كيف سيطر الدولار على العالم وهل انتهت هيمنته الاقتصادية؟
أسباب سيطرة الدولار على الاقتصاد العالميّ وما يُخبّئه المستقبل مع محاولاتٍ دوليّةٍ لتقليل الاعتماد عليه
كيف سيطرَ الدولار على العالم؟ وهل حقّاً انتهت هيمنتهُ الاقتصاديَّة، تشغلُ تلك الأسئلةُ بال العديد من النَّاس حول العالم، خصوصاً مع الأنباء الواردةِ عن رغبة بعض الدُّول في إلغاء هيمنة الدولار، مثل الصّين وروسيا اللَّتين تعملان كما يبدو وفق خطَّةٍ مدروسةٍ منذ عدَّة سنواتٍ، لكن هل يُمكن أن تنتهي هيمنة الدولار على العالم حقّاً؟ وما الذي يُمكن أن يحدثَ بعد ذلك؟ دعونا نحاولُ مناقشة الموضوع.
من أين أتت هيمنة الدولار وبماذا ارتبطت؟
أتت هيمنة الدولار لتطيحَ بالجنيه الإسترلينيّ الذي كان يمتلكُ حظوةً كبيرةً في القرن العشرين، فكيف حدثَ ذلكَ؟
بعد عامٍ من إنشاء الاحتياطيّ الفيدراليّ باعتبارهِ البنكَ المركزيَّ الأميركيَّ، طُبع الدُّولار للمرَّة الأولى عام 1914، وبعد ثلاثة عقودٍ فقط أصبحَ الدُّولار العملةَ الاحتياطيَّة في العالم.
قبل دخولها الحرب العالميَّة الثَّانية كانت الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة المورّدَ الرَّئيسيَّ للأسلحة وكافَّة السّلع للحلفاء، وكانت دولُ الحلفاء تدفعُ ثمن تلك المُستوردات بالذَّهب، وهذا ما جعل الولايات المتَّحدة تحظى بأغلبيَّة الذَّهب بحلول نهاية الحرب، بينما باتت العودةُ إلى معيار الذَّهب السَّابق مستحيلةً؛ لاستنفادِ البلدان احتياطاتها منه.
في العام 1944، اجتمع مندوبو 44 دولةً حليفةً في بريتون وودز، لتطوير نظامٍ يُساعد على إدارة النَّقد الأجنبيّ دون الإضرار بأيَّةِ دولةٍ، واتَّخذَ الوفد قرارهُ بعدم ربط عملات العالم بالذَّهب بعد اليوم، وعوضاً عن ذلك اتَّفقوا على ربطها بالدولار، وكانت تلك نقطة البداية في هيمنة الدولار على الاقتصاد العالميّ. [1]
وتقضي الاتّفاقيَّة التي أُطلق عليها اسم بريتون وودز، بتعزيز سلطة البنوك المركزيَّة التي تعملُ للحفاظ على أسعار صرفٍ ثابتةٍ بين الدولار وباقي العملات، وفي المُقابل تقوم الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة باستبدال الدولار بالذَّهب عند الطَّلب بواقع 35 دولاراً للأوقيَّة الواحدة، فبدأت الدُّول بتجميع احتياطاتها من الدولار الأمريكيّ عوضاً عن الذَّهب، واستمرّ الحال كذلك حتَّى حدوث ما يعرف بـ"صدمة نيكسون". [2]
الثّقة الدَّوليَّة الكبيرة التي اكتسبها الدولار؛ لأنَّه يتمتَّع بتغطيةٍ ذهبيَّةٍ، والتزام الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بدعم كلّ دولار في الخارج بالذّهب، كلُّ ذلك جعل سعر صرف العملات الأجنبيَّة ثابتاً مقارنةً بالدولار.
في عام 1971، قال الرَّئيس الأمريكيُّ الأسبق ريتشارد نيكسون: إنَّ حاملي الدولار لم يعودوا قادرين على استبداله بالذَّهب، وكان تصريحهُ بمثابةِ صدمةٍ كبيرةٍ لكلِّ دول العالم، ولأنَّ سعر الدولار قويٌّ نتيجة الاقتصاد الأمريكيّ وليس الاتّفاقيّة، فقد أعلن نيكسون أنَّه سيضيفُ الدولار إلى السّوق للمضاربة عليه، وسعر صرفه سيتحدَّدُ حسب العرض والطَّلب.
بسبب الكمّيَّات الهائلة من الدُّولارات المُخزَّنة في بنوك دول العالم، والتي حصلت عليها الدُّول على أمل أن تستبدلها بالذَّهب متى أرادت، لم يتمكَّن أحدٌ من الاعتراض على القرار، لربَّما تُحصّلُ لهم الدولارات المُخزّنةُ شيئاً ما في المقابل. وهكذا بلعبة دهاءٍ كبيرةٍ، هيمن الدولار الأميركي على الاقتصاد الدَّوليّ بطريقةٍ ذكيَّةٍ للغاية.
شاهد أيضاً: أول مؤشر للنجاح، هل هو الذكاء العاطفي أم الذكاء العقلي
لماذا الدولار هو مقياس الاقتصاد العالمي؟
لمعرفةِ لماذا الدولار هو مقياسُ الاقتصاد العالميّ، علينا النَّظر إلى العملات الاحتياطيَّة الدَّوليَّة التي يتربَّع الدُّولار على عرشها، فتلكَ العملات هي محور التّجارة العالميَّة والنّظام الماليّ العالميّ.
العملات الاحتياطية الدَّوليَّة هي محور التِّجارة العالميَّة والنّظام الماليّ العالميّ، وتُسمَّى العملة المقبولة على نطاق واسعٍ كوسيلةٍ للتَّبادل في جميع المعاملات بالعملة الاحتياطيَّة الدَّوليَّة، ومنذ الحرب العالميَّة الثَّانية، لعب الدولار الأمريكيُّ بشكلٍ بارزٍ هذا الدَّور كعملةٍ احتياطيَّةٍ دوليَّةٍ.
على مرِّ السِّنين، كان المستثمرون العالميُّون ينظرون عادةً إلى العملات الاحتياطيَّة باعتبارها الملاذ الآمن لحماية أصولهم في فترات عدم اليقين، وعموماً هناك ثلاثةُ أسبابٍ رئيسيَّة وراء استمرار الدولار في كونه العملة الاحتياطيَّة المفضَّلة على مستوى العالم، وهي: [3]
- الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة دولةٌ قويَّةٌ ذات سيادة، يدعمها نموٌّ اقتصاديٌّ قويٌّ ومستمرٌّ.
- ثقة المجتمع الدَّوليّ بالديمقراطيَّة الأمريكيَّة.
- صعوبة تغيير بنية التَّمويل العالميّ التي تدور حول الدولار وأسواق رأس المال الأمريكيَّة.
لكن كلُّ ذلك يبدو أنَّه على المحكِّ اليوم، وسط مؤشِّراتٍ تُنبِئُ بمحاولاتٍ قويَّةٍ لكسر هيمنة الدولار، والوصول إلى نظامٍ عالميٍّ جديدٍ لا يكون الدولار مهيمناً فيه.
أسباب هيمنة الدولار
أحد أبرز أسباب هيمنة الدولار هو أنَّه يُمثِّل 58% من احتياطي العملات العالميَّة، في حين أنَّ السَّندات الأمريكيَّة أكبر سنداتٍ في العالم، ووصلت إلى حوالي 27 تريليونَ دولارٍ.
في الوقتُ الذي يزداد ضخُّ الأخبار التي تُفيد بقرب انتهاء عصر هيمنة الدولار، يستبعدُ جو يرق -رئيس قسم الأسواق العاليّة في Cedra Markets- الأمرَ في تصريحاتهِ لموقع سكاي نيوز عربيَّة مؤخَّراً، ويصرُّ أنَّه من الصَّعب إنهاء هيمنة الدولار؛ لأنَّه يتحكَّم بالنّظام الماليّ والاقتصاد العالميّ، كذلك فإنَّه: [4]
- الاقتصاد الأمريكيُّ يُمثِّل قيمةَ أكبر 5 اقتصاداتٍ في العالم، ويصلُ حجمُهُ إلى 27 تريليون دولارٍ.
- 48% من معاملات النَّقد الدَّولي تتمُّ بالدُّولار.
- تستحوذُ السُّوق الأمريكيَّة على 45% من أسواق المال العالميَّة، وبالتَّالي فإنَّ عملتها هي الأساس بالاقتصاد العالميّ.
- الثّقة العالميَّة الكبيرة باقتصاد الولايات المتَّحدة.
حين التَّحدث عن فكرة إلغاء هيمنة الدولار، تأخذ بعض الأخبار بعداً عاطفيّاً من نوعٍ ما، مدفوعاً بالسّياسات الأمريكيَّة تجاه بعض الدّول، لكن الواقع يبدو مختلفاً جدّاً، وإلغاء هيمنة الدولار لا تبدو سهلةً بهذا القدر.
كيف أصبح الدولار عملة عالمية مهيمنة؟
أصبح الدولار عملةً عالميّةً مهيمنةً نتيجة الظُّروف التي أشرنا إليها في الفقرات السَّابقة، إلَّا أنَّ السّياسة الاقتصاديَّة الأمريكيَّة لعبت دوراً هامّاً في الحفاظ على الهيمنة العالميَّة لعملتها، حيث ساهمت قوَّة الاقتصاد الأمريكيّ والسِّياسة النَّقديَّة المُتشدِّدة، إضافةً إلى المخاطر الجيوسياسيَّة المُتزايدة في ارتفاع قيمة العملة الأمريكيَّة. [5]
القوانين الأخيرة للسَّيطرة على سعر الدولار بالسوق الموازية
تعكسُ القوانين الأخيرة للسَّيطرة على سعر الدولار بالسُّوق الموازية في بعض الدُّول أهمّيَّة الأخير باقتصاداتِ الدُّول وكيف يؤثِّر فيها سلباً أو إيجاباً.
في مصر
في مصر التي تُعاني من معدَّلات تضخُّمٍ كبيرةٍ مؤخَّراً، قامت الحكومة المصريَّة باتّخاذ عدَّةِ إجراءاتٍ بهدف السَّيطرة على سعر الدولار في السُّوق الموازية، وشملت تلك الإجراءات ما يلي: [6]
- رفع سعر الفائدة الذي أعلنهُ البنك المركزيُّ المصريُّ شهر آذار الفائت، وبلغت النّسبة 6% مرَّةً واحدةً، وهكذا بات سعر الفائدة يصلُ إلى 27.25% للإيداع، و28.25% لعمليَّات الإقراض.
- تعويم الجنيه، حيث بات من المسموح لسعر صرف الجنيه المصريّ أن يتحدَّدَ وفقاً للسُّوق دون تدخُّلٍ من الحكومة.
- زيادة الاستثمارات الأجنبيَّة، حيث تعمل السُّلطات المصريَّة على زيادة عدد الاستثمارات الأجنبيَّة والعربيَّة، بهدف زيادة احتياطاتها من العملة الصَّعبة.
وعلى الرَّغم من المحاولات إلَّا أنَّ مستويات التَّضخُّم في مصر ما تزالُ كبيرةً، وتتسبَّب بأذىً كبيرٍ على المستوى الشَّعبيّ من ناحية انخفاض القُوَّة الشّرائيَّة وتراجع مستويات المعيشة.
في العراق
وفي العراق قامت السُّلطات هناك باتِّخاذ جملةٍ من القرارات لضبط سعر صرف الدُّولار في السُّوق الموازية، مثل قرار الحكومة العراقيَّة فرض التَّعامل بالعملة المحلِّيَّة، وهي الدّينار العراقيُّ في الأسواق وكافَّة المحال التّجاريَّة في العراق، ولأجل ضمان تنفيذ الخُطَّة، شاركت الشُّرطة العراقيَّة بالحملة، وأخذت تعهُّداتٍ خطّيَّةً من كلّ التُّجَّار وأصحاب المحال التّجاريَّة لمنع التَّعامل بالدُّولار وحصر التَّعامل وعمليَّات البيع والشّراء بالدّينار العراقيّ. [7]
كيفية الحفاظ على سيطرة الدولار
بالتَّأكيد درست الولايات المتّحدة كلَّ الإجابات المحتملة على سؤال: كيفيَّة الحفاظ على سيطرة الدولار؟ وهي لن تتنازلَ بين ليلةٍ وضحاها عن تلك السَّيطرة التي جعلتها توصف بالدَّولة سيَّدة العالم. ويُمكنُ الحفاظ على سيطرة الدولار من خلال تعزيز مكانته عبر الانتباه جيّداً إلى العوامل التي تُؤثِّر على قيمته، وهي: [8]
العرض مقابل الطلب
عندما تُصدِّر الولايات المتّحدة المنتجات، فإنَّها تخلق طلباً على الدولار؛ لأنَّ العملاء يحتاجونه لدفع ثمن تلك السِّلع، وهذا ما سيؤدِّي إلى قيام المستهلكين العالميِّين بتحويل عملاتهم المحلِّيَّة إلى دولاراتٍ من خلال بيع عملتهم لشراء الدولار وتسديد المبالغ.
كذلك فإنَّ الشَّركات أو الحكومة الأمريكيَّة حين تقوم بإصدار سنداتٍ لزيادة رأس المال ويقوم الأجانب بشرائها، فإنَّ الثَّمن يُدفع بالدولار، وهذا ينطبق أيضاً على شراء أسهم الشَّركات الأمريكيَّة من مستثمرين غير أميركيِّين.
حتَّى اللَّحظة ما يزال الدُّولار ملاذاً آمناً في أوقات عدم اليقين الاقتصاديّ العالميّ؛ لذلك غالباً ما يستمرُّ الطَّلب على الدولار على الرَّغم من تقلُّبات أداء الاقتصاد الأمريكيّ، وسيكون من الأولى بالولايات المتَّحدة أن تحافظَ على الدولار كملاذٍ آمنٍ.
معنويَّات السُّوق
عندما يقوم المستثمرون الأجانب بإعادة شراء عملتهم المحلِّيَّة بسبب اضطرابات السُّوق، فإنَّ ذلك يُؤثِّر في الدولار ويُخفِّض قيمته، والبطالة المتزايدة قد تؤدِّي إلى إضعاف الاقتصاد الأمريكيّ، وربّما يتباطأ الاستهلاك، ومن المُمكن أن تواجهَ أمريكا عمليَّات بيعٍ واسعةِ النِّطاق للدولار، حيث يقوم المستثمرون العالميُّون بإعادة الأموال النَّقديَّة من بيع السَّندات أو الأسهم للعودة إلى عملتهم المحلّيَّة.
مؤشِّرات السُّوق
يقوم المتداولون بقياس ما إن كان المعروض من الدُّولارات سيكون أكبر أو أقلَّ من الطَّلب، وللمساعدة في تحديد ذلكَ، فإنَّهم ينتبهون إلى الأخبار والأحداث التي من المُمكن أن تُؤثِّر في قيمة الدُّولار.
كذلك، فإنَّ المتداولين يراجعون الأنماط التَّاريخيَّة النَّاتجة عن العوامل الموسميَّة مثل مستويات الدَّعم والمقاومة والمؤشّرات الفنّيَّة، ويعتقدُ معظمهم أنَّ هذه الأنماط دوريَّةٌ، ويمكن استخدامها للتَّنبُّؤ بحركات الأسعار المستقبليَّة.
هل يمكن الخروج من هيمنة الدولار؟
بالنَّظر إلى ما سبق، لا يُمكن الخروج من هيمنة الدولار، على الأقلَّ لن يحدثَ ذلك بالسُّرعة التي يتمُّ التَّحدُّث بها عن الموضوع. ويفنِّد المدير التَّنفيذيُّ لشركة VI Markets أحمد معطي في تصريحاته لسكاي نيوز عربيَّة الأسباب، كالتَّالي: [4]
- كلُّ السّلع الاستراتيجيَّة تسعَّر بالدُّولار مثل الأدوية والأسلحة والذَّهب وحتَّى النّفط، وهذا ما يضمنُ استمرار قوَّة العملة الأمريكيَّة.
- معظم الاحتياطيّ الأجنبيّ في بنوك العالم المركزيَّة بالدُّولار.
- السُّوق الأمريكيَّة ما تزال مستقرَّةً على الرَّغم من تطوُّر الأحداث العالميَّة.
وعلى الرَّغم من محاولات بعض الدُّول مثل الصّين وروسيا، تقليل استخدام الدُّولار، إلَّا أنَّها تبقى مجرَّد محاولاتٍ، ولا يعني أنَّها نجحت بكسر هيمنة الدولار.
وبينما تحاولُ العديد من الدُّول التّخلّي عن الدولار مثل الصِّين وروسيا وفنزويلا وماليزيا والبرازيل، يبدو المشهد ضبابيّاً بعض الشَّيء، ويبدو أنَّ الدولار يترنَّح بالفعل، لكن كما قُلنا سابقاً ربَّما تكون تلك مجرَّد محاولاتٍ ولا أحد يدري إن كانت ستنجحُ، على الأقل الأمر ليس واضحاً على المدى المنظورِ.
-
الأسئلة الشائعة
- هل سعر الذهب مرتبط بسعر الدولار؟ يرتبط الذهب والدولار بعلاقة عكسية، فحين تنخفض قيمة الذهب ترتفع قيمة الدولار والعكس صحيح.
- هل ألغت الصين التعامل بالدولار؟ تحاول الصين التخلي عن التعامل بالدولار، فاعتباراً من آذار 2024، تمت تسوية أكثر من نصف المدفوعات الصينية بنسبة 52.9% باليوان، بينما تمت تسوية 42.8% بالدولار الأميركي.
- هل لا يزال الدولار الأميركي مرتبط بالذهب؟ لا، لم يعد الدولار الأميركي مرتبطاً بالذهب، منذ عام 1971 حين أعلن الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون حينها عن فك ارتباط الدولار بالذهب.
- لماذا الدولار أقوى عملة؟ لأن الدولار هو العملة المستخدمة في التّبادل التّجاريّ العالميّ، كما أنّه أكبر عملة احتياطية لدى الدول في العالم.