السلبي
في ظلِّ ثقافة العمل المُتواصل، يشعر الموظفون بأنّ عليهم البقاء متاحين دائماً، وأنّهم مطالبون بمواجهة أعباء عملٍ ثقيلة. هذا الشّعور الدّائم بالضّغط يُولِّد لديهم القلق من طلب إجازة، خوفاً من أن يُنظر إليهم على أنهم غير مُلتزمين أو غير مُنتجين بما فيه الكفاية. نتيجةً لذلك، ينخرط الكثيرون في "العُطلات الصامتة" كوسيلةٍ للتّعويض عن هذا الضّغط المُتزايد.
توسيع حزمة المزايا لزيادة الرضا الوظيفي
لتغيير هذا الواقع، من الضّروري أن تبدأ الشركات بتقييم حزمة المزايا التي تُقدِّمها لموظفيها. وفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي، يُقدِّم 86% من أرباب العمل في القطاع الخاص تأميناً صحياً. ورغم أهمية هذا التأمين، إلا أنّه يُعتبر الحد الأدنى من المزايا التي يتوقّعها الموظّفون. إذا كانت حزمة المزايا الخاصة بشركتك تقتصر على الأساسيات فقط، فقد يشعر الموظفون بأنّ الشّركة تفعل الحدّ الأدنى فقط، مما ينعكس سلباً على معنوياتهم.
لتعزيز ثقافة التّوازن بين العمل والحياة، يمكنك توسيع حزمة المزايا لتشمل برامج خصوماتٍ تُساعد الموظفين على الاستمتاع بإجازاتهم. على سبيل المثال، برامج الخصومات التي تُقدِّمها شركات مثل Working Advantage يمكن أن تجعل الإجازات أكثر سهولة للموظفين، كما أنّها تُعزِّز شعورهم بالتقدير الشخصي. هذه اللمسات البسيطة قد تكون لها تأثيرٌ كبير على تحسين معنويات الفريق.
مواجهة أعباء العمل الثقيلة
لا يمكن تجاهل الحقيقة المُرَّة: العديد من الموظفين يعانون من أعباء عملٍ تفوق طاقاتهم. تُشير Harvard Business Review إلى أنّ هناك فجوةً بين حجم العمل المطلوب والموارد المتاحة، وهذه الفجوة تؤدّي إلى شعور الموظفين بالإرهاق والاحتراق النفسي. عندما يشعر الموظفون بأنّهم لا يستطيعون تحقيق التوازن بين العمل والحياة، يلجؤون إلى "العُطلات الصامتة" كوسيلةٍ للتّعويض.
لمعالجة هذه المشكلة، يمكنك التّفكير في إعادة تصميم الوظائف، أو توفير تدريبٍ مُتبادل بين الموظّفين، أو زيادة أعداد الموظفين لتخفيف الضّغط عن الجميع. كما قد يكون هناك فرصٌ أخرى لتقليل التفاوت بين العمل والموارد من خلال ترتيبات العمل المرنة. قد يكون لبعض الموظفين تركيزٌ أكبر عند العمل عن بُعد، أو قد يحتاجون إلى تغييرٍ في البيئة المُحيطة.
توفير بيئة عملٍ مريحةٍ ومرنة، سواء كان ذلك من خلال السماح للموظفين بالعمل من مواقع مريحة أو إعطائهم فرصةً لقضاء وقتٍ مع أسرهم، يمكن أن يُسهم بشكلٍ كبير في تحسين الرضا الوظيفي. في شركتي، نمتلك منزلاً على البحيرة وفيلّا يُمكن للموظفين استخدامها للعمل عن بُعد أو لقضاء وقتٍ مع عائلاتهم. هذا النوع من الامتيازات لا يُعتبر فقط ميزةً إضافية، بل هو استثمارٌ في صحة وسعادة الموظفين، مما يؤدّي في النهاية إلى تحسين أدائهم.
توظيف الأشخاص ذوي العقلية التبشيرية
إحدى الطرق الفعّالة لضمان رضا الموظفين وزيادة إنتاجيتهم هي توظيف الأشخاص الذين يمتلكون "عقلية تبشيرية" بدلاً من "عقلية ماديّة". الأشخاص ذوو العقلية التبشيرية ليسوا مدفوعين فقط بالمال، بل يسعون لتحقيق نتائج إيجابية ولديهم شغفٌ بتحقيق الأهداف بدلاً من البحث عن المكافآت المالية فقط. هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا أكثر ولاءً للشركة وأكثر استثماراً في نجاحها على المدى الطويل.
عندما تُوظِّف هؤلاء الأشخاص، يمكنك بناء مستوى عالٍ من الثّقة معهم وتقديم مزايا إضافية مثل الإجازات المدفوعة. هؤلاء الموظّفون سيقدِّرون تلك المزايا، وسيكونون مُتحمسين لتحقيق أداءٍ أفضل في العمل. على سبيل المثال، شركات مثل Adobe وNetflix تتبنى هذا النهج من خلال تقديم إجازات غير محدودة، ممّا يمنح الموظّفين الحرية في أخذ قسطٍ من الراحة عندما يحتاجون إليها.
"العُطلات الصامتة" ليست مجرد ظاهرةٍ مؤقتة، بل هي إشارةٌ إلى أنّ الموظفين يشعرون بالضّغط، وأنّ معنوياتهم منخفضة. من خلال تحسين ثقافة العمل وتعزيز التوازن بين العمل والحياة، يمكنك معالجة هذه المشكلة وزيادة رضا الموظفين وإنتاجيتهم. ابدأ بتوسيع حزمة المزايا، وتخفيف أعباء العمل، وتوظيف الأشخاص ذوي العقلية التّبشيرية، وسترى تأثيراً إيجابياً على ثقافة شركتك ومعنويات فريقك.